ما بعد جريمة حوارة.. نكبة جديدة أم صناعة بديل؟

ما بعد جريمة حوارة.. نكبة جديدة أم صناعة بديل؟

هاني المصري

   ما حدث في بلدة حوارة جريمة تنذر، باقتراب تنفيذ نكبة جديدة، حيث قام نحو 400 مستوطن ينتمون إلى أحزاب منضوية في الائتلاف الاسرائيلي الحاكم، بغزو البلدة، برعاية وحماية ومشاركة قوات الاحتلال، ما أدى إلى استشهاد سامح الأقطش، وجرح المئات، وحرق حوالي 100 بيت ومثلها من السيارات، إلى جانب أضرار متنوعة أخرى.

   لم تلق هذه المجزرة إدانة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بل صرح بعدها بأن الفلسطينيين يريدون قتلنا، والرد يجب أن يكون بضربهم بشدة، وصدرت تصريحات طالبت بمحو حوارة على لسان قادة من المستوطنين، أيدها بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية والوزير في وزارة الحرب الإسرائيلية، الذي وصف ما حدث بأنه تجربة ناجحة، مع ضرورة أن تنفذ على أيدي جيش الاحتلال.

حجم الجريمة

   المثير للاستغراب أن ردة الفعل الفلسطينية والعربية (حتى الشعبية) لم تتجاوز الإدانة والشجب، إذ كان من المفترض اتخاذ قرار بتوفير متطلبات الدفاع عن الشعب وممتلكاته في المناطق المهددة بالعدوان، من خلال إمكانات السلطة والقوى والمجتمع لتشكيل الردع القادر على إحباط جرائم جديدة، وجعل من يقوم بها يفكر مرات عدة قبل تنفيذها.

   ويظهر هزال الموقف الفلسطيني بترحيبه بالموقف الأميركي من جريمة حوارة، والاكتفاء بمطالبة الولايات المتحدة بمعاقبة منفذي الجريمة، وعدم استقبال سموتريتش في الولايات المتحدة، من دون مطالبتها برفض أي تعامل مع الحكومة الإسرائيلية ومقاطعتها والمطالبة بفرض العقوبات عليها، وفي الحد الأدنى رفض المشاركة في قمة شرم الشيخ في السابع عشر من آذار الجاري، بعد أن اتضح أن لقاء العقبة لم يؤد إلى شيء.

  اللقاءات التي جرت ويمكن أن تجري لا تشكل محافل دولية، وإنما منصة لحشر الفلسطينيين في الزاوية، فبعد ثلاثين سنة على أوسلو، ومفاوضاته العبثية، أقامت سلطات الاحتلال تحت غطاء الاتفاق وعملية السلام واقعًا جعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية.

  ولم ترتق ردة الفعل الأميركية والأوروبية والدولية على غزوة حوارة، إلى رد فعل بحجم الجريمة ودلالاتها، حيث عطلت إدارة بايدن صدور بيان من مجلس الأمن يدين الجريمة، ولم توصف بالعمل الإرهابي، ووصل أقصى مدى في الموقف الرسمي الأميركي إلى عدم استقبال سموتريتش من قبل المسؤولين الأميركيين أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة، مع أن المطلوب من أميركا وأوروبا والمجتمع الدولي مساءلته، ووضع حزبه والأحزاب الفاشية الأخرى على قائمة الإرهاب، وربط التعامل مع الحكومة بتغيير برنامجها وبإخراج هذه الأحزاب الفاشية منها.

بروفة لما هو قادم

   ما جرى في حوارة جرس إنذار مبكر وبروفة لما يمكن أن يحدث من حكومة تتبنى برنامج فرض السيادة الإسرائيلية على “أرض الميعاد”، وتعتمد الضم والتهويد والتهجير، وهي تنظر إلى أن الردع الإسرائيلي للفلسطينيين لن يتحقق إلا إذا استخدمت حكومتهم الفاشية إجراءات أشد بكثير ضد الفلسطينيين.

ما العمل؟

   هو السؤال القديم الذي يطرح نفسه مجددًا وبقوة، هل تبقى الأمور تسير كالعادة، يتم التحضير للقاء شرم الشيخ في محاولة لإنهاء ما تم الشروع فيه في العقبة، وتحويل التفاهمات إلى اتفاقات تشمل أساسًا وضع خطة أمنية اقتصادية “تخفض التصعيد”، وتحول دون انهيار السلطة، وتحضر لما بعد عباس، عبر تأهيلها لبسط سيطرتها على الأراضي المصنفة (أ) و(ب)، وتحديدًا في جنين ونابلس، وما يعنيه ذلك من احتمال حدوث فتنة واقتتال بين أجهزة الأمن وكتائب المقاومة، فقادة الاحتلال كانوا وقحين إلى حد فظيع جدًا بالربط ما بين الاستعداد من السلطة لتفعيل دورها بالحد الأقصى لقمع المقاومة، واعتقال المقاومين، وإنهاء ظاهرتهم بوقف حملات قوات الاحتلال لاقتحام المدن، واغتيال المقاومين واعتقالهم في المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية، وارتكاب عمليات القتل بدم بارد لكل من يرونه تهديدًا، أو يمكن أن يشكل تهديدًا لحياة المستوطنين الآن أو في المستقبل، في ظل التسهيلات في قواعد إطلاق الرصاص، وإطلاق العنان لقطعان المستوطنين للقتل والتخريب الذين يشكلون ميليشيات مسلحة تضم نحو 100-150 ألف حامل للسلاح، ويتزايد عددهم كل يوم.

