السلاح عائق امام بسط سيطرة الدولة على اراضيها

في مشهدية يبدو أنها أصبحت من ثوابت التعاطي مع لبنان، على ضوء الاستحقاقات الملزمة لا سيما المتعلقة بموضوع سلاح حزب الله، وقبل أشهر من الانتخابات النيابية المقبلة، تتمحور زيارات الموفدين الدوليين إلى بيروت؛ فبعد زيارة المبعوث الرئاسي الأميركي توم براك، ومساعدته مورغان أورتاغوس، حطّ الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان رحاله في بيروت على خلفية اطّلاعه بعمق الدهاليز اللبنانية، وإن حملت كل مرة عناوين ومضامين اختلفت من زيارة لأخرى .
لكنّ زيارته الأخيرة ربما تكتسب زخما مضاعفًا، ليس فقط بسبب التكامل بين الدور الأميركي الهادف، والمرتكز على ملف السلاح خارج سلطة الدولة اللبنانية حصرا والدور الفرنسي الذي يستعدّ لمرحلة ما بعد حصرية السلاح، ولكن أيضا لأنها بحثت للمرة الأولى حسب المصادر المواكبة في الاجراءات العملية على قاعدة المقايضة، بمعنى إذا أراد لبنان أن يأخذ فعليه أن يعطي .
ان رسالة باريس واضحة هذه المرة، وتبيّن الأهداف بلا تسويف أو تحليل للعبارات، فلا إعمار بلا أمن ذاتي، ولا أمن بدون مؤسسات حكومية تستطيع فرض سلطتها، ولا ثقة بالدولة ان لم تعمل على ردم هوة الثقة بضرب الفساد والعمل على إصلاحات قابلة للتماهي مع الرسائل الفرنسية ، الأميركية والثوابت التي انطلقت منها أسباب الزيارات للعمل على تحقيق الأهداف .
من هنا، أتت زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في محاولة لتثبيت معادلة إصلاحات شاملة مقابل دعم مدروس. أي أن باريس ستؤمّن غطاء سياسيا وعمليا لعقد مؤتمرين، الأول لدعم الجيش وتمكينه لوجستيا من إتمام مهمته، والثاني للإعمار بما يتناسب والخطة المرتبطة بمشروع ترامب الاقتصادي، بمعنى أن إعادة إعمار قرى الحافة الأمامية قد لا يشملها الغطاء الفرنسي .
لودريان كان واضحا في كلامه مع المسؤولين اللبنانيين؛ بأن أي مسارا مطلوبا عليه أن يتزامن مع مسار التزام الحكومة اللبنانية بإجراءات تسد الثغرات المزمنة التي قوضت الثقة خلال السنوات المنصرمة
ان مساعي فرنسا تبدو ضعيفة في تحقيق النتائج بفعل الخروقات الإسرائيلية التي واكبت زيارة لودريان من خلال رفع وتيرة الاستهدافات والخروقات، في رسالة جلية ومباشرة يُفهم منها أن حكومة تل أبيب تضع فيتو على أي خطوات إيجابية إزاء لبنان حتى ولو نفذ كل أجندة الورقة الأميركية المطلوبة، لأنه وبحسب مصادر مواكبة يبدو أن كيان الاحتلال قد اتخذ قراراً بخطة لا عودة عنها ضمن مشروع توسّعه تحت مسمّى أسرائيل الكبرى
من هنا، لا بد من قراءة هادئة ومتروية للزيارة وأهدافها، التي قد لا تصل إلى حد إعلان خريطة طريق دولية لدعم لبنان، كما يحاول البعض تصويرها، باعتبار أن المجتمع الدولي لن يكتفي بمبادرات حسن النية، بل ينتظر إجراءات ملموسة، سواء على مستوى حصرية السلاح، أو الإصلاحات الاقتصادية والمالية، وأكثر من ذلك الذهاب الى مفاوضات مباشرة مع كيان الاحتلال لتسوية نقاط النزاع وهو المطلوب بحسب المصادر على المستوى الأمني .
من جهته يسعى حزب الله لامتصاص النقمة الشعبية داخل بيئته المتضررة من الحرب الأخيرة، بالعودة لضخ الأموال التي جمدها منذ أشهر جراء الضائقة المالية التي يعاني منها. ويستعد الحزب لدفع مبلغ قدره 110 ملايين دولار قبل نهاية تشرين الثاني المقبل كبدل إيواء لمدة عام كامل لمن دُمرت منازلهم خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وخصوصاً أولئك الذين تهجروا من المناطق الجنوبية الحدودية التي تم تدميرها بالكامل، ولا تزال مواقع فيها محتلة .
ونفت مصادر قريبة من الحزب أن تكون القيادة قررت إطلاق عملية إعادة الإعمار، وتخصيص مبلغ أولي قدره مليار دولار لذلك، داحضة ما روجت له وسائل إعلام قريبة من الحزب عن استعداده عبر مؤسساته وتشكيلاته المعنية مثل جهاد البناء ووعد لتمويل عملية إعادة الإعمار في الضاحية الجنوبية والمناطق المتضرّرة بالحرب باستثناء شريط القرى الحدودية، بقيمة مليار دولار في المرحلة الأولى، تليها مرحلتان بقيمة مليار دولار لكل منهما، واستكمال الترميم المقدّر بنحو نصف مليار دولار، بالإضافة إلى استمرار تمويل الإيواء للمهجّرين .
وإذ أكدت المصادر استعداد الحزب لتأمين المبالغ المطلوبة كبدل إيجار للعائلات التي دُمرت منازلها، أشارت إلى أنه لا يزال يرمي كرة إعادة الإعمار في ملعب الحكومة التي يُفترض أن تطلق هي هذه العملية، لافتة إلى أنه قد يكون قد اختلط على البعض الأمر؛ إذ إن الحزب شارك في إعداد دراسات بطلب من الحكومة لتحديد الخسائر والمناطق والمباني المدمرة، ولكنه ليس راهناً بوارد أن يتولى هذه العملية .
ويؤكد عدد من المتضررين الذين دُمرت منازلهم أنهم لم يبلَّغوا من الحزب بأي شيء مرتبط بإعادة الإعمار، وأنهم سمعوا بذلك عبر وسائل الإعلام .
وفي هذا السياق يشير سياسي شيعي معارض لحزب الله إلى أن الأسئلة في بيئة حزب الله حول إعادة الإعمار وترميم ما تبقى من منشآت وبيوت، باتت أكثر إلحاحاً، في ظل مخاوف لدى المتضررين من طي صفحة الإعمار، لا سيما مع تخلف حزب الله عن دفع الأموال المتبقية والمؤجلة المتصلة بإعادة الترميم، والتي يجري تأجيل استحقاقها من وقت لآخر، لافتاً إلى أنه في مقابل ما يتردد عن تضييق منافذ دخول الأموال لحزب الله، هناك مقولات من محيط الحزب بأن وصول الأموال ليس مستحيلاً، وهناك وسائل شتى لن يعدمها الحزب، براً عبر عصابات منظمة، أو عبر العملات الرقمية، أو من خلال وسطاء من شبكات صرافين وتجار، وسوى ذلك مما يعرفه خبراء المال .
ختامًا في كل الحالات، يمكن استخلاص نتيجة واحدة تفيد بانه لا امكانية لاعادة الاعمار الا عبر قيام الدولة بكل جدية انطلاقًا من حصرية السلاح وبسط سلطة الدولة على كامل اراضيها وصولاً الى تنفيذ برنامج الاصلاحات الاقتصادية والمالية والادارية ومكافحة الفساد .