الأصوات الناطقة لمحمود درويش
 
						كاركاسون-المعطي قبال
قراءة في الكتاب الجماعي: على هذه الأرض ما يستحق الحياة- 17 كاتبا من أجل فلسطين. منشورات سوي، 128 صفحة.
«على هذه الأرض ما يستحق الحياة».. هذه القولة لمحمود درويش، أصبحت من الأقوال المأثورة، سواء في المنتديات الفكرية أو على شبكات التواصل الاجتماعي. يرددها الجميع كشهادة ناطقة بلسان شاعر جرب المنفى وخاض المقاومة وحرب الكلمات. فهي ترمز إلى تشبت الفلسطيني بالحياة على الرغم من العنف والتقتيل والوضع المأساوي السيزيفي الذي يعيشه الفلسطيني.
في خضم مسلسل الإبادة الذي ما زال يعيشه شعب فلسطين، عبرت العديد من المبادرات وفي مجالات متباينة عن دعمها ومساندتها للشعب الفلسطيني. من الكاتب إلى المخرج السينمائي والمسرحي، مرورا برجل الموسيقى والرياضي. ذكورا وإناثا عالميين لم يتردد هؤلاء، على الرغم من الرقابة والعقاب، في التنديد بالمجازر والتقتيل المتلاحق الذي اقترفته وتقترفه إسرائيل بمساندة أمريكا الترامبية.
في هذا السياق أنجز مشروع أدبي لمساندة فلسطين والوقوف إلى جانبها مع العلم أن كل شيء قيل والكلمات لا تقوى على التصدي للقنابل، للصواريخ والدبابات. في هذا المشروع تم استدعاء محمود درويش وبيته الشهير «على هذه الأرض ما يستحق الحياة»، الصادر عن منشورات سوي من 128 صفحة، ساهم 17 كاتب فرنسي وفلسطيني وفرانكو-فلسطيني لإسماع صوت الضحايا، في الوقت الذي كانت فيه غزة تموت جوعا، وللتعبير عن نقمتهم الجماعية إزاء المصير الذي خصص لهم وللتأكيد بعد محمود درويش بأن هناك «ما يستحق الحياة على هذه الأرض». وستخصص حقوق الكتاب لجمعية أطباء العالم.
في تقديم الكتاب يشير الناشر إلى أن نصوص هذا الكتاب تندد بما لا يمكن قبوله من الجرائم، ويحاول تسمية ما لا يمكن تسميته من العنف الجماعي. قائمة هؤلاء الكتاب هي على النحو التالي:
ضحى الكحلوت، جوزيف اندراس، أوريليان بيلانجي، باتريك شاموازو، آلن داماسيو، نور الاسي، يارا الغضبان، آني آرنو، بريجيت جيرو، جاد هلال، كريم قطان، مايليس دو كيرانغال، جان ماري لوكليزيو، إدوار لوي ونان غولدوين، سيلفان بريدوم، عتيق راحمي، إيريك فويلار.
نحن هنا بصدد شهادات انبثقت من حناجر الموت. بين ذكرى الأصدقاء والأقارب الذين دكت الجرافات منازلهم أو اخترقت القنابل أجسامهم، بين الذين كانوا على علم بموتهم بغزة وأولئك الذين هربوا ليعودوا إلى منبتهم… هناك أفق للأمل حتى لو كان بسيطا، لكن هذا الأمل يصطدم بحقيقة اسمها الموت.
إن كانت مساهمة ضحى الحطحوط شاعرية بامتياز، فإن مداخلة جوزيف اندراس تقريرية: لا شيء مما سنكتبه سيغير شيئا في العالم. القراء الذين يملكون موقفا شبيها لموقفنا يبحثون عن العدالة ويرغبون في المساواة. يعرفون بأن النظام الإسرائيلي يمارس مجازره على الشعب الفلسطيني بغزة، فهل من فائدة للكتابة مرة أخرى عن غزة وعن المجازر؟
نعرف بأنه على بعد ثلاثة آلاف كلم من فرنسا ثمة نظام فاشستي، مليء بالتيوقراطنيين، يمارس إبادة بواسطة عتاد تسلمه من القوة التجارية والعسكرية الاولى. نعرف بأن هذين النظامين يعرفان بنفسهما على أنهما أنظمة ديمقراطية . نعرف بأن هذه الإبادة تعترف بها العديد من الدول، غير أن هذه الدول التي تمدح الديمقراطية انتهت بالحقد على هذا القانون.
