إسرائيل والقسم النابض من النخبة الغربية.. جودي بتلر نموذجا

إسرائيل والقسم النابض من النخبة الغربية.. جودي بتلر نموذجا

كاركاسون- المعطي قبال

          لحظة ما، كتب وجرى الحديث عن النخبة المثقفة الغربية، عن صمتها بل انسحابها من مشهد الالتزام السياسي واتخاذ مواقف مناصرة لحق الشعوب المضطهدة. وأجريت مقارنة بين رعيل الثمانينات الذي كان الالتزام بالنسبة له رافدا من روافد الفكر والبحث والنقاش وطرحت في سياقه بشكل حنيني أسماء غرامشي، حنا أراندت، جان بول سارتر، سيمون دو بوفوار، كلود مورياك الخ… ومن حول القضية الفلسطينية التي حملت تاريخا وقع بالدم وكانت قضية القضايا، تدخلت أسماء وازنة أدبية، فلسفية وفكرية لمناصرة الفلسطينيين من أمثال جان جونيه، جيل دولوز، فيليكس غاتاري، خوان غويتيسولو وآخرين… ربطوا كتابتهم بالمحنة السيزيفية الفلسطينية.

مع مذابح غزة ورغبة إسرائيل في إبادة شعب بأكمله، انتفض الوعي الغربي بعدما شككنا في مصداقيته وانتفضت معه أقلام تنتمي إلى كل أطياف الثقافة والفن. وتعتبر هذه الأقلام مرآة ساطعة لفلسطين بصفتها كيان تعددي، صلب وقوي لن تمحوه إرادة القوة الأمريكية والإسرائيلية. هذه الأقلام كثيرة ومتنوعة ولا يأتي يوم من دون أن تعبر في كبريات الصحف عن مؤازرتها لغزة ولفلسطين. ويذكر أن النساء يتبوأن مقاما مميزا في عملية التضامن مع غزة والتنديد بوحشية إسرائيل.

على رأس هذه الأصوات النسوية تبقى جوديث بتلر، الصوت القوي بامتياز. فهي من مواليد 1956، تنحدر من عائلة يهودية محافظة نجحت في التحرر من ثقلها قبل أن تثور على ديانة العائلة وعاداتها وكل ما يمث لها من الحلم اليهودي بالعودة لإسرائيل. وقد ألبت عليها هذه «الثورة» القوى الدينية المحافظة بل المتطرفة سواء بإسرائيل أو بالولايات المتحدة الأمريكية. لكن شهرتها العالمية كانت سدا منيعا في وجه التحرشات التي طالتها.

كما أن كتاباتها ودروسها الجامعية التي كانت تنهل من فلسفة كل من فوكو ودريدا ساهمت في تربية اجيال من الطلبة نقلوا فكرها إلى المنتديات والمنابر الثقافية. ويبقى كتابها «اضطراب في الجندر» الصادر عام 1990 أحد أهم المراجع الأساسية والذي لم يفقد إلى اليوم مصداقيته. 

مواقف بتلر من السياسة الإسرائيلية نابعة من قناعتها كفيلسوفة متمكنة من الموروث الفلسفي العبري ومن فلسفة الأخلاق والفلسفة السياسية. أي أنها تهاجم عن معرفة هجانة التاريخ والمجتمع والإسرائليين. وبسبب مواقفها، وبالأخص مطالبتها بمقاطعة إسرائيل،  تعرضت لحملات تهجم ونبذ من طرف الأوساط الدينية، السياسية والإعلامية. فقد سبق أن عرفت بتلر نفسها بأنها يهودية مناهضة للصهيونية وناقدة للسياسة الإسرائيلية. ولما حصلت على جائزة تيودور أدورنو عام 2012 لم تتردد الأوساط اليهودية مثل مجلس اليهود الألمان، الذي وصف بتلر بالفاسدة أخلاقياً، بالمطالبة بسحب الجائزة منها. على خلفية مواقفها من مجازر غزة أدرج اسمها ضمن قائمة سوداء تتألف من 160 أستاذا وطالبا اتهموا بـ «معاداة السامية»، حيث ارسلت جامعة بيركلي إلى إدارة ترامب هذه القائمة السوداء. وقد انتشرت في رحاب الجامعات الأمريكية وفي مجالات الفكر، الفن والثقافة سلوكات وتصرفات  الوشاية والاتهام إما من باب الانتقام وإما من باب الحسد والغيرة.  تقول بتلر في رسالتها: «أنا استاذة فخرية أعمل في برنامج للبحث ممول من طرف منحة». وتشير إلى أن ما تعيشه شبيه بالوضعيات التي كتب عنها ودونها فرانتز كافكا، الذي كان القانون مجال تخصصه العلمي بحيث خصصت درسا لعدة سنوات في عنوان “كافكا والقانون”. درس هذا الأخير المحاماة. وتساءل، تتابع بتلر في طرح السؤال: هل يمكننا الحصول على العدالة عن طريق القانون أم إن الطرق العدلية قد انزاحت عن السبل العادية والمعتادة؟ 

هذا هو مضمون الدرس الذي أنشطه بجامعة بيركلي تتابع بتلر فبل أن تضيف أنها اليوم تحت مراقبة الوشاة والمخبرين والبوليس وأن اسمها مدرج على قائمة سوداء.

إنه خرق فاضح للثقة، للأخلاق، لروح بيركلي وللعدالة تضيف بتلر. ويذكر أن كتابها «مفترق الطرق: اليهودية ونقد الصهيونية» أثار ضجة كبرى في الأوساط السياسية والفكرية كونه أعاد النظر في العديد من المسلمات والمعطيات حول معاداة السامية، مسألة العنف، الأصول، الشتات وتسميته. وقد خصت فقرة هامة للحديث عن المنفى والعودة كما يتصورهما كل من محمود درويش إداورد سعيد، الذي كانت لها بفكره ألفة وعلاقة ضمنية.

شارك هذا الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!