الاحتفالية.. الطريق والطريقة

د. عبدالكريم برشيد
فاتحة الكلام
يقول الاحتفالي: حقيقة الجسد الاحتفالي تتمثل في أن له مجموعة كبيرة من الظلال الحية، والتي تؤكد وجوده في الوجود.
أما حقيقة الأفكار الاحتفالية فتتمثل أساسا في أن هذه الأفكار لها اصوات ناطقة بالحق، وأن هذه الأصوات لها صدى في حياة الناس اليومية، وقد يغيب الاحتفالي، أو يغيب، ولكن ظله لا يغيب، وقد لا يتكلم الاحتفالي، ولكن هذا الواقع التاريخي يظل يردد أفكاره وأقواله، وهذا ما يفسر أن يظل الظل الاحتفالي حاضرا في كل مكان، وأن تظل أصداء هذه الاحتفالية تتردد في كل الأزمان، ورحم الله عمنا المتنبي الذي قال:
(إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا).
ولعل أصدق ما في هذه الاحتفالية هي مراياها التي لا يعدها العد، ولا يحدها الحد، وهي دائما، بوفعل هذه المرايا الصادقة تتعدد وتتجدد وتتمدد، في الزمان وفي المكان، ويكون بإمكانها أن تكون هنا وهناك، وأن يكون لها وجود في كلامها وفي ذات كل المتكلمين وفي كتابات كل الكاتبين.
ومن أصدق الأصوات في الكورال الاحتفالي نجد اسم المخرج الاحتفالي “كبير ديكار” والذي يكتب ما يكتبه دائما، من داخل من هذه الاحتفالية، وفي تعقيبه على النفس الأخير من الكتابات الاحتفالية الجديدة نجده يقول:
(شكرا أستاذي الفاضل، منك تعلمت أنه لا يمكن اختزال الاحتفالية في كونها مجرد تيار أو اتجاه مسرحي محدد بزمن أو بمرحلة تأسيسية واحدة، بل هي أوسع من ذلك وأعمق. إن جوهرها قائم على الاستمرار والتجدد، وعلى الرغبة الدائمة في الاكتشاف والخلق وفق أنساق فكرية وفنية متجددة.
ومن يتأمل تاريخ المسرح العالمي منذ نشأته، سيجد أن الاحتفالية ـ بأشكالها المتنوعة، الظاهرة أو الخفية ـ حاضرة في كل المدارس والتيارات التي تعاقبت. فهي ليست ملكا لزمن بعينه، وإنما هي روح تلازم المسرح منذ ولادته، لأنها أولا وقبل كل شيء تلازم الإنسان نفسه: في طقوسه، في أعياده، في أفراحه وأحزانه.
فالإنسان، حتى وهو في عمق المعاناة، قادر على انتزاع الفرح، وعلى أن يدرك أن من رحم الأحزان قد تولد سعادة من نوع آخر. وهنا تكمن قوة البعد الاحتفالي: إنه حكمة وجودية تجعل المسرح مكانا لا يعكس الحياة فقط، بل يعيد ابتكارها في صيغة احتفال.
من هذا المنطلق، أرى أن الاحتفالية ليست محطة تأسيسية توقفت عند لحظة بعينها، وإنما هي مسار مفتوح يرافق المسرح والإنسان معا في بحثهما الدائم عن المعنى. تحياتي أستاذي الفاضل و صديقي العزيز).
أما الرفيق الاحتفالي “شعيب زمار شعيب” فقد قرأ النفس السابق من الكتابة الاحتفالية من زاوية الإبداع الاحتفالي، وتحديدا من مسرحية (اسمع يا عبد السميع) والتي له معها تاريخ طويل، من القراءة ومن إعادة القراءة ومن الإخراج ومن الأداء المسرحي، ولأن الصيف مضى واتى الخريف، فإنه يطرح السؤال (ومتى يعود عبد السميع الغائب؟) وجوابا على هذا السؤال كتب الكاتب المسرحي الاحتفالي مسرحية (عبد السميع يعود غدا) والتي هي المسرحية الثالثة في ثلاثية مسرحية تتألف من (اسمع يا عبد السميع) و(النمرود في هوليود) و(عبد السميع يعود غدا). ونحن جميعا في الحركة الاحتفالية ننتظر أن يعود عبد السميع غدا.. أو في أي يوم من الأيام.
