الغرائبي في رواية “سرداب قصر البارون” ومراجع السرد وأبعاده

عبد النبي بزاز
لعل أول ما يثير القارئ لرواية “سرداب قصر البارون” للروائية المصرية مروى جوهر هو تشعب الأحداث وتشابك خيوطها اعتمادا على شخوص أساسيين سيروا دفة الوقائع، وساهموا في رسم مسار سيرورتها من خلال حضورهم الفعال والمؤثر في جل فصولها، التي حملت أسماء الشخصيات الرئيسية ابتداء من الفصل الأول “رامي إسحاق”، مرورا بـ “محمد النحاس” والد رامي، و”رنا إسحاق” أخته، و”حازم جمال” وزوجته “إسراء سمك”، و”ماريز خياط”، و”خالد الشافعي”، و”بترا صادق”، و”نزار خياط”، بالإضافة إلى شخصيات لم تذكر في عناوين الفصول وإن كانت ذات حضور متفاوت في نسيج الرواية؛ مثل كارول خليفة زوجة نزار خياط، وشريف زوج ماريز المتوفى، وكلير إداورد والدة رامي وزوجة إسحاق محمد النحاس، والتي توفيت أيضا، وصباح الممرضة التي كانت ترعى رفقة الدكتور خالد إسحاق محمد أثناء مرضه، والمنظفة أم رحمة، فضلا عن آخرين تم ذكرهم كأبناء وبنات الشخصيات المحورية. أما الأماكن الواردة في الرواية يبقى قصر البارون أبرزها حيث احتضن الوقائع التي انبنت عليها والمرتبطة أساسا بمشروع التصوير الخاص بالميتافيرس الذي خطط له رامي بعد أن قرر العودة من أمريكا إلى بلده مصر مبرزا ذلك في قوله: “لكنني الآن مللت التحكم والروتين في حياتي ، ربما مللت العيش وحيدا في مدينة واسعة قاسية، ومللت أيضا عملي في شركة يتمنى الملايين العمل بها، مللت أن أكون عبدا لوظيفة، فقررت الرجوع لمصر… “ص 8، فاقترح مشروعه على حازم ونزار اللذين لهما تخصصان يفيدان المشروع: منتج، ومدير تصوير؛ بينما رامي ُمطَوِّر برامج حسب تأكيده لذلك: “مطور برامج، ومنتج، ومدير تصوير، خلطة سحرية نقدر نعمل من وراها شغل حلو.. ” ص36، ليستقطب باقي الشخصيات كإسراء زوجة حازم التي تحمست للمشروع كما عبرت عن ذلك: “علمت عرض رامي وتحمست له مثل حازم ونزار… أنا سعيدة بعرض رامي سيكون مشروعا مذهلا، وسوف أساعدهم بقائمة طويلة من الأماكن المقترحة للتصوير، بل إنني أتوق إلى حضور التصوير معهم” ص43، ورغم ما أبدته الشخصيات الأساسية في مشروع رامي الخاص بالميتافيرس من رغبة وحماس إلا أن وقائع التصوير داخل قصر البارون شهدت أحداثا غريبة كتلك التي أحاطت بإسراء التي عاشت ظروفا مأساوية أثرت على حالتها النفسية والجسدية بداية من هبوطها من السلم الخشبي بملابس غريبة: “تهبط ببطء على السلم مرتدية ملابس غريبة!…” ص 85، وما انتاب محيطها من توجس وهلع خصوصا زوجها حازم: “كان هاتف إسراء مغلقا وبقيت أبحث عنها كالمجنون، لم يكن لها أثر في القصر كله …” ص 89، وما يحف بمحيط القصر من أمور غريبة ومقلقة : “وبدأت أتذكر ما سمعته في طفولتي عن القصر ولعنته… ” ص 89، وبحث حازم عنها وما شابه من حيرة وقلق ووساوس، وما وصلت إليه حالتها من غرابة كما جاء على لسان خالد: “يا جماعة إسراء شكلها غريب…” ص93، وما بدر عنها من جرأة لا تخلو من وقاحة إزاء إسحاق محمد: “إلى