بديل مؤقت

   يتمثل الرد الطبيعي لمواجهة الخطر بوضع إستراتيجية موحدة تهدف إلى تحقيق الأهداف الوطنية في هذه المرحلة. وهذا السيناريو مستبعد جدًا في ظل الانقسام الذي يتعمق، ومع إيغال السلطة في سياستها التي تراهن على التكيف مع الأمر الواقع الذي فرضه الاحتلال، والذي أجهز على قضايا الحل النهائي التي تأمل السلطة بالتفاوض عليها عندما يتم استئناف المفاوضات في وقت لاحق.

  أما المعارضة فلا تزال تعمل من دون توحيد لقواها، وتراهن على استجابة السلطة المرتهنة والمقيدة بالتزامات أوسلو السياسية والأمنية والاقتصادية، وتغلب حركة حماس، وهي أقوى فصائل المقاومة، حاجات بقاء سلطتها ومتطلبات حلفائها الإقليميين على حاجات البرنامج الوطني.

  لا يوجد مخرج في ظل عدم استجابة القيادة الرسمية للوحدة، على أساس برنامج وطني ديمقراطي وشراكة حقيقية، سوى التقاء القوى والشخصيات والمؤسسات من داخل منظمة التحرير وخارجها على إطار مؤقت، لا يشكل بديلًا من المنظمة، إلى حين توفر إمكانية الإجماع الوطني في إطار منظمة التحرير، التي هي بحاجة إلى إعادة بناء لمؤسساتها لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي التي تؤمن بالمشاركة السياسية والخيار الديمقراطي التوافقي، ولا بد من إبقاء الباب مفتوحًا منذ البداية لضم الجميع، على أسس وطنية وديمقراطية تكفل تغيير المسار وإنقاذ القضية والأرض والشعب والهوية الوطنية، وعندها يتم الاتفاق على البرنامج الوطني وأسس الشراكة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإنهاء الانقسام، والتحضير لإجراء الانتخابات.

  ويتكون هذا الإطار الوطني المؤقت من عناصر عدة، تشمل: تحديد الهدف والأهداف، الذي يجب أن تتضمن أساسًا الكفاح لإنهاء الاحتلال، وكل ما بني عليه، وتجسيد الاستقلال الوطني والسيادة لدولة فلسطين، وحق العودة والتعويض للاجئين، والمساواة الفردية والقومية لشعبنا في الداخل، كمرحلة على طريق تحقيق الحل الديمقراطي على كل أرض فلسطين، وتحديد المبادئ الجامعة، وأهمها أن لا بديل عن الاحتكام إلى الشعب عبر صناديق الاقتراع، ورفض تنصيب خليفة أو خلفاء استجابة لإرادة الاحتلال وأميركا وحدهما، أو بمشاركة أطراف إقليمية ودولية، والتوافق الوطني على أساس البرنامج الوطني والديمقراطي إلى حين إجراء الانتخابات، والاستعداد للضغط السياسي والجماهيري المتراكم على القيادة الرسمية من دون انقلابات ولا عنف لإحداث التغيير المطلوب بأن توافق على مقومات الإجماع الوطني أو بتغييرها.

  وحتى يمكن أن تنجح هذه الخطوة يجب أن تبدي حركة حماس حسن النية منذ الآن، من خلال تقديم نموذج وطني ديمقراطي تشاركي في السلطة في غزة، والاستعداد للتخلي عنها، مقابل شراكة حقيقية كاملة في كل شيء، في السلطة والمنظمة، وفي قرار السلم أو المقاومة، في إطار عملية تجديد وتغيير دور السلطة ووظائفها والتزاماتها وموازنتها، وفي إطار التعامل مع المقاومة ليس بوصفها أداة في خدمة السلطة، بل بما هي إستراتيجية وطنية للتحرير تخضع للبرنامج الوطني والقيادة الموحدة للمقاومة والانتفاضة، التي يجب المسارعة إلى تشكيلها حتى لو سبقت الاتفاق على تشكيل الإطار المؤقت.

خفض التصعيد أم حسم الصراع

   كلمة أخيرة للدول والأطراف العربية: إن حماية الأرض والشعب والهوية الوطنية الفلسطينية، ومنع التهجير الطوعي والقسري، وضمان واستمرار التواجد الشعبي الفلسطيني على أرض فلسطين، وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية، والوصاية الهاشمية عليها، وحماية أمن واستقرار وسلامة البلدان العربية خاصة المحيطة بفلسطين، لا يتأتى من خلال الانخراط في إستراتيجية التهدئة التي تعتمدها الإدارة الأميركية وتصب بالكامل لصالح حكومة الاحتلال.

   إن أقصى ما تأمل واشنطن بتحقيقه من خلال إستراتيجية التهدئة خفض التصعيد، وهذا يؤدي إلى فتح شهية الاحتلال للمضي أكثر وبسرعة أكبر في تطبيق خطة الحسم للصراع، التي تهدف إلى الضم والتهويد والتهجير، وما يعنيه ذلك من طرد الفلسطينيين إلى الأردن وسيناء تطبيقًا لمخططات معروفة عن الوطن البديل.

مبادرة لتشكيل جبهة مناصرة

إن المخاطر المشتركة على الفلسطينيين والعرب تستدعي حوارًا مستمرًا يهدف في مدى زمني معقول إلى تشكيل جبهة شعبية مناصرة عربية وعالمية للقضية الفلسطينية، لا تترك الأمر للحكومات، ولا تخضع لحساباتها، بل تأخذ دورها كاملًا، وهو ما سيساعد على وقف الخطر وإزالته.

شارك الموضوع

هاني المصري

باحث وصحافي فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *