كيف خسرت الجزائر معركتين حاسمتين ضد المغرب؟

كيف خسرت الجزائر معركتين حاسمتين ضد المغرب؟

عبد السلام البوسرغيني

تعكس المواقف التي يعلن عنها في الجزائر، ومنذ مدة غير قصيرة، مدى القلق والانزعاج اللذين يسودان الأوساط الرسمية الجزائرية، بشأن الأوضاع التي توجد عليها الأزمة بين المغرب والجزائر. وتبدو النرفزة السائدة في تلك الأوساط من خلال ما تنشره وتبثه وسائل الإعلام الجزائرية  الرسمية. ويوحي هذا الوضع باستبعاد العودة إلى أي هدنة في الصراع المحتدم بين المغرب والجزائر الذي أدى إلى القطيعة الدبلوماسية.    
فإلى أي سبب يرجع هذا الوضع الذي لا يزداد إلا تأزما في المنطقة المغاربية؟
     

– أولاهما كون المغرب أصبح متحكما ومسيطرا على الوضع العسكري والأمني على الحدود مع الجزائر، وكون سيطرة قوات البوليساريو بدأت تضعف شيئا فشيئا في المنطقة العازلة التي تدخل في إطار المناطق التي تشملها السيادة المغربية بدون منازع، ولم تعد هذه المناطق سائبة يستطيع المتمركزون فيها تلقي الدعم العسكري الجزائري المباشر في ربوعها وداخلها، وذلك منذ أن أقدمت القوات المغربية في نوفمبر 2021 على تحطيم شاحنات جزائرية غامرت بالتوغل إلى “بير لحلو” الذي يشكل مع “تيفاريتي” مركزين عسكريين متقدمين في المنطقة العازلة، وفعلت ذلك على اعتبار أن الشاحنتين توغلتا للمساهمة في المجهود العسكري للبوليساريو.
وللتأكيد على عزم المغرب على إنهاء “أسطورة الأرض المحررة” التي يحلو للإعلام الرسمي في الجزائر ترديدها، عمدت القوات المغربية أخيرا إلى دك بعض التحصينات وخزائن الذخيرة والأسلحة التي تتوفر عليها البوليساريو في “بير لحلو”.
– ويتمثل السبب الثاني في التصعيد الأخير للصراع، في كون القادة الجزائريين فشلوا في محاولة محاصرة المغرب على الصعيد الإفريقي، وفي زعزعة النفوذ المغربي في العالم العربي.
نعم، فشلت المساعي التي اتجهت إلى موريتانيا التي تعد بوابة المغرب نحو عمقه الإفريقي، وذلك نظرا لما أصبحت عليه العلاقات بينها وبين المغرب من متانة، ولكون طرد البوليساريو من منطقة “الكركرات” العازلة وتأمينها أتاح تحسين ظروف السير في الطريق بعد إصلاحها، ومكن أيضا من توسيع وتأهيل المركز الحدودي مع موريتانيا الذي يسير بخطى حثيثة ليتحول إلى مدينة مزدهرة.
والواقع أن زيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني للجزائر وما تخللها، كانت بمثابة صفعة تلقاها القادة الجزائريون. فمن حيث أرادوا من وراء استدعائه استباق ما كان منتظرا من زيارة الرئيس المريتاني المحتملة، بل والمقررة للمغرب وتنتظر تعيين توقيتها، أصيبوا بخيبة أمل، إذ عمد الرئيس الموريتاني ليلة زيارته للجزائر إلى الإدلاء بتصريح لجريدة لبنانية، استهدف من ورائه تأكيد موقف موريتانيا الإيجابي لصالح المغرب من نزاع الصحراء، وبالتالي من الصراع المغربي الجزائري. وبذلك أغلق الباب آمام محاولة التأثير على مواقف موريتانيا لتنضم إلى الجزائر، حتى في أدنى ما يطمح إليه الجزائريون، كمساندة المطالبة بالاستفتاء.
وفشل قادة الجزائر في محاولة محاصرة المغرب عربيا انطلاقا من بوابة مصر. وقد يؤدي موقفهم من المغرب إلى تأجيل القمة العربية التي اعتمدوا عليها في محاولة استرجاع الجزائر لنفوذها في العالم العربي. ففي الوقت الذي كان الرئيس عبد المجيد تبون يتأهب للذهاب إلى القاهرة، أوحى القادة المصريون لسفيرهم في المغرب ليصرح بما يفيد بأن موقف مصر المساند للمغرب قوي ولا رجعة فيه، وكان ذلك إيذانا بفشل المساعي التي ذهب الرئيس الجزائري من أجلها إلى القاهرة.
  وهكذا يبدو أن القادة الجزائريين، وعلى عكس ما يدعون باستعادة نفوذهم الدبلوماسي في المحافل الافريقية والعربية، أصيبوا بنكستين ، الأولى على الصعيد العسكري التي جعلت المغرب يعزز موقعه بالنسبة للمنطقة العازلة، والثانية على الصعيد الدبلوماسي بفشلهم في محاصرة النفوذ المغربي في إفريقيا وفي العالم العربي.

Visited 48 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد السلام البوسرغيني

صحفي وكاتب مغربي