السكتة الإيديولوجية.. إدريس لشكر يدفن الإرث النضالي للاتحاد الاشتراكي

السكتة الإيديولوجية.. إدريس لشكر يدفن الإرث النضالي للاتحاد الاشتراكي

عمر بنعطية:

           بعد أسابيع من التجديد المثير للجدل لولايته الرابعة على رأس حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بصفته الكاتب الأول، قام إدريس لشكر يوم السبت 13 ديسمبر 2025 في الرباط، بخطوة تنظيمية حاسمة، تمثلت في مصادقة المجلس الوطني على تشكيلة المكتب السياسي الجديدة، تُعد إيذانًا ببدء مرحلة جديدة من التركيز المطلق للسلطة في يد القيادة الحالية للحزب ذي التاريخ العريق، إذ أزالت عمليًا أي أثر للمعارضة الداخلية من مفاصل القرار.

خلال أول اجتماع للمجلس الوطني عقب المؤتمر الوطني الثاني عشر، تم تمرير اللائحة التي اقترحها لشكر لأعضاء المكتب السياسي، معيدة بذلك هيكلة الحزب للمرحلة المقبلة. يلاحظ المتابعون أن التشكيلة الجديدة، التي ضمت 33 عضوًا، تعكس مزيجًا شكليًا من “الاستمرارية والتجديد”، لكن جوهرها يكمن في إحكام السيطرة التنظيمية والسياسية.

وقد سُمح لهذه الهندسة القيادية بأن تخلو تقريبًا من الأصوات التي كانت تُصنَّف ضمن التيار المنتقد لتمديد ولاية الكاتب الأول، كما شمل الاستبعاد حتى بعض الوجوه التي كانت تعتبر سابقًا قريبة منه. هذا التطهير القيادي يرسخ فهمًا بأن المرحلة تتطلب ولاءً تنظيميًا غير مشروط.

كان من أبرز الأسماء التي غابت عن التشكيلة الجديدة: النائبة البرلمانية مليكة الزخنيني، وحنان رحاب، ويونس مجاهد، وتشير هذه الإزاحة إلى أن دائرة المقربين لم تعد بمنأى عن عمليات إعادة التموضع، طالما أن الهدف هو ضمان السيطرة الكاملة على الأجهزة التقريرية.

لم تقتصر التغييرات على المكتب السياسي الأساسي، بل اعتمد الحزب كذلك صيغة تنظيمية مبتكرة تضمنت هيكلة تخصصية، عبر انتخاب كتاب وطنيين مكلفين بملفات استراتيجية وقطاعية. هذه اللائحة الثانية، التي يمكن اعتبارها “مكتبًا سياسيًا رديفًا” أو تنفيذيًا، تغطي مجالات حيوية مثل: الرقمنة والذكاء الاصطناعي، العلاقات الخارجية، والعمل النقابي.

يرى البعض أن هذه الخطوة تخدم هدفين رئيسيين: أولاً، استيعاب وتوظيف كوادر أخرى ضمن منظومة الحزب التنفيذية. ثانيًا، ضمان أن يكون القرار السياسي المركزي للحزب مُحاطًا ومُغذَّى بأجهزة تنفيذية موالية ومُعيّنة بعناية.

تأتي هذه التطورات بعد أن أقر المؤتمر الوطني الثاني عشر تعديلاً على القانونين الأساسي والداخلي للحزب، وهو التعديل الذي أتاح عمليًا تمديد ولاية الكاتب الأول. هذا التمديد قوبل بانتقادات واسعة داخل المشهد السياسي المغربي، حيث اعتبره الكثيرون تكريسًا لظاهرة الزعامات الأبديةداخل الأحزاب، مما يضر بمبدأ التداول الديمقراطي على القيادة.

التحول الأيديولوجي وتآكل الإرث

يُلخص النقد الحاد الموجه لفترة قيادة لشكر تحول الحزب العتيد إلى أداة سياسية تخدم أجندات معينة، مبتعدة عن إرثها النضالي والتاريخي. وقد تم تفكيك هذا النقد وفق المحاور التالية:

يرى النقد أن الحزب تخلى عن دوره كقوة معارضة تاريخية وتحول إلى ما يُسمى بـ”الموالاة المقنعة بقناع المعارضة”. يُشبّه مسار الحزب بـ”الأحزاب الإدارية”، التي تُنشأ للمشاركة الشكلية في الحياة السياسية لا لتمثيل إرادة شعبية واضحة.

 وبعدما كان الاتحاد الاشتراكي يُعرف بأنه “حزب المفكرين والأدباء والمثقفين” (مثل محمد عابد الجابري، محمد جسوس، ومحمد الحبابي، وأحمد السطاتي، ومحمد برادة… في فترات سابقة)، يشير النقد إلى أن استبعاد القيادات المؤثرة والمثقفين لصالح الولاء التنظيمي أدى إلى إفراغ الحزب من محتواه الفكريوجعله مجرد هيكل إداري-انتخابي، و”بوتيكة” لبيع وشراء التزكيات.

كما  يُسلط النقد الضوء على الدور الذي لعبه الحزب بقيادة لشكر خلال أزمة تشكيل الحكومة في عام 2016، حيث اُعتبر موقفه سببًا أساسيًا في “البلوكاج” الذي عطل تشكيل حكومة عبد الإله بنكيران الثانية.

إضافة إلى أنه يُنظر إلى إسقاط ملتمس الرقابة قبل إعلانه (أو عدم المضي فيه بجدية) في ماي الماضي، كدليل على الافتقار إلى الرغبة الحقيقية في ممارسة المعارضة البرلمانية القوية والفعالة.

 ويُعتبر دخول الحزب في تحالف حكومي مع رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش، بعد انتخابات 2021، دليلاً على الاستعداد للتحالف مع القوى الرأسمالية والمالية، متخليًا عن خطه اليساري الأصيل، مقابل الحصول على “كعكعة الحكومة” (المناصب والمكتسبات).

وتشير المصادر المقربة من مقر “العرعار”، إلى طموح إدريس لشكر في تولي نجلته خولة لشكر مهمة حكومية رسمية، وهو ما يُستخدم كدليل على توريث” النفوذ واستخدام المناصب الحكومية كمكافأة، مما يقوّض مبدأ الاستحقاق.

يرى المحللون أن حزب المناضلين الذي كان يُفترض به أن يكون محركًا للإصلاح الديمقراطي، قد تحول إلى حزب يفتقر للعمق الأيديولوجي، متصالح بشكل كبير مع السلطة التنفيذية، ويفضل الحفاظ على بقائه في المشهد السياسي والحكومي على حساب إرثه النضالي ومكانته التاريخية.

شارك هذا الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!