الانتخابات المغربية.. من التزوير إلى التقديس

الانتخابات المغربية.. من التزوير إلى التقديس

عبد الرحمان الغندور

           هذا رأينا قبل أن يطالنا التجريم وعقوبة الحبس من سنتين إلى خمس سنوات، وغرامة من 50.000 درهم إلى 100.000درهم

في غمرة الترتيبات التي يتم التحضير لها لإجراء انتخابات 2026 يطفو الحديث عن جدوى العملية الانتخابية وما يسمى بالممارسة الديمقراطية، من خلال السكوت عن الإشكاليات الجوهرية التي تمس صميم العلاقة بين الحاكمين والمحكومين. فالمشهد السياسي الراهن يطرح أسئلة محيرة حول جدوى الآليات الانتخابية المقبلة في ظل بيئة يطغو عليها طابع السلطوية الموروث من عهد اكديرة وأوفقير وادريس البصري. فلطالما كانت كل الانتخابات التي عرفها المغرب، موضع تشكيك. بل إن هذا التشكيك كان سمة طبيعية وثابتة فيها، حيث تتعالى الأصوات منتقدة ومنددة دون خوف من عقاب.

رحم الله الفقيد عبد الرحيم بوعبيد، الذي لو عاش إلى اليوم، لكان مصيره 5 سنوات حبسا، بعد التصريحات الذي أدلى بها عقب التزوير الفاضح الذي عرفته كل الانتخابات التي عايشها، لأن المنحى الذي تم تحضيره للانتخابات المقبلة يثير الاستغراب، فبدلاً من تعزيز الثقة في العملية الانتخابية عبر ضمانات حقيقية، يتم اللجوء إلى سن تشريعات تجرم مجرد التشكيك في نزاهة الانتخابات. (أنظر نص القانون التنظيمي الجديد) هذا المسار يبدو متناقضاً مع أبسط مبادئ الديمقراطية التي تقوم على حق المحاسبة والمراقبة والنقد. ففي الدول التي ترسخت فيها التقاليد الديمقراطية، لا يخلو أي استحقاق انتخابي من أصوات تشكك في نزاهته، بل إن هذا النقد يمثل دليلاً على حيوية المجتمع وقوة مؤسساته.

إن هذا التشريع الغريب يجعل الانتخابات المقبلة فوق التزوير ومنزهة إلى درجة تقديسها والإيمان بنتائجها التي تشرف عليها نفس الأجهزة التي أدارت جميع الاستحقاقات السابقة في المغرب، والتي عرفت أبشع أشكال التزوير واستعمال المال وشراء الأصوات

الضمانة الحقيقية لنزاهة الانتخابات لا تكمن في القوانين الزجرية، بل في توفير بيئة ديمقراطية حقيقية تسمح بالشفافية والمحاسبة. فالمجتمع الذي تغوص إدارته في مستنقع الفساد، واقتصاده في جحيم النهب وبنياته في بحر من الفقر والتهميش والجهل، لا يمكن لقوانين زجرية أو قمعية أن تضمن فيه مصداقية عملية انتخابية. إن جوهر الديمقراطية يتمثل في السلطة الأخلاقية النابعة من احترام إرادة الناخبين، وليس في الإكراه القانوني.

إن الساحة السياسية تشهد تحولاً مدهشا ولافتاً في آليات التعامل مع الانتخابات. فبعد أن كان الخطاب الرسمي هو وسيلة الدفاع عن نزاهة الاستحقاقات الانتخابية، تم الانتقال إلى مرحلة جديدة تعتمد على تقديسها والتجريم الجنائي لنقدها والتشكيك فيها. وهذا التحول يطرح تساؤلات حول الخلفيات الحقيقية لهذه التشريعات والتوقيت الذي صدرت فيه.

وفي خضم هذا الجدل، يبرز سؤال حول مدى توافق هذه القوانين مع الدستور الذي يكفل حق الطعن في الانتخابات. فكيف يمكن التوفيق بين نص دستوري يسمح بالطعن في نزاهة الانتخابات، وقانون يجرم التشكيك في هذه النزاهة؟ هذا التناقض يضع الشرعية الدستورية لهذه القوانين موضع مساءلة.

المشهد السياسي الراهن يبدو محكوماً بحسابات معقدة ترتبط بتحضيرات لمرحلة سياسية جديدة، حيث تتداخل الاعتبارات الاقتصادية مع التوازنات السياسية بين اللوبيات المتحكمة، والهولدينغات المتنافسة والرهانات الدولية. في هذا السياق، تتأكد المخاوف من أن الانتخابات القادمة ليست سوى أداة لترتيبات مسبقة، تخدم أجندات محددة وتضمن استمرار تحالفات وتوازنات معينة في بنية النظام السياسي المغربي. وهذا ما يجعل الأمر لا يتوقف عند حدود التشريعات الانتخابية، بل يمتد إلى طبيعة النظام السياسي نفسه الذي يبدو عاجزاً عن مسايرة تطورات المجتمع وتطلعاته. فالتحدي الحقيقي لا يكمن في نقص القوانين، بل في عجز النظام عن التكيف مع متطلبات العصر وضرورات الإصلاح.

وفي خلفية هذه التشريعات التقديسية للعمليات الانتخابية، تكمن إشكاليات اجتماعية عميقة، حيث يتصاعد الاحتقان وتتفاقم الهشاشة، مما يهدد بانهيار التوازنات القائمة. فالمجتمع الذي ينمو فيه الغضب والسخط، لا يمكن لقوانين قمعية أن تمنع انفجاره عاجلاً أم آجلاً.

والملفت في هذا السياق هو الفجوة التي تتسع يوما بعد يوم بين النخب الحاكمة والواقع الاجتماعي، حيث تتراكم علامات الاستفهام حول قدرة النظام على قراءة إشارات الإنذار والخطر. فبدلاً من معالجة الأسباب الجذرية للأزمة، يتم التركيز على معالجة الأعراض عبر مزيد من التشريعات المقيدة للحريات.

 وتبقى الأسئلة معلقة حول هذا البلد الذي يواجه مستقبله في مفترق طرق حاسم: فإما أن يسلك طريق الإصلاح الحقيقي الذي يلامس جوهر المشكلات، أو يستمر في تبني سياسات ترقيعية تؤجل الانفجار إلى حين، لكنها لا تمنعه. إن التحدي الأكبر يتمثل في تجاوز النموذج السياسي القائم برمته، والانتقال إلى مرحلة جديدة تتيح مشاركة حقيقية وتوزيعاً عادلاً للسلطة والثروة.

شارك هذا الموضوع

عبد الرحمان الغندور

كاتب وناشط سياسي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!