المغرب – الجزائر: كثيرا من الثقة قليلا من الارتياب!

المغرب – الجزائر: كثيرا من الثقة قليلا من الارتياب!

الصادق بنعلال

         “أدعو أخي فخامة الرئيس عبد المجيد تبون، لحوار أخوي صادق، بين المغرب والجزائر، من أجل تجاوز الخلافات، وبناء علاقات جديدة، تقوم على الثقة، وروابط الأخوة وحسن الجوار”. الملك محمد السادس: 31-10-2025

1إن تبنّي مجلس الأمن الدولي القرارً الذي يؤكد أولوية مبادرة الحكم الذاتي، (عرضتها المملكة المغربية عام 2007)، يعد منعرجا مفصليا في مسار النزاع المفتعل حول الصحراء الذي استمر خمسين سنة. كما أن هذا الحدث الاستثنائي في تاريخ المغرب الحديث سيفضي لا محالة إلى ثورة تنموية فعلية، تعود بالنفع على ساكنة المنطقة المغاربية، المتعطشة لاستنبات المشاريع والأوراش الاقتصادية والاجتماعية لخلق فرص الشغل في مناخ من الاستقرار والسلام والعمل المشترك. إنه – حقا – حلم، لكنه يستحق منا كل التضحيات الإنسانية المشروعة لتجسيده على أرض الواقع الملموس. وما يدعم هذا الحلم هو إمكانية بل وجوب لقاء قمة بين الملك المغربي والرئيس الجزائري للتعاطي مع الوقائع من منظور واقعي عقلاني، يضمن الحفاظ على المصالح الحيوية لدول الجوار، خاصة وأن الحكم الذاتي في ظل السيادة المغربية الذي أقره مجلس الأمن، سيطوي عقودا من الصراع المغربي الجزائري ويفتح أبواب الأمل والصلح والحوار البناء.

2إن التكامل الشامل بين المغرب والجزائر بإمكانه أن يجعل المغرب العربي قطبا اقتصاديا وسياسيا قويا ينجو من الاضطرابات العصيبة، ويندفع بخطوات حثيثة في اتجاه النهضة التنموية الهيكلية. ومن الصواب عقد لقاء قمة بين زعيمي المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية، من أجل تدارس القضايا الثنائية الحساسة ذات الأولوية، ومختلف المواضيع الإقليمية والدولية التي تحظى باهتمام القطرين الفاعلين في الساحة الإقليمية والعالمية. على أن يكون ذلك وليد تخطيط بناء وجهود فعالة حثيثة من قبل حكماء ورجال الفكر والمعرفة من كلا البلدين، حيث يستغرقون فترات مديدة في التأمل والاستقراء العميق واستجلاء الحقائق؛ ويكون هاجسهم الأوحد، البحث الجدي عن الحلول الكفيلة بخدمة المصالح الاستراتيجية للبلدين الشقيقين، وتحقيق التقدم والرقي والتنمية، التي طالما كانت رغبة ملحة للمغاربيين جميعهم، منذ أن كانوا ينسقون فيما بينهم لدحر الاستعمار الأجنبي وبلورة عهد الحرية والاستقلال. وقد يدرك بجلاء أهل الخير والسداد في كلا الثغرين أن سنوات الضياع التي أمضيناها في الحرب الباردة، والتنافس غير الشريف حول زعامة مفترضة، ومماحكات بل جدوى، لم يجنوا منها سوى الهوان والضعة والضعف! وهدر ملايير الدولارات من مال الشعبين البريئين في اقتناء أسلحة “متطورة” وأخرى متقادمة فاقدة الصلاحية، توضع في مخازنها منتظرة مصير التلف والصدأ والتلاشي، والمستفيدون هم تجار الموت و“مبدعو” الحرائق شرقا وغربا.

