الأزمة الجزائرية المغربية ورهان الصلح

الأزمة الجزائرية المغربية ورهان الصلح

الصادق بنعلال

1 – بديهيا لا يمكن أن يختلف عاقل مع منطوق ومضمون المبادرات والندوات واللقاءات – وما أكثرها – الصادرة عن حسن النية وصفاء الطوية واستقامة الغاية، الساعية نحو كسر الهوة القائمة بين القطرين العربين الأمازيغيين الشقيقين المغرب والجزائر، والداعية إلى التطبيع والانفتاح والتآخي بين الجارين الأخوين. ومن المؤكد أن الصلح المغربي الجزائري واجب ديني وإقليمي وقومي، كما أنه بلسم لتضميد جراح الماضي والحاضر، يعد بمشاريع التنمية والتقدم والازدهار. وهذا بالضبط ما وقع للقطرين الأوروبيين ألمانيا وفرنسا اللذين دخلا في حرب طاحنة مدمرة صادمة، ليقررا بعد ذلك انتهاج مسلك العمل المشترك الرامي إلى زرع قيم المصالحة والتضامن والتسامح، وهما الآن محوران أساسيان في الاتحاد الأوروبي اقتصاديا وعلميا وعسكريا. لكن إذا تركنا جانبا الصيغ الدبلوماسية المهذبة المرتبطة بجوهر الأزمة المغربية الجزائرية، وانتقلنا إلى “صلب الموضوع” وجدنا أنفسنا أمام تفاصيل وجزئيات قد تساهم في “تأبيد” صراع عمر طويلا، بيد أننا قادرون على تجاوزه بسلاسة، عبر الحوار والتواصل والتعاطي الإيجابي مع “أبجدياته المعقدة“.

2 – لا يجوز في عالم السياسة أن ننظم قصائد الغزل والمدح أثناء استقراء أحداث وقضايا متشابكة متضاربة، بقدر ما يستدعي الأمر استحضار مستلزمات التحليل الإستراتيجي المستند إلى توازن القوى الإقليمية والدولية، وتضارب المصالح وتعارض المنافع والمرامي الجلية والخفية للأطراف المتصارعة، وهذا في اعتقادي الشخصي ليس في متناول “متحاورين” يصدرون عن “قناعات وشعارات وطنية غير مسؤولة، ينقصها الكثير من الوعي والهدوء والرزانة، هذه المواصفات التي نجدها في غالب الأحيان في شخصيات مثقفة على قدر كبير من النضج المعرفي والفكر العلمي الراجح، وهما شبه غائبين في المشهد الإعلامي العربي، بل من الشائع أن “المحللين والمتحدثين” في البرامج التلفزيونية والمواقع الإخبارية، هم أقرب إلى ما أصبح يسمى بالذباب الإلكتروني، همهم الوحيد التجييش والإثارة وتأليب الرأي العام ورفع منسوب العداء والكراهية والعنف بالغ الحدة، وكما يقال: “إن لم تكن جزءا من الحل فلا تكن جزءا من المشكلة”. 

3 – وعلى صعيد آخر، لا يمكن أن ننتظر معالجة سلمية حضارية لقضايانا الصعبة في غياب الإرادة الصادقة لدى طرف أو أطراف المعادلة في النزاع، والواقع الذي لا يرتفع في الأزمة الجزائرية المغربية يتجلى في كون الطرف الجزائري هو الذي يأبى التقارب والصلح ويرفض التطبيع والحوار. إن النظام الجزائري هو من أغلق الحدود البرية والجوية والبحرية مع المغرب من طرف واحد، وهو الذي أوقف العمل بأنبوب الغاز المار إلى أوروبا عبر المغرب، وهو الذي قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب من طرف واحد، وهو الذي يطرد المواطنين المغاربة البسطاء الذين وجدوا أنفسهم يبحثون عن لقمة العيش بين “الحدود”، ويقتل بدم بارد شبان جاءت بهم الأمواج إلى “المياه الجزائرية” فقط لأنهم مغاربة، وهو الذي يضاعف قوته العسكرية وترسانته الحربية بلا هوادة، ليس دفاعا عن مبادئ وقناعات إنسانية سليمة، بل إن النظام الجزائري يمعن كما هو في علم الجميع، في استهداف المصالح المغربية الحيوية عبر عديد من مسؤوليه السياسيين وإعلامه الرسمي وغير الرسمي، والتهجم على رموز المملكة المغربية من وكالة الأنباء الجزائرية، التي يفترض أن تكون جسرا يربط البلدين عبر نشر الأخبار الصحيحة الموثقة، ذات المنحى الإنساني التصالحي

4 – بل إن المغرب في وضع “اللامفكر” فيه بالنسبة للدبلوماسية الجزائرية، لقد صرح في عديد المناسبات مسؤولون جزائريون كبار بأن العلاقة الثنائية وصلت إلى نقطة “اللاعودة”، في الوقت الذي يعلن فيه هرم السلطة المغربية الملك محمد السادس بالصوت والصورة، أن الشر لن يأتي إلى الجزائر من جهة المغرب، وأنه على استعداد للقاء الرئيس الجزائري في الزمان والمكان اللذين يراهما ملائمين، للحديث المفصل عن كل القضايا الثنائية العالقة دون قيود أو شروط تعجيزية،  لوضع حد لصراع موغل في القدم، يزداد تعقيدا وتشابكا، ويهدد بنشوب صدام يخرج فيه الكل منهزما منهارا مفككا. إن صوت العقل والحكمة شبه غائب عند بعض الجهات الجزائرية الرسمية. فلئن كان الحوار مفتاح الحلول الناجعة في مختلف الأزمات الكبرى منذ مستهل الوجود البشري، ومادامت الجزائر الرسمية مصرة منذ الستينيات من القرن العشرين على تقسيم “جارها الغربي” وتشبثها بلاءاتها الثلاثة: لا صلح لا تطبيع لا حوار مع المغرب، فإن الأزمة الجزائرية المغربية “باقية وتتمدد”، نقول هذا ببالغ الأسى والألم والحسرة. فهل ينصت أشقاؤنا وإخواننا في الجزائر لصوت الضمير المغاربي والعربي والدولي من أجل وضع حد لصراع بلا معنى، وإرساء جوار يرنو إلى مستقبل ساطع بالأمل والعمل المشترك، ويتطلع إلى بلورة ثورة تنموية شاملة، تنقل المنطقة من عالم الجمود و”الموت” إلى عالم الحركية والحياة؟

شارك هذا الموضوع

الصّادق بنعلّال

إطار تربوي – باحث في قضايا الفكر والسياسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!