أكاديمية محمد السادس للغة العربية.. مشروع مؤجل في زمن الاستعجال اللغوي

أكاديمية محمد السادس للغة العربية.. مشروع مؤجل في زمن الاستعجال اللغوي

المختار العنقا الإدريسي

إذا لم تكن اللغة سليمة، كان ما يقال ليس هو ما يقصد. وإذا قيل ما ليس هو القصد، فإن ما ينجز يظل غير منجز. وإذا ظل المطلوب غير منجز، فإن الأخلاق والفنون تتدهور

كونفوشيوس 

استهلال مدخلي

     تُخلد اللغة العربية في الثامن عشر من دجنبر من كل عام بوصفها لغة حضارة وفكر وذاكرة جماعية، غير أن الاحتفال بها يظل ناقصاً ما لم يُقرن بسؤال عملي حول مؤسسات حمايتها وتطويرها. وفي هذا السياق، تبرز “أكاديمية محمد السادس للغة العربية” باعتبارها مشروعاً وطنياً مؤجّل التفعيل، رغم ما يحمله من دلالات رمزية واستراتيجية في التخطيط اللغوي وتعريب المعرفة، وتثبيت مكانة العربية في التعليم، وفي الإدارة والحياة العامة.

إن أمر استحضار هذه الأكاديمية في اليوم العالمي للغة العربية ليس ترفاً ثقافياً، بل هو دعوة صريحة إلى الانتقال من منطق الاحتفاء الخطابي إلى منطق الإدارة المؤسسية، ومن الدفاع العاطفي عن اللغة إلى سياسات عمومية واضحة تجعل العربية لغة علم ومعرفة وتنمية، لا مجرد شعار موسمي.

1. المؤسسة اللغوية المغيبة

لقد تأخر المغرب كثيراً في إقامة أكاديمية للغة العربية، خلافاً لغيره من الدول العربية التي ظهرت فيها هذه المؤسسات مع بداية القرن العشرين؛ فعلى سبيل المثال، نجد المجمع العلمي العربي بدمشق (سوريا 1919)، ومجمع القاهرة (1932)، والمجمع العلمي العراقي (1947)، ومجمع اللغة العربية الأردني (1977). وهناك مجامع أخرى أقيمت في كل من الجزائر وليبيا وتونس والسودان.

أما بالنسبة للمغرب، فتعود فكرة إنشاء الأكاديمية إلى بداية حكم جلالة الملك محمد السادس؛ إذ تم الإعلان عن مشروع مرسوم لإنشائها بهدف دعم اللغة العربية التي تعتبر جزءاً من الهوية المغربية. وقد تم أيضاً إعداد مشروع قانون يحمل رقم 02.10 يهدف إلى تأسيس الأكاديمية كمؤسسة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، وتكون مرجعاً وطنياً في مجال اللغة العربية وتشجيع استعمالها في الحياة العامة.

جاء ذلك بعد أن كان قد تم إقرارها في لجنة التربية والتكوين في يونيو 1999، عند تأسيس اللجنة الملكية الخاصة بإصلاح نظام التربية والتكوين. غير أن قانونها التأسيسي لم يصدر إلا في يوليوز 2003، وذلك بإجماع ممثلي الشعب ومصادقة الحكومة ومجلس الوزراء برئاسة الملك. 

وعن هذا التماطل، يقول الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري في كتابه (السياسة اللغوية في البلاد العربية): “إن أحد وزراء التعليم برر هذا التماطل أمام مجلس المستشارين بكون تطبيق هذا القانون ليس في مصلحة المواطنين والوطن. فهل هناك استهتار بإرادة الشعب ودولته أكثر من هذا؟ أيمكن أن نقبل أن يتحول أحد الوزراء إلى وصيّ على الشعب والدولة والقانون؟“.

2. الإدارة اللغوية والوعد المؤجل

إن الحاجة اليوم إلى الأكاديمية تبقى أشد إلحاحاً من أي وقت مضى؛ فالعربية لا تواجه فقط تحديات العولمة اللغوية، بل تواجه أيضاً ارتباكاً داخلياً في السياسات التعليمية، وتراجعاً في حضورها كلغة علم وإنتاج معرفي، وتشتتاً في معايير الاستعمال داخل الإدارة والإعلام والفضاء الرقمي.

وكل ذلك لا يمكن مواجهته بالحنين ولا بالشعارات، بل بمؤسسة علمية ذات مرجعية أكاديمية، تمتلك سلطة الاقتراح، وقوة التوجيه، وشرعية الاختصاص. فلو فُعِّلت كما ينبغي، لأدّت أدواراً تتجاوز الدفاع عن اللغة العربية إلى تحديثها العقلاني، وربطها بالبحث العلمي والتكنولوجيا وبالتحولات المعرفية الكبرى؛ لأن المشكلة ليست في اللغة العربية ذاتها، بل في غياب الإرادة التي تجعل منها أداة تفكير وإنتاج، لا مجرد لغة وجدان وخطابة.

3. خلاصة الكلام

إن الدفاع عن اللغة العربية لا يعني الانغلاق ولا معاداة اللغات الأجنبية، بل يعني الإنصاف والجرأة في القرار. ومن دون تفعيل أكاديمية لغوية قوية، مستقلة، وذات صلاحيات واضحة، سيظل الحديث عن الإصلاح اللغوي مجرد احتفال موسمي بلا أثر. ناهيك عن أن تأجيل تفعيل هذه الأكاديمية هو تأجيل لمصالحة الدولة مع لغتها؛ فإما أن نُحوّل العربية إلى لغة معرفة وإنتاج، أو نواصل الاكتفاء بالاحتفال بها كل سنة… ثم نتركها تواجه مصيرها وحدها.

شارك هذا الموضوع

المختار العنقا الإدريسي

إطار تربوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!