تحكيمُ مباراة المغرب ضد فرنسا… الفيفا في قفص الاتهام

تحكيمُ مباراة المغرب ضد فرنسا… الفيفا في قفص الاتهام

عبد السلام بنعيسي

   العديدُ من المتابعين للمباراة التي جمعت المغرب ضد فرنسا برسم نصف نهاية دورة كأس العالم لكرة القدم المقامة في قطر، وقفوا حائرين أمام “الأخطاء” الفادحة التي اقترفها الحكم المكسيكي سيزار راموس الذي أدار المباراة المذكورة، فلقد أشار مدربون، ولاعبون، وخبراء في مجال التحكيم إلى أن حكم المباراة حرم المغرب من ضربتي جزاء واضحيتين وضوحا شديدا، وشاهدنا فيديوهات تعرض بالصور البطيئة، كيف أن المدافع الفرنسي يُسقط اللاعب المغربي سفيان بوفال داخل مربع العمليات، ويحدثُ الإسقاطُ أمام أنظار الحكم الذي كان قريبا مما وقع، بحوالي مترين إلى ثلاثة أمتار، ولكنه مع ذلك، لم يعلن عن ضربة جزاء، بل أشهر الورقة الصفراء في وجه المهاجم المغربي بوفال أمام دهشة الجميع..

   وفي صراع بين المهاجمين المغاربة والمدافعين الفرنسين أثناء تنفيذ ركنية لصالح المنتخب المغربي، شاهدنا، كيف تم الارتماء، من طرف مدافع فرنسي، على اللاعب المغربي سليم أملاح لإسقاطه بعنفٍ، في نقطة الجزاء، دون أن يعلن الحكم المكسيكي عن أي شيء، رغم احتجاجات اللاعبين المغاربة….

  والمدهش في الأمر، هو أن حكم الفار لم يوجه الدعوة للحكم الرسمي من أجل التدقيق في أي من الواقعتين، ليتأكد إن كان هناك، في أي منهما خطأ أم لا، ليرتب عن ذلك القرارات المناسبة، فتقنية الفار بدت وكأنها معطلة تماما، ولم تقع العودة إليها، ولو لمرة واحدة، طوال المباراة التي جمعت فرنسا بالمغرب.

  حين خسرت فرنسا ضد المنتخب التونسي، فإنها قدمت اعتراضا تقنيا على عدم احتساب الحكم لهدفٍ اعتبره الفرنسيون شرعيا، كان قد سجله اللاعب كريزمان، ورفضه الحكم لأن اللاعب، كان بالنسبة للحكم، في حالة تسلل، فرغم أن فرنسا كانت متأهلة للدور الثاني بست نقاط، ورغم أن الهزيمة ضد تونس لم تكن لها أي تبعات على مصيرها في المونديال، مع ذلك، فإن فرنسا احتجت على عدم احتساب هدف، بدا لها شرعيا، ودعت إلى مراجعة قرار الحكم، ولم تقبل بنتيجة الهزيمة إلا على مضض، حرصا منها على عدم تعرُّضها لما بدا لها ظلما من الحكم.

  لنتصور أن فرنسا كانت هي المنهزمة أمام المغرب بهدفٍ لصفر، وأن مدافعا مغربيا أسقط مهاجما فرنسيا في مربع العمليات، بالطريقة التي أُسقط بها سفيان بوفال، هل كان الحكم المكسيكي سيتساهل مع الدفاع المغربي، ويتحاشى احتساب ضربة جزاء؟ من الصعوبة أن يكون الجواب على السؤال بالإيجاب. وإذا افترضنا أن هذا السيناريو قد وقع، هل كانت النازلة ستمر بسلام؟ ألم تكن فرنسا ستثير زوبعة، لا نهاية لها ضد الحكم والفيفا، وأنها كانت ستطالب بإعادة المباراة، وبطرد الحكم وبمعاقبته أشد العقاب، وقد تجبر الفيفا على الاعتذار عما وقع..

  حين تُقدم الجامعة المغربية لكرة القدم احتجاجها للفيفا على عدم احتساب ضربتي جزاء، وحين يجمع المحللون الرياضيون، والخبراء في مجال التحكيم على الظلم الذي تعرض له المنتخب المغربي على إثر عدم احتساب حكم المباراة ضربتي جزاء لصالحه، فهذا يُبيِّنُ أن هناك خللا تحكيميا كبيرا طبع هذه المباراة، فهذا الرأي استقر في وعي ولاوعي الجمهور المغربي، وصار قناعة في أذهان الكثيرين من كل الذين تابعوا أطوارها،  ويبدو الأمر مؤسفا ومحزنا في نظر الذين يريدون لمباريات كرة القدم أن تظل مطبوعة بطابع الاستقامة والنزاهة، وأن يكون التحكيم فيها موضوعيا ومنصفا، وألا يُوقِع الظلم على أي فريق..