أن أصبح وجهها في مقابل وجهي واختلطت أنفاسي الخائفة بأنفاسها الشيطانية… ثم ضحكت وهي ترجع برأسها إلى الوراء بسخرية قالت: ـ مش الصالون بس اللي قديم ، لسه كل حاجتك قديمة حتى عقلك .” ص 97،دون مراعاة واعتبار سنه وحالته الصحية، لتنتقل إلى خالد وصباح وأمارات الغدر بادية على محياها بينما انتابت صباح حالة من الذعر والهلع: “حينها التفتت إسراء لهما وفي عينيها الغدر وبدأت تقترب منهما… ونظرات الخوف تزداد عند صباح… ” ص 97، وغدت غريبة بشكل لا يصدق من خلال تصرفات خارقة: “نظرت إسراء إلى إضاءة بالمكان فانطفئت على الفور، ساد الظلام وجلجلت ضحكات شيطانية سرعان ما توقفت، بعدها شاهدت الشموع المنطفئة في الشمعدان الفضي تشتعل الواحدة وراء الأخرى من تلقاء نفسها!” ص98، لتتحول عدوانيتها إلى إسحاق محمد متجسدة في حركات عنف تنم عن كره عارم: “كانت إسراء أمامي مباشرة! أحكمت قبضة يدها حول رقبتي وعيناها تلمعان وتتفحصان أوردتي التي تكاد أن تنفجر ثم قالت: ـ فين الأمانة اللي بقا لها سنين معاك؟” ص99 ، مما أثر عليه كما عبر عن ذلك: ” جحظت عيناي وسعلت بشدة… كنت أعلم أن هذه الشيطانة ستفعل أي شيء من أجل فتح ما أغلق في الماضي وحافظت أنا عليه لعقود…” ص99، وسرعان ما طرأ تحول لافت على حالتها التي طوقها الذهول، وأحاطت بها مظاهر الغرابة والعجب: “وفجأة انطفأت شموع الشمعدان وأضيئت أنوار الشقة، ورأيت إسراء تتغير ملامحها أمامي وتنظر لي في حيرة وتنظر نحو القصر مذهولة، ثم تنظر داخل الشقة وتقول : ـ أونكل إسحاق !إيه اللي وقعك كده؟!” ص 99، وما تبع ذلك من حيرة وارتباك لدى إسراء التي لم تعد تدرك شيئا عن وضعها: “هو أنا جيت هنا إزاي؟!! انا مش فاكرة إني جيت! بقا لي كثير هنا؟!” ص100، لتغادر المكان على عجل مخلفة قناعة لدى إسحاق عن قوة غيبية تسكن إسراء، وتتحكم فيها بغرض تحقيق أهدافها كما عبر عن ذلك: “حينها علمت أن هذه الشيطانة لن تتركنا أبدا، وستستخدم إسراء حتى تنال غرضها مني ، أو تقتلها ، وأنا لن أدعها تفعل ذلك … ” ص 100، ليستمر حال إسراء محفوفا بوقائع غريبة ؛ بحيث صادفت امرأة أمرتها أن تتبعها وسرعان ما اختفت: “وحينها لمحت امرأة أمامي على بعد أمتار، أدرت الشمعة باتجاهها فإذا بي أرى وجهها مألوفا، وكانت ترتدي فستانا أحمر وقبعة سوداء مائلة على نصف وجهها وقفازا أسود طويلا، تمسك بسيجار وتنفث دخانه لأعلى ، نظرت إلي وأشارت بطرف إصبعها أن أتبعها … أسرعت الخطا وراءها كي ألحق بها ، لكن خطواتها كانت سريعة وكأنها تطير، بعد برهة بدأت ألهث فوقفت ألتقط أنفاسي… ” ص 111، ورغم ذلك فهي ترغب في معرفة المزيد من أسرار القصر تحت ضغط طرفاه واقع مثقل بزخم من فضول، وأحلام جللتها أحداث غريبة ومرعبة: “بالرغم من التعب لكن فضولي لم يفتر تجاه القصر، أريد أن أعرف أكثر عنه، والحقيقة أن منذ بدء التصوير فيه كان تأثيره قويا علينا . أحلامي العجيبة لا تنقطع … ” ص113، لحظات عصيبة عاشتها إسراء بين الحلم واليقظة، الواقع والخيال ؛ مثل ما حدث لها في الحمام : ” وهنا هممت أن أغادر الحمام لكني رأيت شموعا تضاء من تلقاء نفسها على رخامة الحمام!