 3 – وربما ينصت مسؤولو البلدين الجارين إلى صوت العقل، ولو لأول مرة في تاريخهم الحديث والمعاصر، ويقرروا انتهاج سبيل السلام والوئام والتضامن في أفق نهضة منشودة، عسى أن تشرق الشمس المغاربية، بعد عهود من الغيوم الداكنة والآفاق المكفهرة. وما من شك في أن  ما يجمع بين الجزائر والمغرب أكثر مما يفرق بينهما، لكن حرصا على التعاطي الإيجابي البناء مع القضايا الشائكة، يمكن حصر العناصر المؤرقة ذات الأسبقية بكيفية توافقية و توضع على طاولة المفاوضات الثنائية، دون تدخل أجنبي لا تهمه سوى مصالحه النفعية الضيقة منها: مسألة إعادة النظر في رسم الحدود الموروثة عن الاستعمار، والتي قد تنذر بمواجهات من العيار الثقيل إن لم توضع في ميزان المناقشة الأخوية الصادقة، بعيدا عن لغة الخشب والأساليب الدبلوماسية عديمة الفائدة – فتح الحدود البرية والبحرية والجوية لتنقل الأشخاص والبضائع والمصالح المادية المعطلة، وإلغاء نظام التأشيرة على مواطني البلدين لاستئناف الزيارات الأسرية والعائلية المجمدة عشرات السنين – تقصي البحث في قضايا الاتجار في المخدرات والسلاح والمواد الغذائية غير المراقبة، وموضوع الهجرة الذي أضحى مجالا سالبا ومؤثرا على أي إنجاز تنموي راجح – بعث روح الاتحاد المغاربي وزرع الحياة فيه مجددا، وضخ الدم في هياكله ومؤسساته المعطلة، لتدارك التأخر الحاصل، وإرضاء المواطنين الذين ينتظرون على أحر من الجمر ،العدل والكرامة والحرية والسلام

  4 – وإذا كانت قضية الصحراء عائقا فعليا في وجه الحلم المغاربي، ووحدة شعوب هذا الحيز الإستراتيجي الهام، فإنه من المفروض تجنب الإشارة إليها، وتركها بيد المنتظم الأممي المعني ببؤر الانفجار دوليا. وفي هذا المضمار على الطرف الجزائري بأن يتوقف عن مناصرة الانفصاليين المغاربة، ويمنع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة من أن تتدخل في الشؤون الخاصة بالمملكة المغربية، ويقبل المسؤولون الجزائريون أن يرفعوا أيديهم نهائيا عن مشكل الصحراء، باعتباره مشكلا داخليا بين المملكة المغربية وبين أبنائها من ذوي الميول الانفصالية، سينتهي بالتأكيد من منظور مغربي وحدوي. وفي المقابل على بعض المغاربة المتحمسين  أن يتوقفوا هم بدورهم عن التشهير بالجمهورية الجزائرية، وإظهارها بمظهر الشرير الذي لا يتقن سوى فن المؤامرات، ونسج الدسائس وزرع بذور الفتنة والشقاق في البلدان المغاربية، وإيقاف الحملات الإعلامية المغرضة، كما أنه يجتهد في أن يبذل كل ما يملك من قوة، لتقديم ما من شأنه أن يدخل السعادة إلى قلب الأشقاء الجزائريين، خاصة وأن الأقطار العربية و الدولية تشهد على متانة العلاقة القائمة بين الشعبين الجارين؛ القادرة على الصمود في وجه المنعطفات بالغة الخطورة، رغم أزمنة الجفاء والعداء المفروضين عليهما.

5ويرتقب من هذا اللقاء التاريخي بين زعيمي البلدين، أن تشهد المنطقة إنجاز مشاريع عملاقة في شتى الميادين الحيوية: مد الطرق السيارة والسكك الحديدية، وإقامة المعاهد العلمية والتكنولوجية عالية الجودة، وبناء المدارس والسدود والمستشفيات والملاعب الرياضية الرفيعة، واستغلال الطاقة الشمسية والهوائية، والإنجاز الجماعي للمفاعلات النووية ذات المنحى السلمي.. مما سيخلق الآلاف من مناصب الشغل ويطرد شبح البطالة المخيف، ويجعل بلدينا قبلة للسائحين من كل بقاع العالم، بفضل ما يتميزان به من موقع استراتيجي فريد، ومعالم طبيعية غناء وموارد بشرية وطبيعية نوعية. كل ذلك وغيره من أجل تجسيد الغاية الأسمى لمغرب الشعوب؛ مغرب العمل المشترك ورسم ملحمة الوحدة والتقدم والازدهار. وعلى أمل أن يتحقق هذا الحلم غير المستحيل، نتطلع إلى أن ينهج رجال الفكر والثقافة في كل من المغرب والجزائر وباقي الدول المغاربية الأخرى، سبيل النضج والتعقل وزرع بذور السلام والتضامن!

شارك هذا الموضوع

الصّادق بنعلّال

إطار تربوي – باحث في قضايا الفكر والسياسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!