يقول الرفيق ‘شعيب زمر” في تعقيبه على النفس السابق من هذه الكتابة ما يلي:
(عاد الخريف ومضى الصيف، ولم يعد عبد السميع. ليتني صدقتك! من جديد ستكلفني رغم شيخوختي أن أبحث عنك في الأسواق الشعبية في الجبال في الغابات في المداشر. هذه المرة ليست ككل المرات، في جعبتنا حكايات وحكايات، وسيعود عبدالسميع. المتجدد الاحتفالي بنكهة مغايرة تماشيا مع الاحفالية المتجددة مع الكاتب المبدع عبد الكريم برشيد)
ما ضاع منا هنا، نبحث عنه اليوم هنا
وهذه الاحتفالية، في شعريتها وجمالياتها وسحريتها وشفافيتها، ماذا يمكن أن تكون سوى أنها حركة في عالم متحرك، وهي في حقيقتها عالم من الأفكار ومن الأحلام ومن الاختيارات ومن الرهانات ومن التحديات من الحالات ومن التصورات ومن المخاطرات العاقلة، وهي في الأصل طاقة فكرية ووجدانية وروحية متجددة، ولهذه الحركة طاقة برانية وجوانية تحركها وتدفع بها نحو الأعلى ونحو الأبعد ونحو الأجمل ونحو الأكمل، ولها عقل في جسدها الرمزي يوجهها نحو الحق والحقيقة، وقد يكون فيها شيء من الفوضى أيضا، ولكنها فوضى منظمة ومحكمة، وقد تكون اليوم مازالت غامضة وملتبسة، في كثير من جوانبها الفكرية والجمالية، ولكنها غدا لن تكون كذلك، وسوف تتضح صورتها في العيون وفي القلوب الصافية والراقية مع توالي الأيام والأعوام.
هذه الاحتفالية تحكمها الرؤية الواقعية، لأنها إبداع من إبداعات الواقع التاريخي، وهي حين تحلم اليوم، كما حلمت بالأمس، فإنها لا يمكن أن تحلم إلا بشكل جمالي مقنع وممتع، والعين فيها مفتوحة عن آخرها، وذلك حتى يمكن أن تسع كل الناس في عوالم الناس، وحتى تسع الجغرافيا والتاريخ معا، وحتى تسع كل الثقافات وكل اللغات وكل الأبحديات الحية، ورغم حسها النقدي، فإنها لا يمكن أن تخاصم هذا الواقع الكائن، إلا بحثا عن واقع آخر ممكن الوجود، واقع يكون في مشروعها الفكري والجمالي والأخلاقي أصدق من وقائع هذا الواقع، وتكون حالاته أجمل منه، وتكون مقاماته أكثر إنسانية وأكثر مدنية منه.
ويؤمن هذا الاحتفالي، في واقعيته الشعرية، بأن ما ضاع منه هنا، ينبغي أن يبحث عنه هنا، وليس هناك، وإنه في هذا البحث عن الذات، في متاهة الأيام والأعوام، لا ينبغي أن نفوض غيرنا ليبحث لنا عنا، وليؤسس لنا فننا وفكرنا وعلمنا وصناعاتنا الإبداعية المختلفة، وذلك من خلال ما قد نسميه الإعداد أو الاقتباس أو الترجمة الخائنة، وهذا الارتباط بـ الآنا وبالآن – هنا، هي الدرجة الأولى في سلم الواقعية الاحتفالبة الشعرية، ونحن في هذه الاحتفالية نؤمن بأن الواقع ليس كارت بوسطال جامدة، ولكنه وقائع حية متحركة في واقع حي ومتحرك، وعليه، فإن ما نبحث عنه هو أساسا فعل صادق وفاعلية حية، وهو شيء يتغير ويغير بكل تاكيد، وهو يتحول بشكل دائم ومتواصل، وهو يتغير بعقلانية، لحظة بعد لحظة، ويوما بعد يوم، وشهرا بعد شهر، وعاما بعد عام.