… ورأيتها تقف أمام المرآة وتنظر لي من خلالها على ضوء الشموع، إنها هي المرأة التي تبعتها في سرداب أحلامي! بفستانها الأحمر القديم الطراز وقبعتها السوداء وسيجارها المشتعل، لا بد أني احلم الآن.” ص 121، حلم يناوشها، يتربص بها، يسطو على مشاعرها وذهنها حين تتلبسها المرأة التي تطاردها وتتعقبها وتصادفها في ردهات القصر وجنباته: “أخذت السيدة تقترب مني بخطوات ثقيلة، وتنفث دخان سيجارها للأعلى كما كانت في الحلم! تجمدت وانكمشت في مكاني، لكنها عندما اقتربت وأصبحت أمامي مباشرة شعرت أنها تسيطر علي، فلا أستطيع الهروب بجسدي ولا يستطيع لساني الصراخ!… وأصبحت تحت تأثير قوة خارجية، وبدأت أقلد حركاتها رغما عني… كانت تختبرني فلما تأكدت من طاعتي وانكساري، وقفت داخل البانيو وظلت تضرب رأسها في الحائط وفعلت مثلها تماما… أنقذني حازم عندما لاحظ أني بقيت أكثر من ساعتين بداخل الحمام… فتح باب الحمام… أصابه الذعر لما رآني أستحم بدمي حيث تحول لون المياه إلى اللون الأحمر، وأنا لا أتوقف عن ضرب رأسي!” ص122، مما جعله وضعيتها تزداد تدهورا وتعقيدا كما أشار إلى ذلك خالد الشافعي: “إن إسراء ربما أصابتها لوثة عقلية؛ إذ أن كل فحوصاتها الطبية تؤكد سلامتها… ” ص123، الشيء الذي أثر سلبا على زوجها حازم وعلى حالته النفسية: “لكن حازم لم يتعاف نفسيا من آثار ما رآه يقول إنه لم ير زوجته بهذه الحالة قط، ويراوده هاجس أن كل ما حدث بسبب القصر!” ص123، ولم تزدد حالتها سوى ترد يا: “كانت إسراء تبدو مرهقة غير متزنة وترتدي ملابس قديمة على غير عادتها! وقد فقدت وزنا كافيا لتبدو نحيفة جدا…” ص127، قبل أن تلفها نوبة هستيرية نتج عنها بكاء وصرخات قوية، وغير مفهومة: “ثم سمعنا صوت إسراء يأتي من حجرة الصالون تبكي وتصرخ وكأنها تتحدث مع أحد… ثم صرخت صرخة عظيمة وتوقف الصوت!” ص 133، عويل تواصل مقرونا هذه المرة باستغاثة بزوجها: “ثم طرقت الباب من الداخل بعنف وهي تبكي بصوت عال وتستغيث بزوجها!” ص135، فاتسعت دائرة وضعها المتردي والمأزوم في غرابة حركاته وأفعاله ليشمل ماريز التي وصفت ذلك قائلة: “أمسكت إسراء بيدي عند بلوغي أول درجات السلم الخشبي، وأصبحنا وجها في مقابل وجه… تركت رأسي وأشارت أن أتبعها، فعلت وكأني أسيرة لا تملك لنفسها شيئا… وأنا أهرول خلفها ولا أكاد ألحق بها، كانت تضحك ضحكات ماجنة وأنا أنادي عليها دون جدوى…” ص137، لتدرك ماريز تورطها في نفق يعمه الفزع والغرابة والغموض من خلا ل ما عن لها من مشاهد غريبة: “وظهر أناس ألوانهم مختلفة يرتدون أزياء خدم عتيقة، كل منهم يحمل صنوفا كثيرة من الطعام ومختلف الشراب وسمعت صوت الصحن الذي تغنيه إسراء يأتي من أغنية مسجلة… أخذت أعداد الخدم تتزايد من حولي يذهبون ويأتون…” ص138، وهي في حيرة مما رأت متسائلة هل هو حلم أم حقيقة: ” – هو أنا بحلم ولا كل ده بجد؟” ص139 ، لتزداد الأمور غرابة وتعقيدا حين تتحول ملامح السيدة إلى ملامح موتى: “وتبدلت ملامحها إلى ملامح الموتى… ” ص140، وهو ما حل بوجه إسراء: “وأنا أرى وجهها يتحول إلى وجه إسراء من جديد!” ص 141، لينضاف إلى نفس الدوامة مرة أخرى حازم الذي يتحدث عن إسراء وماريز: “في غرفة البارون كانت إسراء ترقد على الأرض فاقدة الوعي تنزف من فمها وأنفها، وأمامها ماريز تصرخ بهيستيريا… كانت في حالة صحية مزرية… “ص 143، مرعوبا من منظر إسراء في الحمام: “أغلقت النور وذهبت إلى الحمام مرة أخرى، وعندما فتحت الباب كانت إسراء تقف أمام المرآة تنظر إلى نفسها وهي تدخن سيجار وتبتسم! ترتدي فستانا أحمر ضيقا وقبعة سوداء وحذاء أسود كعبه عال… تسمرت في مكاني وأنا أنظر إليها واجما! هي ليست ظلا ولا خيالا إنها حقيقة تماما…” ص146، وتتوالى معاناته من وضعها، وتتسع دائرتها فيحاصر داخل مأزق مرعب وغريب: “حينها سمعت صرخات إسراء تأتي بوضوح من غرفة النوم وعلت ضحكات المرأة أمامي، وبالتوازي اختلط الصراخ بالضحك وبت في حالة لم أكن لأتخيلها في يوم من الأيام! بعد ثوان من الحيرة والذهول هرعت إلى إسراء في غرفة النوم، أضأت النور فوجدتها تصرخ كأنها تختنق وتشير باتجاه الحمام، استطعت تهدئتها قدر استطاعتي…. لقد انتقلت لعنة القصر إلى بيتي وتمكنت من زوجتي… ” ص147، حالة ظلت مسترسلة تختزلها تصرفات نابية طورا، ووقحة تارة تفتقر لأدنى شروط اللياقة واللباقة كما حصل لها مع الدكتور إسحاق: “حينها نظرت إسراء لدكتور إسحاق للحظات ثم ابتسمت وبدأت تضحك ضحكات ماجنة، علا صوتها تدريجيا ثم قامت ومالت برأسها وهي تنظر في عينيه وتقول: ــ حل عقيم وتفكير عاجز زيك.” ص 154، فتدخل في حالة من فقدان الوعي: “ثم ارتعشت يدها وعيناها تغور للداخل ووقعت على المكتب فاقدة للوعي، أمسك بها حازم وأجلسها على الكرسي والجميع مذهول…” ص 154، ليختلط صوتها بترانيم تنبعث من أرجاء القصر: “وصوت إسراء يتضح ويقترب، وسط الصمت الذي لم يقطعه إلا صوت الترانيم التي كانت تعلو تدريجيا…” ص 164، والذي يحتضن أسرارا محيرة ومرعبة رغم جمالية تصميمه، وروعة هندسته: “فهو مصمم على الطراز الهندي، كسيت أرضيته وجدرانه بالرخام الإيطالي الفخم، وزينت القاعة بعدد من التماثيل… ” ص81، كما تحدثت عن ذلك ماريز: “ثم هذا القصر الذي قضيت أغلب سنوات عمري أمامه، أسمع الكثير من الأساطير ولا أصدقها، ثم يجيء اليوم الذي لا يكون لدي اختيار إلا تصديق هذه الأساطير خلال تجربتي الشخصية!” ص 195، وأيضا إسحاق الذي قال: “لن تكف الأرواح في “قصر البارون” الغامض عن الظهور، إن مهمتها الأساسية هي التواصل من أجل هدف محدد… ” ص 200، موضوع استأثر بتفكير واهتمام أفراد المجموعة المكلفة بالتصوير داخل فضائه مما خلق جدلا ونقاشا بينهم مثل تساؤل حازم : “والأصوات والحاجات الغريبة التي كانت بتحصل في القصر؟ ” ص74، وموقف رامي الذي، رغم ما أثاره تساؤله وتعجبه، ظل متحفظا: “لقد مر يومان على أول يوم تصوير في قصر البارون يومان من التفكير والتعجب وكثير من علامات الاستفهام، والأحداث غير المنطقية… ” ص103، رغم ما سمعه من والده إسحاق، والذي لم يقده إلى التصديق والاقتناع كما ورد في كلامه: “ثم إني في قرارة نفسي غير مقتنع بكثير مما سمعته في طفولتي من دكتور إسحاق عن القصر، ولم أكن أومن بالماورائيات بالأساس، ثم إن الحكايات الموروثة حفرت في العقول الكثير من الأساطير عن القصر… ” ص105، عكس دكتور إسحاق الذي كان مقتنعا باحتضان القصر لحكايات لا تخلو من الغرابة والعجب حيث تحدث عن ذلك لرامي قائلا : “أنا بس عايزك تخلي بالك على نفسك، عادة الأماكن الأثرية بيبقى وراها حكايات كثير بالذات البارون. ” ص109، إلا أنه عجز عن إقناعه بذلك، وهو ما اتضح من خلال رد رامي: “مش معقول حضرتك مصدق بجد حكايات زمان؟” ص 109، مؤكدا ذلك في قوله: “عندما يصدق طبيب كبير مثل هذه الخرافات لابد أن أخاف على مستقبلي في مصر… ” ص 109، إلا أن قناعاته لم تصمد طويلا حين عاين ما مرت به إسراء من أحداث عندما دخلوا شقتها ففوجئوا بان الظل الأسود الضخم الذي رأوه في الشقة هو إسراء واللقطة المروعة التي تضع فيها السكين على رقبة صباح: “واكتشفنا أن الظل الأسود هو إسراء! بدت كالمجانين بشعر أشعث وعيون حمراء شيطانية جاحظة، تنظر إلينا… وتبتسم وبيدها سكين كبير تضعه على رقبة صباح من الأمام!” ص 183، بعد حكاية والد رامي إسحاق عما يخفيه القصر من أسرار لا تصدق كالترنيمات والأصوات المنبعثة من أرجائه، والأفراد الذين يظهرون من حين لآخر بين جنباته مثل “هيلانة”. تحدثت أخته رنا عن علاقة رامي بوالده والتي كانت في بدايتها سيئة: “كان أبي يقسو على رامي منذ طفولته كثيرا… حتى إنه كان يوبخه بشدة عند أي غلطة، الأمر الذي باعد بينهما وأحدث فجوة في العلاقة لم تقدر على معالجتها الأيام …” ص28، وزاد من تعميق شرخ هذه العلاقة رفض رامي مقترح والده المتمثل في دراسة الهندسة المعمارية واتجه لدراسة التكنولوجيا بأمريكا إلا أن هذه العلاقة، مع مرور الوقت وتعاقب الأحداث ، تحسنت واتخذت منحى مغايرا يقوم على الود والمحبة كما يتضح من خلال ما قام به رامي: “هرعنا إلى غرفة أبي ، وحمدت الله لما رأيت عينيه تنظران إلي في وهن، قبلت يده ورأسه ورجوته أن يفيق ويقوم معي إلى البيت، شعرت أن كل أحلامي وطموحاتي ، وأموالي وكل حياتي لا تساوي أن يرحل أبي وبيننا خصام … ” ص177، وتعددت علاقات رامي كعلاقته بماريز التي خذلها في البداية كما ورد في قوله: “وإصرارها على خطبتنا لحين مجيء الوقت المناسب للزواج، وإصراري على الهروب منها بنذالة لا أحسد عليها… سافرت وتركتها تتزوج برجل آخر، كنت ضعيفا وخائفا من المسؤولية… ” ص16، ظنا منه بأنه سينساها إلا أنها ظلت تسكن ذاكرته ووجدانه مما ولد لديه غيرة قوية بعد أن تزوجت ونجحت في حياتها الزوجية: “وظننت أنني سأنساها بمرور الأيام، لكن هذا لم يحدث أبدا… كانت حريصة على إنجاح زواجها ونجحت بجدارة، فأكلتني الغيرة وتوقفت عمدا عن تتبع أخبارها… ” ص16، ورغم ذلك لم تنفد، ولم تنضب مجاري العشق التي كانت تجمعهما، خصوصا بعد وفاة زوجها شريف، كما صرح بذلك خالد: ” رامي.. ماريز لسه بتحبك.” ص 129، هذا الحب الذي اخترقته غيرة بترا التي كان لديها انجذاب عاطفي تجاه رامي حين استشعرت احتفاظه بعشقه لماريز: “دخلت ماريز في كامل أناقتها … وتبدل حال رامي وكأنه نجح في الامتحان، وجاهد بترا لتتجاهل غيرتها…” ص 115، غيرة لم يسلم منها خالد الذي أحب ماريز التي لم تبادله نفس الحب الذي منحته لرامي مما جعلهما محط انتقاده ووصفهما بالغباء : ” عالم كنت أتمنى لو تكون ماريز رفيقة فيه ، لكنها تحب رامي الذي تركها لرجل آخر وهرب ، غبية أخرى تحب جبانا … ” ص225، وتعاطي نزار للمخدرات : ص،” تيقنت حينها من سيطرة المخدرات على نزار … ” ص13، و إن لم يصل إلى مرحلة الإدمان رغم عودته لتعاطيها : ” ومع ذلك أعتقد أنه لم ينته عن تعاطي المخدرات ولا أعلم لماذا عاد إليها بعد كل هذه السنوات !” ص 126،واقتناعه في الأخير من علاج يخلصه من الرجوع لتعاطيها : ” – أنا من بكرة هبدأ علاج في مصحة ، لازم أساعد نفسي …” ص236، وعلاقة الممرضة صباح بالدكتور خالد التي جمعتهما في التكفل برعاية الدكتور إسحاق وعلاجه ، وما كانت تخفيه من مشاعر عشق لخالد ، والتي تم تصريفها في حركات وإشارات: ” نظرات صباح لخالد كانت مفهومة وبدت مرتبكة إلى حد كبير … ” ص 114، ورغم عدم مبادلتها نفس الشعور إلا أنه ، ولأسباب ظلت غامضة وغير مفصح عنها ، قرر خطبتها كما صرح بذلك لرامي : ” ــ أنا مستني دكتور إسحاق يقوم بالسلامة هقوله خبر يفرحه ، عارف إن مش وقته بس عايزك أول واحد يعرف ، ومتقولش لحد .. أنا هخطب صباح .” ص 176، إلا إن نهايتها كانت مأساوية بعد ما، وبشكل مفاجئ وغير متوقع، خانت الدكتور إسحاق وسلمت خريطة السرداب التي تصل القصر بالكنيسة للسائحتين ناثان وجوليا بإيعاز من بترا مقابل مبالغ مادية ؛ ولم يكن خبر خطبة خالد لها سوى جزءا من خطة مدروسة كما عبر عن ذلك : ” فأشعت أنني أنتوي خطبة صباح ،لمزيد من الاطمئنان، خاصة وأنني لاحظت نظرات دكتور إسحاق ورامي لي في وجود صباح .” ص 223، وأدى عدم قبول صباح خطة خالد ومؤامرته إلى تصفيتها: “كانت تمسك بهاتفها وتهددني وبهيستريا أخذت تضربني على وجهي ! لم أتمالك نفسي إلا وأنا أمسك بهاتفها وأضربها ضربات متتالية في رأسها، كان مقتلها صدمة حينها لكنني تجا وزتها … ” ص 224، رغم أنه كان ينوي منحها جزءا من المبلغ الذي سيتسلمه لكن خطته انكشفت وألقي عليه القبض من قبل الشرطة بعد أن شعر بخيانة السائحتين ناثان وجوليا حين حولا المبلغ المالي لحساب تبرا: ” وأخبرتنا الشرطة أنه تم القبض على خالد قبيل سفره بدقائق … ” ص226 ،كما تم إلقاء القبض على ناثان وجوليا وبحوزتهما الأوراق الخاصة بوصية البارون ، وخريطة السرداب التي حصلا عليها عن طريق خالد ، إلا أنها كانت مزورة لأن الدكتور إسحاق أحاط الأوراق الأصلية بسرية كبيرة ووضع بدلها في الخزينة أوراقا مزورة.