   وللخروج من هذه الضبابية التي سادت أجواء مباراة المغرب وفرنسا، يتعين على الفيفا أن تدلي برأيها في كيفية أداء الحكم المكسيكي لأطوارها، هل يبدو للفيفا أنه أخطأ؟ إذا كان الجواب بالنفي، فلتتفضل الفيفا التي تعجُّ بالخبراء في مجال التحكيم، وليشرحوا للجمهور، وللمشككين في التحكيم الذي تخللها، أين أخطأوا، ويطمئنونا بالحجج والأدلة المقنعة، كيف كان الحكم المكسيكي مصيبا في قراراته، وأنه لم يتجاوز القوانين المنظمة للعبة، حين تحاشى الإعلان عن ضربتي جزاء لفائدة المغاربة.

  أما إذا كانت ضربتا الجزاء صحيحتين، وأن الحكم قد حرم المنتخب المغربي منهما، فهنا يتعين شرح أسباب ذلك؟ هل نحن أمام خطأين بشرين وقع فيهما حكم المقابلة، كما قد يقع في مباريات عديدة، وأن من طبيعة البشر الخطأ، وعلينا تحمل تبعات هذين الخطأين، أم أن الأمر يتجاوز الخطأ، إلى الفعل المتعمد والمقصود؟ وكيف يمكن لنا التمييز بين الخطأ الطبيعي والفعل المبيت، خصوصا عندما لا تتم الإشارة من حكم الفار إلى ضرورة التأكد من الخطأين المرتكبين ضد اللاعبين المغربين؟ من حقنا أن نتساءل، وأن نقلق وأن نشك، فما وقع أماما أنظارنا لا يبعث على الاطمئنان.

   منتخب فرنسا منتخب قوي وهو بطل العالم، ولذلك، فإنه كان قادرا على الانتصار على نظيره المغربي، ولكن كان ينبغي أن يكون انتصارُه بناءً على جهود لاعبيه، وعلى طاقاتهم، وعلى إبداعاتهم، وألا يتدخل الحكم المكسيكي في صنع هذا الانتصار، بحرمان المغرب من ضربتي جزاء، كان بإمكان الإعلان عنهما، تغيير وجه المباراة ونتيجتها…

   حَكَمُ المباراة رجل أدار أطوارها، وانسحب لحال سبيله، وعلى  الفيفا، المؤسسة القائمة والتي ستظل كذلك، أن تحسم بوضوح في ما وقع، وأن تشرح للرأي العام العالمي  الرياضي الظروف التي أدت إلى وقوع هذا الظلم التحكيمي على المنتخب المغربي، لأن هناك من يرى أن للفيفا يدا في الذي حدث، بسبب أن مجريات مونديال قطر لم تتم بالطريقة التي رسمتها لها الفيفا، فمنتخب عربي أو من القارة الإفريقية، كان المتوقع له هو الوصول، في أفضل الأحوال، إلى دور ربع النهاية، ثم يُهزَمُ، وينسحب من البطولة، ليترك المنافسة للأقوياء التقليديين من أوروبا وأمريكا الجنوبية، كما تشاء ذلك الفيفا، أما حين بات المنتخب المغربي، حصانا أسودا، ووصل إلى المربع الذهبي، وكان قاب قوسين من أن يصل إلى النهائي، ولم لا يفوز بالكأس، فهذا أمرٌ فوق المتخيل، ويتجاوز المتوقع، الذي يجري التخطيط لوقوعه في مثل هذه المناسبات، ولذلك كان على الفيفا التدخل لإعادة الأمور إلى نصابها، فهكذا يفسر الكثيرون الظلم الذي تعرض له المغرب من طرف الحكم المكسيكي….

  إصدار بلاغ عن الفيفا يُوضِّحُ الملابسات التي جرت في هذه المقابلة أمرٌ مطلوب بإلحاح، وذلك للحفاظ لكرة القدم على طابعها الرياضي، ولكي يظل التحكيم فيها ملجأً لكل المنتخبات المشاركة في المونديال تستكين وتطمئن إليه. السكوت في هذه الحالة ليست حكمة. على الفيفا أن ترفع اللبس والغموض عما وقع في تحكيم مباراة المغرب ضد فرنسا. الفيفا هي التي في قفص الاتهام حاليا، وليس الحكم المكسيكي سيزار راموس…

شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *