“العشعاشي”.. المهدي بنبركة ومفهوم الوطنية والعمالة

اليزيد البركة
شاهدت برنامج “بدون لغة خشب” الذي استضاف الدكتور رشيد عشعاشي، وقد بدأ الصحافي مع الضيف بسؤال عن نسبه بالعشعاشي، وما يثار بين الحين والآخر من تعاليق حول علاقته بهذا الاسم، وقد صحح الضيف للصحافي أن العلاقة هي مع “عشعاشيان” وليس واحدًأ، وهما عمَّاه، محمد العشعاشي وعبد الحق العشعاشي. وفي رده على ما يمكن أن يغمز به البعض من محاولات للخدش في قناعات الضيف الفكرية والسياسية، أكد أنه ليس من المفروض أن يتحمل وزر عائلته ككل، فهذا تفكير قبلي، والاتهامات التي كان يتلقاها هي محاولات من أجل تصنيفه مع المخابرات، وأن أباه أستاذ جامعي لا علاقة له بالسياسة وبعيد عنها، كل هذا جميل وهو محق في ضرورة الحكم على أفراد وأقوال أي فرد بعيد عن العلاقة الدموية، كيفما كانت بعيدة أو قريبة.
ما يتطلب الرد هو لما حاول أن يصنف المهدي كعميل للجزائر وغيرها من الدول، التي كانت في منظمة التضامن الأفروأسوية، في مقابل “العشعاشيان” اللذان كانا وطنيان حسب رأيه، يدافعان عن بلدهما المغرب .
عندما نتكلم عن وطني وعميل، وعن أحداث دولية مرتبطة بالصراع على المستوى الدولي بين كتلتين كبيرتين: من جهة، كتلة أمريكا والدول الاستعمارية الكبرى، ومن جهة أخرى، كتلة ذات توجهات وطنية واشتراكية، موجودة في عدة منظمات، مثل المنظمة المذكورة، ومثل دول عدم الانحياز، وارتباط هذا باختطاف المهدي واغتياله، لا يمكن أن نتحدث عن “عشعاشيان” بل واحد فقط هو محمد العشعاشي. أما عبد الحق العشعاشي فهو ليس إلا آلة صماء لا تفكر، ولا يتعدى مستواه الدراسي الشهادة الابتدائية، وكان يمارس التعذيب بنفسه، وكل أفكاره تتماشى فعلا مع ما حاول الضيف أن يلصقه بالمهدي على أنه عميل للجزائر ومصر.
لكن محمد العشعاشي رجل آخر، رجل تخطيط وسياسة، ورجل تحضير لكل شروط التنفيذ بصبر وأناة، ووضع السيناريوهات الاستخباراتية الدقيقة، وهو من كان ينسق مع الاستخبارات الأجنبية المختلفة، التي كانت في صف الكتلة الأولى، وهو الرجل الأول في “الكاب1″، قبل حتى أوفقير، الذي لا يتمتع بالأفق التنظيمي والدقة فيه مثل الأول.
لهذا فإن وصف المهدي بالعمالة للجزائر ليس إلا ترديدا لكلام أخيه عبد الحق العشعاشي، الذي لا يعتد به، لأنه كلام يجري به العمل داخل الكاب في ذلك الوقت، ففي الوقت الذي ترك الأول بصماته الاستخباراتية في التخطيط والتنفيذ ترك الثاني بصماته في التلفيق والإشاعة.
الصحراء الشرقية للمغرب كانت موضوع صراع خفي وعلني بين الجزائر والمغرب قبل استقلال الأولى، وبعد استقلالها، ما هو وضعها باتفاقية 1972؟ لقد صرح المهدي مرارا في المغرب وفي الخارج على أن الخلاف يجب أن يحل في إطار التكامل، وأن يتم ذلك في إطار الاستغلال المشترك بين البلدين لثروات تلك المنطقة، أي شيء يدل على العمالة هنا؟ الاتفاقية في كل بنودها هي انتصار كامل للجزائر وليس للمغرب .
وإذا تأملنا قليلا في طبيعة الحشد الكبير الذي جند لاختطاف رجل سياسي واحد غير مسلح، ومن على أرض أجنبية، لنعرف من هو العميل ومن هو الوطني، سنجد أن فريق “الكاب1” كان معززا بالاستخبارات الفرنسية والأمريكية والإسرائيلية، وبمرتزقة من أصحاب الجريمة المنظمة على المستوى الدولي، فمن هو العميل هنا؟
إذا تمعنا في الظرف السياسي سنجد أن الظرف كان يهيمن عليه السعي لعقد مؤتمر المنظمة الأفروأسيوية.. التي كان المهدي محركها الأساسي، وكانت وراء استقلال العديد من الدول التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار، فمن العميل؟ من يوجد في صف الشعوب أم من يوجد في صف الاستخبارات الاستعمارية التي تتآمر على الشعوب؟
لا يجب أن يخدش أحد في شخص آخر من قناة القرابة العائلية، ومن يفعل ذلك ليس إلا من طينة عبد الحق العشعاشي، الذي لا يفقه شيئا لا في الفكر ولا في السياسة، لكن بالمقابل لا يصح ترديد أفكار موروثة عن حقد، عفا عنها الزمن وكأنها منزلة.