وتتجلى هذه الواقعية في الأقانيم الاحتفالية التي تمثلها (النحن) الفاعلة والمتفاعلة والمتفاعلة، ويمثلها الآن الواقعي والتاريخي، ويمثلها الهنا الجغرافي المفتوح من جميع الجهات على كل الجهات في هذا العالم.
جماعة مسرحية بدرجة قاطرة مسرحية
هذه الاحتفالية انتظمت في أفكار، وتجسدت في أجساد، وتشكلت في إطار جماعة، ولم تكن هذه الجماعة تنظيما سياسيا أو تقابيا، ولم تكن هي الاحتفالية كل الاحتفالية، ولكنها كانت مجرد خلية إنسانية واحدة صغيرة في المجتمع الإنساني والكوني الكبير، والأصل في هذه الجماعة هو أنها أرواح إنسانية التقت وتعارفت وتحاورت وتكاملت، وهي مجموعة أفراد تقتسم عشق المسرح، وتقتسم طريق المسرح، وتقتسم فلسفة المسرح، ولقد جاء كل واحد من هذه الجماعة من مكان مختلف، وكان كل واحد يحمل إضافة فكرية وجمالية، وكان الشيء الأساس الذي جمعهم واحد، وهو أنهم كلهم كانوا يحلمون نفس الحلم، وكانوا (يقترفون) نفس التفكير الحر، وأنهم كانوا كلهم يكتبون بنفس اللغة، وبنفس المعجم، وبنفس الأبجدية المسرحية الاحتفالية.
وهذه الجماعة الاحتفالية، في بنيتها، لم تكن ذات شكل هرمي، له قاعدة في الأسفل، وله رأس في الأعلى، بل كانت أخوة فكرية وأخوة وجدانية وأخوة روحية، وهذا ما لم يفهمه النقد المسرحي الأيديولوجي، والذي تصور أن تكون هذه الجماعة خلية حزبية، وأن تكون بياناتها الفكرية بلاغات عسكرية انقلابية، وتخيل البعض الآخر أن هذه الجماعية يمكن أن تكون زاوية صوفية للدراويش، بها شيخ ومريدون، كما اعتقد النقد المدرسي أن هذه الجماعية هي فصل دراسي في مدرسة.. مدرسة بها معلم يعلم، وبها متعلمون يتعلمون، مع أنه لا معلم في الفلسفة الاحتفالية إلا الحياة والطبيعة والتاريخ والتجربة الصادقة والحية.
ومنذ البيان الأول، أكد الاحتفاليون على أن بنية هذه الجماعة بعيدة جدا عن بنية الحزب، والتي يمكن أن يكون فيها زعيم ملهم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وفيها شعب من المصفقين ومن الهتافين، والذين لا يعرفون في الكلام إلا كلمة واحدة فقط، والتي هي (آمين)، وهذه الجماعة، والتي هي مجرد جزء صغير جدا من المجتمع الإنساني الاحتفالي في العالم، بعيدة جدا عن بنية الشركة التجارية، والتي فيها رب العمل، وفيها إجراء، وقد يجوز لنا أن نقول بأن هذه الجماعية الاحتفالية هي القاطرة التي تجر عربات المسرح العربي الحديث والمعاصر، وهذا على الأقل، هو الطموح المشروع الذي أوجد هذه الجماعة الاحتفالية في منتصف القرن الماضي.
وهذه الجماعة لم تأت عارية، كما يأتي الوليد، ولكنها جاءت إلى الوجود وهي تحمل مشروعا فكريا وجماليا وأخلاقيا حيا، ولقد آمن الاحتفالي، منذ ذلك البدء الأول، بأن تقديم هذا المشروع الثوري والتثويري لن يكون سهلا ابدا، وأنه لا يمكن أن يمر بسلام، وأنه لابد سپلقى المقاومة من انصار السكون والركود ومن أنصار الكسل الفكري ومن سدنة المعابد المسرحية البائدة، ولهذا فقد لجأت الجماعة الاحتفالية إلى ثقافة البيان، وذلك من أجل أن تبين ما يحتاج الى تبيين، وأن تكشف الستار عن المستور، وأن توضح الغامض الذي يحتاج إلى توضيح.
