المجتمع المدني والانتخابات

المجتمع المدني والانتخابات

فجري الهاشمي 

لا يمكن أن توقع مشاركة واسعة في الانتخابات المقبلة، من دون أن تحدث وتتغير أمور كثيرة. والغريب أنه في الوقت الذي يبدو  فيه أن وزارة الداخلية ساعية إلى طمأنة الجميع بحسمها في أمرين: أولًا، منع الفاسدين من الترشح – بما يتوفر لديها من معلومات بشأنهم.. وثانيًا، منع العمال والمسؤولين في الإدارة الترابية من المشاركة في أي أنشطة وزارية، ضمانًا لحيادية الإدارة في العملية الانتخابية…

في المقابل، لم نسمع بأي عمل مشترك بين الأحزاب التي “تضع على رأس أولوياتها السياسية” موضوع “محاربة الفساد والمفسدين”. وكان من المفترض أن تجتمع هاته الأحزاب هنا والآن، من أجل التوافق على وثيقة واحدة. ولا يتعلق الأمر بتحالف انتخابوي مرحلي، بقدر ما هو تعاقد سياسي مبدئي، بالإمكان أن تبلوره تلك المذكرة وتلتزم به، ما دام “تخليق الحياة السياسية” أصبح أمرًا ملحًا ومطلوبًا أكثر من أي وقت مضى. لكن ما نراه هو أن  لا شيء من هذا وذاك حصل.

سوف يكون على وزارة الداخلية أن تتسلم مذكرات أكثر من اثنين وثلاثين حزبا، وحتى لو رفضت الأحزاب الممثلة في البرلمان ترشيح بعض الشخصيات وأبعدتهم، فإن هناك “دكاكين” أخرى معروفة، تصل جاهزة مع اقتراب موعد الانتخابات للمتجارة والتلاعب في “سوق التزكيات”، أليست هي موجودة أساسًا لهذا الشأن والغرض..؟!

 لذا، سيُعتمد على يقظة وزارة الداخلية، طالما أن أكثر من عشرين حزبًا لم يكن لها دور أو حضور طوال الولاية التشريعية. لكنها سيفتح أبواب مقراتها المغلقة منذ الحملة الانتخابية السابقة.

من الواضح أن المشكلة ليست في الفاسدين، بل هي في الأحزاب التي تسعى لبيعهم التأييد، وتمكينهم مما يسمى “التزكية”. وهكذا، فبعد أن استفادت منهم الإدارة الترابية في لعبتها القديمة، نجدهم اليوم قد أصبحوا عبئًا عليها، بتقويضهم للعملية الانتخابية.

وما دام مطلب إنشاء هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات، كما ورد في مذكرة حزب اليسار الاشتراكي الموحد، يعد مطلبًا بعيد المنال، فقد أصبح تحريك وتحفيز المجتمع المدني أمرًا بالغ الضرورة.

 يتطلب ذلك خلق تجربة جديدة، يُشارك فيها المجتمع المدني بفعالية كبيرة، من أجل ضمان نجاح جهود مكافحة الفساد. وهو ما يتطلب تعبئة  المجتمع للقيام بهذا الدور.

إنه أمر يستدعي بل ويستوجب الاحتياط الكبير في اختيار الجمعيات المشاركة والمؤسسة للنهوض بهذا المسعى، بأن تكون جمعيات معروفة ومستقلة وجادة، إن الجميع بات يعلم بأن عدد الجمعيات في المغرب تجاوز أكثر من  130 ألف جمعية، معظمها أسس من قِبل مستشارين وأعضاء ورؤساء في المجالس المحلية، ونواب من البرلمان، وذلك لأهداف واضحة ولأغراض انتخابية بحتة.

لذا، ينبغي توخي الحذر عند القيام بهذه المبادرة (مبادرة الجمعيات التي ستؤسَس المجموعة “الكوليكتيف”).

ثانيًا، تُعطي المجموعة أولويةً لتقديم طعون ضد المرشحين ذوي السوابق في الفساد المالي والأخلاقي. وبطبيعة الحال، يجب أن يمتلك هذا “الكوليكتيف” معلومات كافية وبيانات مُوثَّقة ومُوثَّقة.

يبقى على محامي التجمع التركيز على جهة محددة تُرفع إليها الطعون. هذه المرة، لفتح جبهة جديدة، بإشراك المجتمع المدني في المجهود المرتبط بحماية نزاهة العملية الانتخابية. ويمكن لـ “الكوليكتيف” أن يُعطي لنفسه دورًا آخر بهذا الصدد، وسيكون للجمعيات المعنية بحماية المال العام تأثيرٌ كبير في هذا الشأن. بالنظر إلى الملفات الكثيرة التي تراكمت لديها عن الفساد والفاسدين، وفي هذا الصدد تمكن الإشارة إلى الجمعية التي يرأسها السيد محمد الغلوسي.

شارك هذا الموضوع

فجري الهاشمي

ناشط سياسي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!