بمناسبة الدورة الثانية لمهرجان بغداد السينمائي (3): السينما العراقية.. وقفة متأنية عند البدايات

رضا الأعرجي
بعد عام 1968، وهنا ناتي الى المرحلة الثالثة من مراحل السينما العراقية، كانت هذه السينما موضع اهتمام المسؤولين لجهة استخدام السينما كوسيلة إعلامية ودعائية قبل أن تكون مشروعا ثقافياً، وهكذا جرت ترتيبات ومشاريع عديدة ابتداء من عام 1973، وهو العام الذي شهد انتاج فيلم “الظامئون” للمخرج محمد شكري جميل والمأخوذ عن رواية بنفس الإسم للكاتب عبد الرزاق المطلبي.
كان فيلم “الظامئون” أول فيلم ينتجه القطاع العام بعد آنذاك بمواصفات جيدة، اذ كانت “المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون” قد أنتجت قبله فيلم “جسر الأحرار” لضياء البياتي الذي فشل فشلا ذريعاً، واقتصر عرضه على ايام معدودة .
عام 1975 يشكل هو الآخر الاهمية نفسها بعد أن صدر خلاله قانون إعادة “مصلحة السينما والمسرح” وفك ارتباطها بـ “المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون” وجعلها مؤسسة عامة. وتبعت القرار قرارات عديدة بينها رفع ضريبة الملاهي عن دور العرض، ووضع الخطط للانتاج السينمائي الروائي.
وجاء فيلم “الرأس ـ 1976” لفيصل الياسري مختبراً لاستخدام الألوان والسينما سكوب، واعتبره الكثيرون عداً تنازلياً في حسابات المؤسسة الوليدة، ولكن فضيلة “الرأس” انه أشر الاخطاء بسهولة.
ثم جاء فيلم “بيوت في ذلك الزقاق ـ 1977” لقاسم حول ليعيد الثقة بالفيلم العراقي. فقد استقبل بحماس لأنه كان بمثابة الخطوة الاولى في طريق بدا الآن واضحاً للمعنيين بخلق سينما عراقية جادة.
وبعد “بيوت ..” عرفت السينما العراقية نشاطاً ملحوظاً حيث شهدت دور العرض أفلاماً أخرى: “النهر” و”التجربة” و”الاسوار” و”يوم آخر” و”مطاوع وبهية” و”المسألة الكبرى” وصولاً الى فيلم “اللعبة” وعدد آخر من الأفلام.
ماذا بعد ؟
لقد شهدت هذه المرحلة من تاريخ السينما العراقية عدداً من الظواهر بينها ظاهرتان ينبغي التوقف عندهما قليلا:
الظاهرة الاولى هي توقف القطاع الخاص، فهذا القطاع لم يكن ممنوعاً ولكنه عاجز تماماً بالرغم من كونه قد حقق الندرة الاستثنائية بين الإنتاج السينمائي العراقي، وكان آخر ما عرض لهذا القطاع فيلم “الزورق ـ 1977”. وكان الاستقبال الفاتر الذي لقيه في العراق والكويت، حيث عرض هناك، بمثابة رصاصة الرحمة التي اطلقت عليه، وقد حل محله القطاع المختلط ممثلاً بـ “شركة بابل للإنتاج السينمائي والتلفزيوني” الذي حاول أن يوازن بين متطلبات القطاعين العام والخاص، وكانت له مجموعة من الانتاجات التي تراوحت في مستوياتها مثل “العاشق” و”فائق يتزوج” و”حمد وحمود” و”عمارة 13“.
أما الظاهرة الثانية فهي دخول التلفزيون دائرة الانتاج الروائي الطويل بعد مجموعة من الافلام الروائية القصيرة والتي تناولت في غالبيتها القضية الفلسطينية. بيد أن التلفزيون قد توقف بعد انتاج ثلاثة افلام هي “اللوحة” و”البندول” و”تحت سماء واحدة“.
يضاف الى ذلك تصاعد عدد الأفلام الروائية، والتوسيع الكبير في مجال توفير مستلزمات الانتاج السينمائي سواء بالنسبة للكادر البشري المتخصص والمؤهل او بالنسبة للأجهزة والمعدات الفنية.
غير ان هذا ما يبدو على السطح، أو انه الجزء المرئي من جيل الجليد العائم، ذلك أن إرادة النظر في واقع السينما العراقية وظروفها منذ الولادة والنشأة ستكشف لنا المزيد من التفاصيل عن هذا الواقع وعن العوامل التي تتحكم في توجيهه سواء بالسلب أو الايجاب .. وهذا ما سنتناوله في الحلقة الرابعة والأخيرة.