الأنا العميقة وتمثلات السيري والشعري وقصائد تخط وجع الكينونة

الأنا العميقة وتمثلات السيري والشعري وقصائد تخط وجع الكينونة

متابعات:

           قدم الباحث الدكتور محمد الداهي درسا افتتاحيا، للموسم التاسع للبرنامج الثقافي والشعري لدار الشعر بمراكش، سعى من خلاله “الى بيان وقوع كثير من النقاد والباحثين في فخ ما يصطلح عليه الراحل جون ريكاردو بـإيديولوجيا التعبير المهيمن؛ وبمقتضاها ما فتئوا يحتكمون إلى تعريف السيرة الذاتية كما صاغه فيليب لوجون في كتابه “الميثاق السيرذاتي (1975) رغم أنه عاود النظر فيه جذريا عندما ألقى محاضرة بعنوان “الميثاق السيرذاتي مكرر” في ندوة نُظمتْ بإسبانيا حول “السيرة الذاتية في إسبانيا” عام 1982، ثم بادر فيما بعد بإدراج الدراسة نفسها في كتابه “أنا أيضا” 1986، ثم كرس اهتماماته- بمرور السنين- لليوميات بصفتها مشروعا ذاتيا يراهن أيضا على “ميثاق الحقيقة” بصيغ وطرائق مختلفة..”.

ونوه الباحث والناقد محمد الداهي، والذي كرس مساره العلمي لأسئلة وقضايا تتعلق بأسئلة وقضايا السيرة، الى أنه “علاوة على ذلك يقومون بإسقاط بنود الميثاق السيرذاتي على الشعر دون مراعاة خصوصياته التخييلية والاستيهامية والرمزية؛ سعيا منهم إلى إثبات تطابق الهويات السردية (الشاعر والسارد والشخصية الرئيسة). وهو ما وعى به فيليب لوجون، وتفاداه في عينة من دراساته عن دواوين ميشيل ليريس، وفي كتابه القيم  قراءة ميشيل ليريس: السيرة الذاتية واللغة” 1975، وما حفزه على الاستعانة بأدوات التحليل النفسي والظاهراتية حرصا على فهم الأنا العميقة لميشيل ليريس، واستيعاب أسطورته الشخصية من جهة، وتطلعا إلى تحليل صدماته الأصلية وإخفاقاته المتكررة من جهة ثانية”.

وفي هذا الإطار تندرج أشعار ميشيل ليريس ضمن “الفضاء السيرذاتي” الذي يستعان فيه بالتخييل للبوح والمكاشفة دون حسيب ورقيب، ولشق أبواب سرية تلج منها الأرواح المجهولة، وتتسرب الأحلام والاستيهامات المغفية. فضلا عن ذلك أرسى ميشيل ليريس- بفضل جزء من أشعاره التي نظمها لما كان في عداد البعثة “داكار-جيبوتي” ( 1931-1933)، ونشرها في ديوانه ” سن الرشد”(1939)- دعامات “السيرة الذاتية الإثنوغرافية” التي تتقاطع مع محتويات يومياته (1989-1922) ومؤلفه “إفريقيا الشبح” (1931-1933). وسيخصص الباحث محمد الداهي، مستقبلا، مشروعه القادم الى أسئلة “السيرة الذاتية والتجارب الشعرية العربية”.

نبض القصيدة: قصائد “خاصة”

انفتحت فقرة قراءات “نبض القصيدة” أمام الشاعر إسماعيل آيت إيدار والشاعرة والإعلامية فتيحة النوحو، مع حضور للفنان رضوان الزبيري في المصاحبة الموسيقية. اختارت دار الشعر بمراكش أن يكون نبض النص لنبض السؤال، بين مسافة ما يطرح الدرس الافتتاحي من أسئلة أن تجد القصيدة نبضها من خلال ما يقرأ كمنجز شعري طافح بالسيري والتخييلي.

قرأت الشاعرة والإعلامية فتيحة النوحو نصوصها الطافحة بالأنا “المتخنة” الجراح، الأنا وهي تسأل وتربي الأمل، في ذروة ما تعيشه من آلام وانجراحات. من سيرة العدم تكتب الشاعرة قصائدها، وتحاول أن تكون سيرتها صدى مباشر، لما يغامرها من شك ويقين وغضب واحتجاج. قرأت الشاعرة في محاولة أن تستل العدم، وتركت للحظة الإلقاء ما تبقى، مما تركته من أثر النص على فعل القراءة.

يأتي الشاعر اسماعيل آيت إيدار من الشعر وينتهي إليه، آيت إيدار أحد أبرز الوجوه الشعرية الجديدة لمشتل الدار، والذي سبق له الظفر بالمرتبة الأولى للدورة الأولى لجائزة الشعراء الشباب والتي أطلقتها وزارة الشباب والثقافة والتواصل، قطاع الثقافة، وتوجت فائزيها في معرض الرباط للكتاب والنشر. وبين قصيدتين وجبلين، من إيجوكاك الى مراكش، ومن ثلاث بنيعقوب الى دار الشعر بمراكش.. قرأ الشاعر قصيدتين، أولاها عن الطين الذي “يصلح أعطاب الجينات” وأخرى مقاطع قصيرة من حيوات.

لقصيدة أيت إيدار نبض قصير يرسم سيره الخاصة على الورق، أو بحثا عن “الأنا العميقة” التي أشر عليها الباحث الداهي في الدرس الافتتاحي، الشعراء يفتحون هذا المسار ويتجهون الى هذا الأفق في محاولة تلمس “الحقيقة” الأبدية للشعر وهو ينتهي في اللانهائي. ولعل انفتاح الدرس الافتتاحي، للموسم الثامن للبرنامج الثقافي والشعري لدار الشعر بمراكش، على قضايا مركزية تهم الخطاب الشعري، ضمن محطة ثقافية أخرى لاستراتيجية الدار للمساءلة والتمحيص النقدي، سعيا للإنصات البليغ لنبض النصوص ولجغرافيات شعرنا المعاصر اليوم، هو المسار الأقرب للاقتراب أكثر من نبض أسئلة النقد الشعري وقضاياه المحورية، هنا والآن.

شارك هذا الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!