الفنان محمد المرابطي ينزع سياج الحدود عن إفريقيا ليفتحها على حركية الترحال

الفنان محمد المرابطي ينزع سياج الحدود عن إفريقيا ليفتحها على حركية الترحال

 باريس- المعطي قبال

   ليست إفريقيا بغريبة على الفنان محمد المرابطي. «تزوره» باستمرار عبر فنانيها الوافدين من عدة دول، بمشغله، «المقام» الواقع بمدينة تحناوت، كما ينصت لأهازيجها وموسيقاها الصادحة عبر المتن الكناوي، البامبارا، الغيواني، أو أسلوب الفنانين الإيكاوين الذين يمثلهم احسن تمثيل الفنانون الموريتانيون وعلى رأسهم مالوما، ديمين منت عبة، فنانة الحسن الثاني المفضلة، الطاهرة منت حمبرة الخ…

   كما أن المرابطي ينهل وحيه من سلالته الوافدة من جنوب الصحراء. لذا فإن اهتمامه بإفريقيا ليس بغريب ولا مفاجيء. ابتداء من 9 فبراير يقيم الفنان بفندق المامونية بمراكش، في إطار مهرجان «إفريقيا بكل الأحرف»، معرضا جديدا في عنوان «بلا حدود، مركز العالم».

   اشتغل المرابطي على هذا المشروع لسنوات زار خلالها كلا من موريتانيا، مالي، السينغال حيث وقف عند الأضرحة، المقابر وقبور المشايخ والسادات بغاية مقارنتها بأضرحة الأولياء بالمغرب وتحديدا بمنطقة الحوز: كيف تصان وتزار هذه الأمكنة؟ هل لا زالت لها نفس الهبة القدسية ونفس الكرامات؟ هل من مشروع لترميمها بعد أن تدخلت سلطة الإسمنت والزليج على المقابر. لأية جغرافية طوبوغرافية تخضع هذه الفضاءات؟ يلاحظ أن المقابر والأضرحة لا تتحكم فيها أية جغرافية. يمكن للموت ان يباغث المسافر أو عابر الصحراء ليقر اتباعه أو مرافقوه بدفنه في عين المكان ولا تشهد على قبره سوى حجرة أو نبتة أو جلد ماشية لا تلبث الريح أن تغطيها بالحصى والرمال.

   رغبة الفنان في هذا الإنتاج الجديد هي مسح وإعادة كتابة وترسيم جغرافية إفريقيا على أسس جديدة حيث لا بحار ولا محيطات وإنما فضاءات مفتوحة ومرحبة بالترحال. من قبل لم تكن إفريقيا مرسومة بحسب الحدود، بل كانت القوافل تنتقل من فضاء إلى آخر إلى أن تدخل الاستعمار ورسم بسياج من حديد ونار الحدود بين دول إفريقيا. يتعلق الأمر في مشغول المرابطي بقلب الآية المألوفة والمعتادة والقاضية بموقعة إفريقيا كمحيط وكهامش. تذكرنا هذه المبادرة برواية «الولايات المتحدة الأفريقية» للكاتب والشاعر الدجيبوتي عبد الرحمان وابري الذي تصور بلاد الشمال والغرب عموما قارات بئيسة وفقيرة اضطر أهلها وسكانها إلى الهجرة إلى إفريقيا بحثا عن لقمة العيش. هكذا أصبح السويسري، والألماني والبلجيكي، والفرنسي الخ …  «حراكة» في بلاد إفريقيا. متسكعون وشحاذون.

   في مشغول محمد المرابطي أضحت إفريقيا خرائط بلا حدود، مركز للكون تحيط به بحار ليست بالضرورة زرقاء، بحار لا تسمية لها ولا هوية، نسيج مرصع على أقمشة من كتان أو حرير بألوان زاهية وزخرفة زهرية، ألياف من الألواح الدائرية. هنا إفريقيا مفعمة بالمرح والبهجة على النقيض مما هو رائج عنها كونها فريسة للمجاعة والبؤس والحروب. تعاكس نظرة الفنان هذا التصور للانصهار في جوانية وحميمية القارة الأفريقية، في عمقها التاريخي، في طاقتها الحيوية، وكثافتها البشرية والطبيعية. لذا يتموقع محمد المرابطي في هذا النتاج على مستوى عالمي، حيث تتقاطع أعماله مع أعمال فنانين كبار أمثال فيليب فافيي، غييرمو كويتكا اللذان يشتغلان على الخرائط كمادة تشكيلية. وكما لو أراد الفنان هنا التنديد بتسييج أوروبا وأمريكا وبلدان أخرى لحدودها، فتح المرابطي إفريقيا على العالم، على الحركة، على التبادل والإبداع، على الحياة والحيوية. ويترجم النتاج المعروض هنا هذه التجربة التي تجسد وتجسم إفريقيا في جماليتها الراقية.

شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *