أمريكا تحاول منع تمدد المواجهة الإسرائيلية مع لبنان

أمريكا تحاول منع تمدد المواجهة الإسرائيلية مع لبنان

أحمد مطر

           في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة توترات متصاعدة، خصوصاً بعد التطورات الأخيرة في غزة وسوريا أتت الزيارة الثالثة للموفد الأميركي إلى لبنان توم باراك لتؤكد وجود تحرك أميركي متسارع بهدف ضبط الأوضاع على الحدود الجنوبية للبنان، وفرض شروط واضحة على الأطراف اللبنانية، وبخاصة فيما يتعلق بسلاح حزب الله .

أتت زيارة باراك في ظل تطورات عسكرية متسارعة في غزة، حيث تخوض إسرائيل معركة واسعة ضد حركة حماس، ما يزيد من مخاطر انتقال الصراع إلى الحدود الشمالية مع لبنان وسوريا. وفي ظل هذا المشهد، تحرص الإدارة الأميركية على عدم انتقال النزاع إلى لبنان، معتبرة أن أي تصعيدا هناك قد يعقّد جهود تهدئة المنطقة بشكل عام .

لبنان من جانبه يعيش حالة من الانقسام السياسي والتوتر الداخلي، مع صعوبة في توحيد المواقف الرسمية تجاه الضغوط الدولية والإسرائيلية. في هذا السياق، كانت زيارة باراك محاولة أميركية لترتيب الأوضاع وفرض رؤية واضحة على السلطة اللبنانية .

في هذا السياق تسلَّم الموفد الأميركي توم باراك أمس الرد الرسمي من الدولة اللبنانية على المقترحات الأميركية المتعلقة بملف سلاح حزب الله وترسيم الحدود الجنوبية، برز في الزيارة تحول ملحوظ في نبرة الموفد الأميركي حيث بدا أكثر صرامة مقارنة بالزيارات السابقة ، إذ حمل رسائل محددة غير قابلة للتفاوض، طالبة من المسؤولين اللبنانيين العمل على ضبط سلاح حزب الله وضمان عدم امتداد الصراع في الجنوب .

لم يعد باراك يتحدث بنبرة وسيط يسعى للتقريب بين وجهات النظر، بل جاء برسائل تحمل طابع الإملاء مشيراً إلى أن الوقت ينفد وأن على لبنان اتخاذ خطوات ملموسة، وإلّا فإن واشنطن قد تلجأ إلى دعم تحركات إسرائيلية أكثر حزمًا .

هذه الرسائل تعكس بوضوح مخاوف أميركية من احتمال انزلاق لبنان إلى صراع عسكري شامل، وتُظهر رغبة في حصر الصراع داخل غزة دون توسع .

  في خطوة من المفترض أن تُمثل بداية مسار تفاوضي دقيق يتطلب توافقاً داخلياً لبنانياً لم يتوافر بعد. الرد اللبناني، الذي حاول الحفاظ على قدر من التوازن بين السيادة والواقعية السياسية، جاء في لحظة بالغة الحساسية، محاطاً بتصعيد سياسي وإعلامي واضح من قبل حزب الله ضد الولايات المتحدة، ما يعقّد مهمة باراك ويضع الوساطة الأميركية أمام تحديات غير بسيطة .

فالرد الرسمي، الذي بدا منضبطاً في لغته ومضمونه، لم يعكس بالضرورة موقفاً موحّداً على الساحة اللبنانية بل جاء، كما يبدو، نتيجة تسوية مؤقتة بين الأطراف الرسمية، دون أن يلامس فعلياً جوهر الأزمة المتمثّل في سلاح حزب الله وقرار الحرب والسلم. في المقابل، اختار الحزب التصعيد ضد واشنطن، متهماً إياها بالسعي لفرض شروط على لبنان خدمةً لمصالح إسرائيل، ورافضاً أي نقاش حول سلاح حوب الله خارج معادلة الردع التي يتمسك بها .

هذا التناقض بين خطاب الدولة الرسمي ونهج حزب الله يضع لبنان أمام مفترق خطير. فبينما تسعى الدولة إلى كسب الوقت وتفادي الصدام المباشر، يعمل الحزب على ترسيخ معادلاته بالقوة، ما يضعف من قدرة لبنان على خوض مفاوضات جدية بغطاء دولي. والأسوأ أن هذا الانقسام يرسل إشارات سلبية إلى الخارج مفادها أن لبنان لا يزال عاجزاً عن تنفيذ إلتزاماته واتخاذ موقف موحد وحاسم، ما قد يدفع الوسيط الأميركي إلى إعادة تقييم دوره وجدوى استمراره .

إن المرحلة المقبلة مرهونة بمدى قدرة الدولة اللبنانية على فرض مرجعيتها، لا في النصوص فحسب، بل في القرار والتنفيذ. أما التصعيد الكلامي فلا يخدم سوى تأزيم المشهد الداخلي، واستفزاز المجتمع الدولي، في وقت يحتاج فيه لبنان إلى أقصى درجات التهدئة والانفتاح للخروج من أزمته المتعددة الأوجه .

الواقع أن ما بعد زيارة باراك لن يكون استراحة دبلوماسية، بل بداية اختبار حقيقي يضع البلاد والعباد على محك أزمة متفجرة جديدة هل تتقدّم الدولة بخطوات فعلية نحو استعادة القرار السيادي، أم يفرض حزب الله إيقاعه على الداخل والخارج معاً.

ختامًا الأيام المقبلة ستكشف ما إذا كان لبنان قادراً على الإمساك بخيوط مستقبله أم سيبقى أسير التجاذبات والمواقف المتضادة في الداخل، ورهينة الإعتداءات الإسرائيلية والضغوط الديبلوماسية والإقتصادية من الخارج .

شارك هذا الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!