وفي إطار ما عرفته الرواية من أحداث تميزت بالتداخل والتشابك نقف عند ما قاله دكتور إسحاق بخصوص الاعتقاد الراسخ لدى خالد من استغلال بحث والده من طرف إسحاق الذي نسبه لنفسه إلا أنه ، أي دكتور إسحاق ، نفى ذلك موضحا: ” إستأذنته في إكمال البحث، وفعلا عدلت فيه كثير وكملته بنسبة كبيرة … ولما كتبت اسمي عليه زعل، وعرفت بعدها للأسف إنه بيقول لزملائنا إني سرقت أبحاثه!… إن بداية البحث تمت على إيده لكن هو كان بيسمع ا للي عايز يسمعه بس ” ص 235 ، مما حذا بدكتور خالد للانتقام لوالده ، وما تبع ذلك من اعتقال بعد فشل خطته . كما تغيرت رؤية رامي للقصر ، وما يشهده من أحداث غريبة يعجز العلم عن تفسيرها: “وبعد كل ما مررت به لم أعد أشكك في تجارب الآخرين بعد أن مررت بتجربتي في القصر ، لم يفسر العلم كل الغرائب في الدنيا إلى الآن رغم ثورة التكنولوجيا الهائلة … ” ص236، وقد آلت الأحداث إلى نهاية مفعمة بالبهجة والغبطة بحيث عاد ت إسراء لحالتها الطبيعية : ” كانت إسراء استعادت نضارتها إلى حد كبير ورأيتها مثلما أول مرة ، تمزح وتتنمر علينا وتضحك ، عجيب أنها لا تذكر الكثير مما حدث لها!” ص 232، وإقرار رامي إيمانه بقضاء القدر في تغيير بارز لقناعاته الوجودية، وعودته إلى ماريز لتجديد علاقة أصابها الركود والجفاء لفترات: ” بت مؤمنا بترتيبات القدر ، ومؤمنا بأهمية الوقت المناسب لكل شيء في الحياة ، كان هذا وقتي المناسب للعودة إلى ماريز، التي أنظر إليها وأشعر أنها جزء مني ولا أدري هل حقا أستطيع إسعادها؟” 237.
فرواية “سرداب قصر البارون” غنية بأحداثها، وشخصياتها، وموضوعاتها التي ما فتئت تربط خيوطا، وتثبت أواصر شبكة متشعبة الوقائع، متعددة الأبعاد مما تعمد إليه من خلفيات تاريخية، وما تتوسل به من خوارق تنهل من موضوع الفانتازيا في رسم أشكال وأبعاد أحداثها ووقائعها مما يُصَعِّب الخوض في تركيبة بنائها، و طبيعة مكوناتها، وتفكيك عناصرها الموسومة بالتداخل والتقاطع والتماهي من خلال قراءة لا تلم بكل جوانب الاستيفاء، ولا تمتلك ما يكفي من أدوات الاستفاضة والتمحيص.
___________________________________________
سرداب قصر البارون ـــ مروى جوهر (رواية)- دار دَوِّنْ- القاهرة مصر2024 .