تأملات في المشهد الحزبي المغربي

تأملات في المشهد الحزبي المغربي

علي الصدقي  

           أضحى الكلام عن المشهد الحزبي المغربي كمن يُطارد الأوهام في كل صوب ظانّا أنها الحقيقة، ليكتشف في الأخير أنها مُجرد أوهام، تلك هي طبيعة الحالة الحزبية والسياسية ببلادنا، مُجرد خزانات انتخابية بعيدة كل البعد عن الواقع، وعاجزة عن أن تكون فاعلا مُؤثّرا في المشهد السياسي المغربي، وهي وضعية شبيهة بتراجيديا فيها من المشاهد والفصول ما يحزّ في  القلب، أبطالها شخصيات تُتقن فنّ التدليس السياسي وتنميق وزخرفة الخطب والوعود الرنانة لا تتعدى في مداها المؤتمرات الحزبية والمناسبات الانتخابية . هي فعلا تراجيديا حزبية ومأساة سياسية، أهم سيماتها ومشاهدها، التشظّي والانقسامات، وتماثُل البرامج والخطابات بين أغلب مكونات المشهد السياسي المغربي، أما تفعيل آليات الديمقراطية الداخلية فتبقى شعارا دون معنى حقيقي.

المشهد الأول: التشظّي والتشرْذُم 

من الواضح تلقائيا وبدون أدنى حاجة لأي مجهود فكري، على أن المشهد الحزبي ببلادنا يعاني من التشظي والانقسام وتتسارع وتيرة هذا الوباء الفتاك الذي أصاب الجسم السياسي الحزبي ببلادنا في السنوات الأخيرة لدرجة أضحى من الصعب ذكر كل مكوناته التي قاربت وشارفت الأربعين هيئة منها من لا يُسمع له صوت إلا إبّان الحملات الانتخابية، ويبدو أن أحزابنا شبيهة بخلايا جسم الإنسان، إلا أن الاختلاف يكمُن في كون انقسام خلايا الإنسان وغيره من الكائنات تتمّ لضمان نمو الجسم، أو لتعويض ما يُفقد أو يموت من الخلايا، بيد أن الانقسام في الأحزاب المغربية تكون من انعكاساته ونتائجه  خمود هذا الكائن الحزبي وترهّله لدرجة يصعب معه إيقاظه وانبعاثه بالقوة والحيوية التي كان عليها في السابق، والأمثلة عديدة ومتعددة في المشهد الحزبي ببلادنا ،وهو ما يُجسد فعلا القول المأثور “كل بيت مُنقسم على ذاته يُخرّب”.

المشهد الثاني: تطابق الخطابات وتماثل البرامج

من المتعارف عليه أن التمايز في البرامج المواقف والرؤى هو ما يميّز الأحزاب بعضها عن البعض، كما أن مقترحاتها ومخططاتها لتدبير الشأن العام هو ما يعطيها حظوظا أوفر لكسب قاعدة عريضة من الناخبين والمتعاطفين وهي فعلا مسألة عاشها المجتمع المغربي في سنوات أوج العمل الحزبي، حيث كانت الفئات المختلفة من المجتمع المغربي تلتفّ حول هذا الحزب أو ذاك عبر برامجه ومواقفه وما يُقدّمه كبدائل، إلا أن هذه المسالة أخذت منحى مأساويا بعدما أصيب السواد الأعظم من النخب الحزبية بفيروس المناصب والمقاعد، وكان من عواقبه تردّي العمل السياسي ببلادنا، وانهيار قيمه النبيلة، فلم يعد للرؤى واستشراف المستقبل مكان مركزي في برامج وخطابات الأحزاب، أما ما كان في وقت ما بمثابة الخط الأيديولوجي للحزب الذي تنبني عليه خططه، فقد أصبح جزء من الماضي لا مكان له في حاضر تغْلُب عليه التوافقات والتنازلات من أجل الظفر بالمقعد والمنصب، ولهذا تطابقت الخطابات وتماثلت الرؤى وأصبحت البرامج وكأنها استنسخت عن بعضها البعض مع فوارق بسيطة وبصيغ مختلفة.

إضعاف آليات الديمقراطية الداخلية   

 من سمات المشهد الحزبي المغربي ودمائمه بطبيعة الحال، اختلاق أساليب وآليات كشكل من أشكال التحايل على الديمقراطية الداخلية لضمان قاعدة تُمكّن من تمرير مقترحات وقرارات من شأنها خدمة أجندات القيادات او تعديل القوانين الداخلية لتساير طموحات هذه القيادات تسندها  وتوفر لها الأرضية  القانونية الخصبة لتديمها متنفذة  ضمن تشكيلة صُنعت صنعا على مُراد ومبتغى أهل الحل والعقد المستأثرين و المتنفذين في زمام الأمور، ولا غرابة أن تكون خطاباتهم ناعمة و سلسة،  ومنهم من يغالي في تقديم قرابين التودّد ليصبح الانبطاح سمة هذا الحزب أو ذاك.

المشهد الرابع: الإسقاط الفوقي 

من سمات المشهد السياسي الحزبي المغربي أيضا، أن هناك هيئات حزبية تحوّلت دون غيرها وفي جزء من أنشطتها إلى قاعدة إنزال لاستقبال وافدين يتم إسقاطهم فوقيا بهدف استوزارهم وسربلتهم بعد ذلك بلون هذه الهيئة. هذا النوع من الجيمناستيك، أصبح امرأ مألوفا لدى بعض الاحزاب. وهي عملية شبيهة باستئجار الرحم، أما الدوائر التي يتم فيها تدبير وتجهيز منصات الإسقاط هاته فلها استراتيجيها الخاصة ، والتي  تتلخص في الرغبة في التحكم في المشهد السياسي المغربي، وما لجوؤها لراجمات لإنزال شخصيات مقربة من دوائر القرار وتوفير كل السبل لهم لبسط نفوذهم  إلا واحد من تكتيكاتها لابتذال العمل الحزبي وضمان التحكم في مقاليد السلط  ، وتتكلف أحزاب بعينها بالقيام باستقبال هذا الوافد الجديد ضمن هياكلها ومنهم  من  يصبح في وقت وجيز  مُتنفّذا في أمور الحزب الذي وفّر لهم المأوى وتنعّم عبره بنعم المناصب.

شارك هذا الموضوع

علي الصدقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!