نعرف بأن تاريخ الأحداث لا يعود إلى السابع من شهر اكتوبر بل يضرب جذوره في تاريخ أقدم من ذلك أي يعود إلى سنة 1880، لذا فالحديث عن حماس هو كلام مزيف إن لم نتحدث عن التاريخ القديم. لا دخل للفلسطينيين في المحرقة. لكن إسرائيل تعاملهم وكأنهم من يتحمل المسؤولية في حدوثها.
تستاثر غزة باهتمامنا كبشر، كدعاة للمساواة وبالنتيجة كمواطنين فلسطينيين.
في مقالته يراجع أوريليان بيلانجي المشاريع الهندسية التي خمنها بعض الفاعلين الهندسيين والتي تحولت إلى يوتوبيا رفع لواءها كل من ترامب ونيتانياهو لتحويل غزة إلى ريفيرا سياحية تحف بشطآنها عمارات شاهقة ويسيل فيها الدولار بغزارة. أصبحت غزة إذا مشكلا عالميا. لكنها لن تصبح قريبا سوى منصة مائلة من عمق المتوسط الشرقي، الآلة التي ستجرفنا إلى العمق، أعمق من البحر البيت، في المكان الذي تنعدم فيه الحياة على الأرض.
في مساهمته بعنوان لنصرخ بغزة مرة أخرى يلاحظ الكاتب المارتنيكي باتريك شاموازو، بأن كل شيء قيل عن غزة: مآسي شعبها، إبادتهم المنهجية، وتقتيلهم الميكانيكي، لكن يلاحظ أنه منذ البداية نجدنا أمام ظاهرة استعمارية وأن المؤسسات الدولية، الجمعيات المستقلة، وثقوا للبشاعة ولما هو عصي عن الإدراك.
على أي انهارت الأخلاق في المجتمع الرأسمالي وسلطته التخييلية. يرى شاموازو بأن الخطر اليوم بمنأى عن الإحصائيات المشئومة لضحايا غزة هو خطر التعود على هذا الواقع كما حدث بالأمس فيما يخص مسألة الاسترقاق التي تعودنا عليها لمدة ثلاثة قرون. تعودنا على أجساد «العبيد» مطوقة بسلاسل من حديد. لذا فإن التعود على ما لا يطاق يولد صمتا قاتلا يقول شاموازو.
أما آني أرنو، الحائزة على جائزة نوبل للآداب فتشير إلى لحظة الشلل أمام صور القنابل وأشلاء الضحايا من أطفال، نساء ومسنين. ماذا يمكن للكاتب أن يفعله أمام هذه الكارثة التي أصابت العديد من الكتاب والمبدعين في صميم تفكيرهم؟
لكنها لم تبق عديمة الحركة بل استعملت ووظفت توقيعها واسمها وشهرتها لخدمة القضية الفلسطينية ومساندة الضحايا،
كما التفت من حول عريضة موقعة من طرف ما يزيد على المائة كاتب. التنديد بمحاولة إبادة الهوية الفلسطينية والدفع بالفلسطينيين إما الى المنفى وإما إلى الموت كان بهدف مسح فلسطين من كل حضور فلسطيني مع تحويل غزة إلى ريفيرا سياحية. لكن الصمت انتهى بانكسار هذا المشروع. هذا يتطلب الكف عن ملاحقة الجمعيات المناصرة للفلسطينيين. كما يتطلب الأمر تسمية ومساءلة هذا المتخيل العنصري تجاه العرب.
أما لوكليزيو الحائز على جائزة نوبل للآداب فيؤكد على أهمية الحقيقة. الحقيقة هي ما تراه العين لا ما يحكيه الفم. لو كشفنا عن الكذب، شراهة الانتقام، رغبة العنف ، قد يكون ممكنا التخلص من النزاعات المسلحة وسيلان الدم يتمنى لوكليزيو.
في هذا الكتاب عينة من المساهمات يندد جميعها بالصنيع الإبادي لإسرائيل ويطالب بالحق والعدالة للفلسطينيين في العيش السلمي على أرضهم وأرض أجدادهم.

 
				 
				 
				 
				 
				 
				