وفي كتاب (كتابات على هامش البيانات) نقرأ ما يلي: (ولأن الاحتفالية قائمة على أساس المكاشفة، وعلى التلاقي والمشاركة، وعلى الحوار والشفافية، فإنني أدعوكم إلى مائدة الاحتفالية الفكرية، وإلى حفلها وعيدها، وإنني شخصيا ـ ومعي كل الاحتفاليين ـ نريد أن يكون هذا العيد عيدا لممارسة التفكير الحر والحيوي والمسؤول، وأن تكون هذه الوقفة مناسبة لإنتاج التفكير الجديد والمتجدد.
إن هذه الاحتفالية لا تنشد شيئا (آخر) إلا المعرفة، وهي تؤمن بأن المعرفة معاناة ورحيل واحتراق، وهي دخول وخروج واختراق لحدود الأشياء والمفاهبم والرموز والعلامات المختلفة، وهي محاولات لرفع الحجاب وإلغاء الكواليس والكفر بما وراء المسرح، وحتى تتبين الحقائق فإنه لابد من البيان، ولابد من التبيين).
الاحتفالية ومتاهات المسرح العربي الحديث
(نحن نبني الطريق والطريق يبنينا) هي مقولة حكيمة قالها المهدي بن بركة أثناء بناء طريق الوحدة بعد استقلال المغرب مباشرة، ونفس الشيء يمكن أن نقوله اليوم عن المشروع الاحتفالي، والذي بنيناه وأسسناه، فكريا وجماليا وأخلاقيا، وذلك على امتداد عقود طويلة جدا، والذي بنانا وأسسنا نحن الاحتفاليين، وكان مرجعنا وكان بوصلتنا وكان فلسفتنا وكان دليلنا الفكري في طريق مسرح الحياة وحياة المسرح، ويبقى السؤال التالي يتحداني دائما، ويقول لي بغير كلام طبعا:
ــ وهذا الطريق الاحتفالي إلى أين؟
إن طريق الوحدة في الخمسينات من القرن الماضي كان من أجل الوحدة، وكان من أجل ربط الجنوب بالشمال، وفي المشروع الاحتفالي يحضر نفس الهاجس، ولقد كان السؤال دائما، وما يزال هو، إلى أين يمكن أن يؤدي بنا هذا الطريق الاحتفالي؟
وفي الجواب نقول ما يلي، الطريق الاحتفالي وجهته الإنسان وغايته الإنسان وروحه وفلسفته وزاده المعرفة والحكمة و محركه الواقع والتاريخ.
وبناء الطريق الاحتفالي هو الذي عبر عنه الاحتفاليون من خلال مفهوم التأسيس وإعادة التأسيس، مما يدل على أن هذا الطريق الاحتفالي لا يمكن أن يكون إلا ورشا لفعل البناء وإعادة البناء، بشكل دائم ومستمر ومتواصل.
لقد آمن الاحتفالي بإمكانية وجود مسرح آخر، وذلك في هذا الزمن الآخر، وفي هذا المناخ الثقافي والسياسي الآخر، مسرح بلا طرق جاهزة وثابتة، وبلا وجهات محددة، وبلا علامات التشوير القديمة الإجبارية وبلا تعليمات وبلا توصيات من أية جهة من الجهات.
ويؤمن الاحتفالي بأن المسرح طرقه متعددة، وأن من سار في الطريق الخطأ لا يمكن أن يصل إلى المسرح، وقد يصل إلى ما يمكن أن يشبه المسرح، وعليه، فإن الذي لم يبن طريقه بيده لن يصل إلى وجهته، وهذا ما يفسر اليوم هذه العشوائية التي يعرفها المسرح العربي، والذي يقوم على إنتاج عروض مسرحية بلا روح مسرحية، ويقوم بتأسيس مهرجانات مسرحية بلا فلسفة مسرحية، مهرجانات تمثلها لحظتان فقط؛ لحظة الافتتاح ولحظة الاختتام، والباقي كله تفاصيل بلا مسرح بلا طرق وبلا وجهات محددة وبلا علامات التشوير.
وهذا الاحتفالي، المشاء، في الطريق الاحتفالي الذي يمشي، هو الذي قال في مقدمة كتاب (الاحتفالية مواقف ومواقف مضادة) الكتاب الأول ـ مراكش 1993، بأن هذه الاحتفالية (لا تغلق باب البحث والاجتهاد، ولكنها تفتحه عن آخره. إنها تدرك جيدا حدودها الحقيقية.. الحدود الكائنة والممكنة والمستحيلة، إنها تعرف انها محطة في الطريق، وليست كل الطريق، وبذلك فهي تردد مع ماير خولد قوله (قد لا ننجح في فكرة المسرح الجديد، قد نسقط جميعا ونكون جسرا للآخرين ليمروا فوق أجسادنا نحو مستقبل المسرح).
وهذا الطريق الاحتفالي له بالتأكيد وجود داخل شبكة الطرق الفكرية والجمالية العالمية، وهو يتقاطع مع كل التيارات المسرحية الكونية ومع طرقها الفكرية والجمالية، بكل اجتهاداتها المختلفة، وهو يتحاور معها فكريا، ويأخذ منها ويضيف إليها، مؤمنا بأن الطريق الاحتفالي هو مجرد رافد من الروافد المسرحية في التاريخ،
ويقول الاحتفالي أيضا، وفي نفس كتاب (الاحتفالية مواقف ومواقف مضادة) الكتاب الثاني، ما يلي: (شيء مؤكد أن أي عطاء، أدبيا كان أم فنيا أم علميا، لا يمكن أن يوجد في الزمن المطلق، وذلك لكونه يرتبط دائما بزمن معين ومحدد؛ زمن هو زمانه الذي لا يمكن أن يتعدى حدوده، من هنا كان ضروريا أن يرفع الاحتفاليون الشعار التالي: “قل كلمتك وانصرف”. ‘ن الحركات الأدبية والفنية ترتبط عادة بشروط موضوعية تاريخية، فهي توجد بوجودها، وتختفي باختفائها، وإذا كانت الاحتفالية ماتزال قائمة لحد الآن، فما ذلك إلا لأنها ـ كانت وما تزال ـ تمثل المسرح المناسب للإنسان المناسب في الزمان المناسب وفي المكان المناسب). هذا كلام قيل منذ أكثر من اثنين وثلاثين عاما.
نحن في هذا الطريق نأتي ونمضي، ولكن أفكارنا ستبقى بعدنا، و أمار الأفكار دائما أطول من عمر المفكرين، وحتما هي أفكار ناقصة، مما جعلها تحتاج دائما لمن يكملها، وتحتاج لمن يحينها، وتحتاج لمن يجددها، وتحتاج لمن يعصرنها، وتحتاج لمن يفعلها، وتحتاج لمن يشعبنها، وتحتاج لمن يخالفها، ولمن يكون ذاتا واسعة ورحبة، وأن يكون في مستوى شعب أو في مستوى أمة.
وخارج حدود الاتفاق مع هذا المشروع الاحتفالي أو الاختلاف معه أو حوله، فإن السؤال التالي يظل حاضرا على امتداد التاريخ، وهذا السؤال هو:
ما هي الإضافات الفكرية والجمالية والتقنية التي أضافها المسرح الاحتفالي؟
وفي نفس الكتاب دائما (الاحتفالية مواقف ومواقف مضادة) يقول الكاتب الاحتفالي ما يلي:
(لعل أخطر ما في المسرح الاحتفالي هو أنه أعطى عطاء لا يمكن إغفاله أو القفز فوقه، لقد ولد أفكارا، و اقترح أساليب، واستنبط تقنيات، وروج لمصطلحات، وهاجم ممارسات، وسفه نظريات، وأبدع مسرحيات، وقدم فرضيات، واستنتج خلاصات، واعتمد منهجيات.
إن هذه المعطيات الجديدة لم تأت من فراغ، فهي نتيجة مقدمات، وخلاصة نظريات وممارسات، وبذلك فقد كان ضروريا الوقوف عندها لقراءة طروحاتها والكشف عن مصادرها ومراجعها.