الحركة النسوية: ضحية استلاب!…

الحركة النسوية: ضحية استلاب!…

د. سيلفا بلوط

   ترجمت الحركة النسوية ديناميّتها في مسيرة عملانية، وليست فقط تنظيرية، وحفل تاريخها النضاليّ، من أجل الدفاع عن كرامة المرأة، بالسعي الدؤوب إلى تحقيق مطالبها المحقّة والمتمثّلة في فتح أبواب التعليم والعمل والاقتراع والترشّح للمناصب السياسية أمامها.

   لقد أُهدِرَت حقوق المرأة في المجتمعات عموماً، ولا سيّما العربية واللبنانية منها، بعد أن تم توصيفها بالعنصر الناقص و”الضلع” الضعيف ، فأتى انتهاك حياتها على المستويات كافة برهاناً على “استضعافها”. وكان من الطبيعي وكذلك المنطقي أن تعي المرأة أهمية وجودها ليس فقط ككائن بشريّ يؤدّي دوره في الانجاب وتربية الاطفال وتلبية رغبات الزوج فحسب، وإنما أيضاً ككائن “عاقل”. بمعنى آخر ، أدركت أن واجبها تجاه نفسها يحتّم عليها استثمار وعيها و فكرها و إمكاناتها في جانب آخر، لا  يقلّ أهمية عن دورها التقليدي.

   لذلك ولدت الانتفاضة النسوية من رحم واقع فرضت المرأة نفسها فيه كعنصر له دوره الفاعل .

   وبما أن الحركة النسوية كانت بمثابة شرارة حداثة ، إن جاز التعبير، فقد اتخذ خطابها النضاليّ طابعاً تصعيدياً،  فتبلور، في بادئ الأمر، في حراك مطلبي ينشد ارساء المساواة بين المرأة والرجل، وانتقل من ثمّ إلى السعي للتحرّر من الوثاق الأبوي الذكوري.

   ولسنا هنا في صدد سرد تاريخ حركة النضال النسوي المشرّف والذي حملت لواءه المرأة الإيرانية مؤخراً ، ففرض  احترامه والتمثّل به ، بل أننا نسعى إلى مقاربة نقدية له. ولا يخفى ما للنقد من دور فاعل في القاء الضوء على بعض النقاط التي يعدّ التعرّض لها إضافة جديدة و بنّاءة.

   لقد حدّدت ثقافة المجتمع الذكورية أدوار كلّ من الرجل والمرأة، و أناطت الحقوق والواجبات الخاصة به، وأدخلتها في نظام تنشئتها  الاجتماعية ومناهجها التربوية أيضاً. ومن هذا المنطلق، بقيت الهوية الذكورية هي المحدّدة لهوية المجتمع وثقافته. بمعنى آخر، لقد عمل المجتمع على تأكيد ذكوريته.

  انطلاقاً من هذا التوكيد النرجسيّ للهوية الذكورية، سمح المجتمع  للمرأة بمساحة معينة من الحرية حدّدها بما يتناسب مع مصلحته، وأسقط من حساباته مصلحة المرأة. لذلك قد يكون من الخطأ القول أن المجتمع خسر جزءاً من ذكوريته مع ظهور النسوية.

   وعلى هذا النحو، يمكن الحديث عن  عملية استلاب  تعرّضت لها النسوية من قبل المجتمع الذكوري.

  وإذا ما قاربنا جوهر الحركة النسوية نفسها، لوجدنا أنها أتت، بنسبة كبيرة،  كتعويض و ليس كاختيار. ويأتي تناول الفرق بين التعويض والاختيار ليثبت، أكثر فأكثر، هشاشة هذه الحركة و ضعفها  لأن التعويض ليس إلا أوالية دفاعية ضد الشعور بالعجز ، أما الاختيار ، فهو ميكانيزم التمتّع بالقوة و الإرادة.

   وعلى هذا الأساس، يتبدّى لنا، من مقاربة سلوك الحركة النسوية، أن المطالبة المحقّة بحقوق المرأة وحريتها شابها الكثير من الأخطاء التي عكست مستوىً قليلاً من النضج،  وليس، كما يظهر، وعياً تاماً بقضاياها الأساسية.

   وتسمح لنا ملاحظة واقع المرأة  اللبنانية، وسيّما الحاصلة على درجة كبيرة من التحصيل العلمي، أن الحركة النسوية لم تلغِ أو تمحِ  اعتياد نسبة كبيرة من النساء على الخنوع. ويتبدّى الدليل الأقوى على استمرار هذا الاعتياد في أن الكثير من المتعلّمات لا زلن يخضعن بكامل إراداتهنّ لقيم المجتمع الذكوري، وكأنهن يبحثن من خلال هذا الخضوع على توكيد الذات. وإذا ما تناولنا أيضاً، نظرة المرأة إلى ذاتها، لوجدنا أنها تتعامل مع هذه الذات ومحيطها كنسوية وليس كامرأة تمتلك الكفاءة والجرأة و العقلانية.

   وهكذا ، فقد سجنت الحركة النسوية نفسها ، على العموم، بين قضبان محاكاة المرأة للرجل. ممّا عكس عجزها في الكثير من المسائل.

   ويتجلّى الواقع الأكثر دقة وحرجاً في أن الحركة النسوية باتت  “أكسسواراً”  لتجميل واقع اجتماعي مزيّف. بمعنى أن النسوية أضحت كموضة لا أكثر و لا أقل!…

   خلاصة القول، لا يمكن للحركة النسوية أن تثبت ذاتها إذا لم تتسلّح بنزعة إلى التغيير تنطلق من هذه الذات لتطال الواقع المحيط بها.

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. سيلفا بلوط

باحثة متخصصة في علم النفس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *