بانوراما الانتخابات اللبنانية: رياح التغيير لن تأتي…
درويش حوحو
مع إنتهاء مدة تسجيل اللوائح للانتخابات النيابية في لبنان المقررة في 15 ايار المقبل، تظهرت الصورة الانتخابية أكثر فأكثر، إذ تم تسجيل مية وثلاث لوائح في الدوائر الانتخابية الثلاثة عشرة. وشهدت المناطق تعدد اللوائح وتضاربها خصوصا لدى من سموا انفسهم “التغييريين” وهم مجموعات مختلفة ومتناقضة، حسبوا انفسهم ومواقعهم على ثورة 17 تشرين التي حصلت في العام 2019، في حين تمكنت أحزاب منظومة الفساد من تنظيم خلافاتها وأعلنت لوائحها متكافلة متضامنة، بجهود حزب الله الذي يسعى الى تأمين ثلثي أعضاء المجلس النيابي ليكرس سيطرته على السلطة بكامل مؤسساتها وبالتالي رهن البلاد الى محور ما يسمى الممانعة، ما يعني دخول لبنان في مرحلة خطيرة تهدد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، وعزل لبنان عن محيطه العربي وعن علاقاته التاريخية مع المجتمع الدولي.
لقد تمكن هذا الحزب من حل المشكلات المختلفة بين حلفائه، وخصوصا تأمين تحالف لـــ “التيار الوطني الحر” الذي يتزعمه النائب جبران باسيل والذي يعاني من انفكاك جزء لا بأس به من مؤيديه وابتعاد هؤلاء عن سياساته ومواقفه، ناهيك عن الخلافات الشخصية معه بسبب تفرده بإتخاذ القرارات داخل التيار. إذ عقد حزب الله تفاهما مع هذا التيار بتأمين أصوات من الطائفة الشيعية لصالح لوائح باسيل في مناطق جزين والشوف وكسروان وجبيل، بهدف توفير كتلة نيابية وازنة له تعيد لباسيل شيئا مما خسره في الشارعين المسيحي والسني.
اما في الجنوب، فإن التحالف الثنائي المكون من حزب الله وحركة امل، فشكل لوائح تضمن له الفوز بغالبية المقاعد في دوائر الجنوب الثلاث، مع إمكانية حصول خروقات لصالح لوائح قوى التغيير في دائرة الجنوب الثالثة النبطية ـــ مرجعيون، وكذلك امكانية حصول خرق في دائرة صور، هذا اذا توفرت لقوى التغيير ارادة تنظيم معركتها ورص صفوفها لاكتساب ثقة الناخبين الذين يعانون الفقر والمرض وغياب الأمن، نتيجة فرض ميليشيات حزب الله سلطة قمعية وممارستها التهديدات ضد القوى والجماعات المعارضة لممارسات هذا الحزب.
اما لجهة أحزاب قوى 14 اذار والمتمثلة بالحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية وما سمي بقدماء تيار المستقبل. فالاشتراكي والقوات اعلنا تحالفهما، خصوصا في دائرة علي عاليه ـــ الشوف، وهي أكبر دائرة انتخابية في لبنان، إذ تضم 13 نائبا حيث شكلا لائحة مشتركة ضمت اليهما مرشحا لحزب الوطنيين الاحرار. وتعاني هذه اللائحة من ضعف في مرشحي السنة والموارنة، وهناك تخوف من حصول خروقات وفوز المرشح وئام وهاب المنضوي في اللائحة التي تضم النائب طلال ارسلان، وتخوف جنبلاطي من فوز وهاب على حساب مروان حمادة. ولذلك فانه يقود معركة قاسية ومعقدة لتأمين الاصوات التفضيلية لحمادة. اما اللائحة المنافسة فهي تعاني ضعفا في مرشحي الموارنة، اذ ضمت مرشحين من ال البستاني من بلدة دير القمر وأهملت تجمعات المسيحية في إقليم الخروب لا سيما الدامور.
وبخصوص قوى التغيير، فبالرغم من الجهود المضنية التي بذلت منذ شهور للتوصل الى لائحة موحدة لخوض المعركة في هذه الدائرة. حيث كانت الاحصاءات تشير الى إمكانية فوزها بمقعدين سني وماروني مع إمكانية حصول خرق ثالث، في حال تم تنظيم القوى وحشد الناخبين بشكل جيد، ولكن للأسف الشديد لم تثمر هذه الجهود، إذ اصطدمت بمواقف التعنت والانانية والشخصانية من قبل العديد من القوى التغييرية، التي تنافست عل تقدير الأحجام. لقد نجحت قوى السلطة وأحزابها عبر بعض الاحزاب الجديدة الطارئة، وبعض الجماعات في زيادة التفرقة والخلافات، حتى ظهرت اربع لوائح من القوى التغييرية وتمكن تحالف الحزب الشيوعي وحزب سبعة وتقدم وبعض الجماعات من تشكيل لائحة ملغومة بودائع لأحزاب السلطة وخصوصا لقوى الممانعة وحلفائها، وهذا التشرذم لن يسمح بالطبع بحصول اختراق للوائح السلطة، بل سيؤدي الى إراحة لوائحها وخصوصا لائحة القوات ـــ الاشتراكي، فيما ستتوزع أصوات التغييريين على اللوائح الاربعة.
ومع شعور بالقرف واليأس من قبل الناخبين الذين أملوا بتوحيد قوى الانتفاضة وتحقيق فوز ما يعطي املا بإمكانية الخلاص من الواقع المتردي. وهكذا الحال في مناطق عكار وطرابلس ـــ الضنية حيث انقسمت قوى الانتفاضة ما بين احدى عشرة لائحة في عكار، وفي طرابلس وصولا الى دائرة البترون ـــ بشرى ـــ الكورة والبقاع الشمالي وبيروت.
وفي ظل هذا الواقع لا عجب إذا تمكنت قوى المنظومة وأحزابها بقيادة حزب الله من تكريس سيطرته على المجلس النيابي الجديد، ودخول لبنان في مرحلة قاسية من الصراعات والخلافات، وتردي الاوضاع الاقتصادية والمالية وافلاس البلاد والعباد حيث لا حلول للازمات الخانقة في ظل هذه المنظومة، ويزداد ارتهان لبنان لمحور الممانعة المدعوم من ايران التي تعتبره ورقة رابحة في المساومة في خلافاتها مع الدول الغربية.