المسألة الديمقراطية والتواجد السياسي في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان

رضوان التيجاني الإبراهيمي
1-
“الكولسة” بمعنى المفاوضات والاتفاقات بين المكونات السياسية، قبل أو بموازاة المؤتمر، والتي تثار وكأنها اكتشاف خطير ومفاجئ، ليست أمرا جديدا ولا يخص الجمعية وحدها بل نجده في كل التنظيمات المدنية حيث تتواجد الأحزاب، لا في الماضي ولا في الحاضر. وهذه الاتفاقات لا تضر – في رأيي – بالاستقلالية وبالديمقراطية إلا إذا كانت معيقا لتواجد المستقلين المؤهلين بالأجهزة، أو لتطبيق مساطر تنظيمية وانتخابية أكثر ديمقراطية؛
2-
عندما يحتج مكون سياسي على عدم تواجده أو ضعف تواجده بما يناسبه – من وجهة نظره – في أجهزة الجمعية، فعليه أن لا يشتكي برفع شعار الاستقلالية، لأنه من جهة يندد من داخل منطق الكوطة وتوزيع المقاعد على المكونات السياسية، ولا يحتج إلا على كم المقاعد ومستوى “التمثيلية” في الأجهزة، لا على طبيعة المساطر المتبعة منذ زمن بعيد. ومن جهة ثانية لأن مبادئ وقوانين وتنظيم الجمعية لا يعترفون أصلا إلا بالعضوية الفردية التي تتأسس عليها الهيكلة، وليس هناك أي شكل للتواجد التنظيمي لهذه التنظيمات أو للوائح الحزبية. بل إن هذا الاحتجاج يمكن أن يكون مناقضا لكل مبادئ الجمعية عندما تتم المطالبة بالتواجد داخل الأجهزة، لأنه مكون سياسي، أو بدعوى”الشرعية التاريخية” على حساب أحقية المناضلات والمناضلين الفاعلين في الجمعية على مستوى الفروع؛
3 –
طموح وعمل كل المكونات السياسية على التواجد الوازن والتأثير في ومن خلال أجهزة جمعية من حجم AMDH التي يحسب لها الحساب بنضالاتها المؤثرة ومصداقيتها وموقعها في المجتمع وفي حلبة الصراع المدني، فكرة وممارسة مشروعة، ولكن على أساس أن يكون ذلك تتويجا لعمل وفعالية مناضلات ومناضلي كل مكون على مختلف واجهات عمل ونضال الجمعية على مدى سنوات، وليس مكتسبا في مفاوضات آخر اللحظات. إن هذه الممارسات تشكل ضربا وخرقا لصميم المبادئ التي تصرح كل المكونات أن تحصينها وتقويتها من أكبر رهانات وأهداف تواجدها، دون الاكتراث لأحقية المستقلين والمستقلات على تحمل المسؤولية بحظوظ متساوية ومتكافئة؛
4 –
ما هو وضع المستقلين والمستقلات في هياكل الجمعية؟
يمكن لأي متتبع من داخل الجمعية أو حتى من خارجها أن ينتبه إلى المفارقة التالية: الأغلبية الساحقة من أعضاء وعضوات الجمعية من المستقلين والمستقلات ولكن نسبتهم تتضاءل بشكل مضطرد في هياكل الجمعية، صعودا من المحلي إلى الوطني مرورا بالجهوي، لنجد أن أغلبية اللجن الإدارية من المنتمين وهؤلاء يمثلون الأغلبية الساحقة من المكاتب المركزية. فكيف يمكن تفسير ذلك؟ الحالة الوحيدة التي سيكون فيها الجواب مقنعا هو الشهادة والتأكيد أن المنتمين أكثر كفاءة وفعالية وتكوينا حقوقيا من المستقلين لذلك تنقلب الغلبة. ولكن للأسف الجواب غير مقنع إلا نسبيا ولا يمكن أن يجيب على النسبة الضئيلة للمستقلين والمستقلات في الأجهزة الوطنية وخاصة عندما نقف على جهل بعض “ممثلي” المكونات في هذه الأجهزة بمضامين المواثيق الدولية لحقوق الإنسان و أبجديات العمل الحقوقي. لينتبه المستقل أو المستقلة أن ما ينقصه أو تنقصها هو بالضبط ذلك التميز بالانتماء لأحد المكونات التي تستطيع تثبيت أعضائها وعضواتها في الأجهزة لتحصين تواجدها وليس مبادئ الجمعية؛
5-
ألا يمكن أبدع مما ترسخ تنظيميا منذ عقود؟ ليس من باب الصدفة أن اللجنتين اللتين تثيران الانتباه والنقاش أكثر وحتى الصراع أحيانا بخلاف باقي اللجان التي تهم كل المقررات والبرامج و الخطط، هما لجنة البيان العام ولجنة الترشيحات وإذا كان السبب بالنسبة للبيان العام هو المواقف المعبر عنها والتي لها صدى كبيرا يفوق وبتجاوز صدى بيانات المكونات نفسها. أما بالنسبة للجنة الترشيحات فلأنها تمكن من هندسة هياكل الجمعية بشكل توافقي بمعايير يتداخل فيها الحقوقي بالسياسي. وداخل هذه اللجنة تتمكن المكونات المعنية لأنها منظمة وقادرة على التفاوض، من الدفاع وضمان تواجدها في أجهزة الجمعية في حين أن المناضل المستقل أو المناضلة المستقلة فعليه/ها انتظار إمكانية دفاع أحد هذه المكونات عن تواجده/ها بعد دفاعه عن أعضائه وعضواته. فإذا كانت هناك كوطة لهذه المكونات فكيف يمكن تصور كوطة للمستقلين لا في اللجنة الإدارية ولا في المكتب المركزي. وهل استعمال الكوطة جائز ومقبول أصلا كآلية تنظيمية؟
6 –
في إطار النقاش الحالي حول رئاسة الجمعية، هل يمكن بجدية تصور ترشح مستقل أو مستقلة في أول اجتماع للمكتب المركزي المنبثق عن اللجنة الإدارية المنتخبة عن طريق لجنة الترشيحات إياها بعد أن يكون الرئيس/ة قد حسم في اختياره/ها ولا ينتظر إلا الإعلان عنه/ها رسميا وما زالت إمكانية ترؤس مناضل مستقل أو مناضلة مستقلة للجمعية مستبعدة لاعتبارات سياسية خالصة رغم وجود طاقات كبيرة ذات تكوين حقوقي عالي ومتمرسة جدا في العمل الحقوقي وذات مصداقية كبيرة اكتسبتها عبر سنين طويلة لا داخل الجمعية ولا وسط الحركة الحقوقية وطنيا ودوليا ولا مع الشركاء والإعلام والمتابعين ومختلف الهيآت.
في كل الحالات، فإذا كانت المكونات السياسية يهمها تحصين الجمعية فعليها التفكير الدائم والعمل على ضمان تواجد وفعل المستقلين في كل مستويات هياكل الجمعية لأن في ذلك تحصين وتفعيل لاستقلالية وجماهيرية وديمقراطية الجمعية.
هذه بعض الملاحظات التي أطرحها بوضوح تقديرا مني للجمعية العتيدة ولكل المناضلات والمناضلين داخلها. وهي ملاحظات تتوخى – ولو من خارج أجهزة الجمعية- تقوية هياكلها وتوطيد تجذرها ومناعتها وإشعاعها مما يمكنها أكثر من مواجهة كل أشكال التضييق والحصار.