بمناسبة الدورة الثانية لمهرجان بغداد السينمائي (1): ثمانون سنة على نشأة السينما العراقية

بمناسبة الدورة الثانية لمهرجان بغداد السينمائي (1): ثمانون سنة على نشأة السينما العراقية

رضا الأعرجي

           ونحن على مشارف انعقاد الدورة الثانية لمهرجان بغداد السينمائي، أود التوقف قليلاً عند بدايات السينما العراقية، وتسجيل بعض الاشارات حول مسارها الطويل..

في المرحلة الأولى، كانت السينما العراقية تقليداً للسائد، وقد احتاجت إلى سنوات طويلة حتى تبدأ خطواتها الخاصة.

حتى الآن، قطعت السينما العراقية نحو 80 عاماً من عمرها (تأسيس ستوديو بغداد عام 1948 وانتاج فيلم “عليا وعصام”)، لكنها مازالت وكأنها لم تبلغ بعد مستوى الطموح.

السينما العراقية هي الإبنة الشرعية للجمهور الذي أغدق عليها الكثير من الحب، وتعاطف معها دائماً، وعمل على تشجيعها لتغدو حقيقة راسخة وحاضرة في الواقع الثقافي والفني على الخصوص.

ولكن هذه الوقفة عند السينما العراقية ستكون قلقة، متعثرة أمام مجموعة من العوامل والأسباب:

فالسينما العراقية دون مراجع يمكن العودة اليها، والمصادر المتوفرة مقتضبة وبدون تفاصيل، ويغلب عليها الجانب الأخباري والتقارير الصحفية السريعة.

ومن هنا، تكون الكتابة عن السينما العراقية بعد كل هذه السنوات على ولادتها امتحاناً للذاكرة.

لقد ولدت السينما العراقية دون أن تستكمل شروط الولادة الطبيعية، بمعنى أن ولادتها كانت متعسرة.

كما أنها ظلت غير مفهومة من الأنظمة السابقة التي لم تفرق بين السينما كصناعة وفن وبين أن تكون وسيلة إعلامية ودعائية.

والعناصر البشرية التي جاءت باختصاصات متنوعة في المجال السينمائي ظلت هي الأخرى مشغولة بالحديث عن الفيلم أكثر من المشاركة فعلياً في صنع هذا الفيلم. وكان من الطبيعي أن ينظر إلى كل فيلم عراقي كتجربة حاصة بالرغم من أن مجموع هذه التجارب تجاوزت العشرات من الأفلام الروائية منها والتسجيلية.

وهناك محطات أخرى لا نريد الاستطراد عنها، لأنها قد تستفزنا قراءً ونقاداً وسينمائيين لكثرة إعادتها وترديدها.

إذن، كيف نحسب الجديد في السينما العراقية؟

كيف نؤشر علامات التطور؟

وهل هي في الموضوع أم في الشكل أم في العنصر البشري؟

وقبل كل شي، ما هي السينما العراقية؟ هل هي “الدائرة” الرسمية التي تنضوي فيها؟ أم هي مضافاً إليها ما يقدمه التلفزيون وشركات انتاج اخرى؟

وهل هذه السينما دائماً هي السينما الروائية؟

من هذه الاسئلة وغيرها، يمكن أن نجمل إجابتنا بالنتائج التالية:

أولاً: السينما العراقية باتت تياراً مميزاً بين حركة الفنون في العراق، مع اعترافنا بأن هذا التيار مازال يسعى لتأكيد تقاليده وتحقيق انجازاته.

ثانياً: السينما العراقية اليوم هي صناعة وفن، سواء في التشريعات أو في خطط الإنتاج، أي أن العمل في هذا الحقل يجري على محورين أساسيين هما المحور الفكري ـ الفني والمحور التقني بما يتطلبانه من وسائل مباشرة وغير مباشرة.

ثالثاً: للسينما العراقية حضور الآن، سواء في الداخل أو في مهرجانات السينما العربية والدولية، خاصة سينما المنفى والاغتراب، بعدما ظل الفيلم التسجيلي ولفترة طويلة يغطي هذا الحضور.

رابعاً: السينما العراقية، وطوال العقود الماضية هي سينما القطاع العام، وهذه مسألة بالغة الأهمية، لا لأن هذا القطاع منافس نشط للقطاع الخاص، بل لأن السينما التي نريدها لا يحققها قانون العرض والطلب، بالرغم من مسايرة القطاع العام للقطاع الخاص في مجموعة كبيرة من انتاجاته.

غير أن هذه النتائج التي يبدو أننا وصلنا اليها بسرعة تمثل في الحقيقة المرحلة الثالثة من مراحلة تطور السينما العراقية وتشكل أبرز ملامحها، إذا أخذنا في الاعتبار المرحلتين التاليتين:

ــ مرحلة البداية حتى دخول السينما العراقية القطاع العام (1948ـ 1959)

ــ مرحلة نشوء القطاع العام ابتداء من 1959.

والملاحظ أن المرحلة الأولى لم تكشف عن ملامح مميزة للسينما العراقية بقدر ما اخضعتها لتأثير السينما المصرية، إضافة إلى ابقائها بحاجة الى الخبرة الأجنبية. والشيء الوحيد الذي حققته هو النجاح التجاري لبعض أصحاب رؤوس الأموال الذين استغلوا السينما كوسيلة للربح ما شجع الكثير من المغامرين على تأسيس شركات انتاج سرعان ما كانت تغلق أبوابها بعد انتاجها الأول أو الثاني في أعلى تقدير لتكتفي بما حققته من أرباح.

وبالمناسبة، فان جميع الانتاجات العراقية في تلك المرحلة لم تخسر، والفيلم الوحيد الخاسر كان “نبوخذ نصر 1962” الذي أراد له مخرجه كامل العزاوي أن يكون بالألوان، وقد تكلف أربعين ألف دينار لم يسترجع منها سوى خمسة آلاف فقط.

شارك هذا الموضوع

رضا الأعرجي

صحفي وكاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!