تحذيرات على مسؤوليتي: الفزة والهزة والزلزال والرأفة بهذا الوطن

تحذيرات على مسؤوليتي: الفزة والهزة والزلزال والرأفة بهذا الوطن

عبد الرحمان الغندور

         ما يجري في مغرب اليوم، من حراك، وما يصاحبه من خطابات مبهمة، وقرارات ملتوية، يراه البعض على أنه زلزال، ويرفعون من شأن الحدث حتى ليخال المرء أن الأرض قد تزلزلت من تحت أقدام المسؤولين، وأن الجبال قد تدكدكت فوق رؤوسهم. ويرى آخرون، أكثر اعتدالًا أن ما يجري ليس أكثر من هزة عنيفة، أو ربما هزة خفيفة، وكأن الأمر مجرد اضطراب عابر في جسد الأمة. ولكن الحقيقة التي تغيب عنهم جميعًا، أو يتغافلون عنها، هي أنهم واهمون في أوصافهم، التي لوّثت أهواؤهم وبصيرتهم فلم يبصروا حقيقة ما يجري. الكل قد كذب في تقديره، فكذب من سمى الهزة زلزالًا، والأكثر كذبًا مَن رأى في ما يجري مجرد هزة. لكن ما يحدث اليوم على هذه الأرض ليس زلزالًا يقلب الموازين، وليس هزة تزعزع الأسس، إنه في الحقيقة مجرد “فَزَة“.

و ” لي فيه الفز كيقفز

نعم، إنها الفَزَة، بتعريفها الدقيق الذي تورده قواميس اللغة، وهي الوثبة المصحوبة بانزعاج. إنها حركة سريعة، اندفاع مفاجئ ناتج عن ارتباك أو خوف، يدفع إلى التحرك بقلق، لكنه يبقى في حقيقته مجرد رد فعل، وليس فعلًا مؤسسًا. إنها ارتعاشة السطح، وليست تغييرا في العمق. إنهم ” يَفِزُون ” مما يرون، فينزعجون ويقفزون، ولكن الأرض في عمقها ساكنة، لم تتحرك بعد، لم تلفظ ما في أحشائها من أثقال، والزلزال الحقيقي، الزلزال المنتظر الذي لم يأت بعد. حين لا يبقى شيء تحت السطح، وحين يمتلئ الجوف بالغضب والأحقاد والتراكمات، يومئذٍ تخرج الأرض أثقالها، ويصبح السؤال الحائر على كل لسان: “مَا لَهَا؟”. يوم لا تنفع الوثبات الانفعالية، ولا تصدق سوى الموازين الحقيقية، موازين القسط والعدل. موازين المواطنة الكاملة بما تضمنه من عدالة وحرية وكرامة وإنصاف.

في ذلك اليوم، يوم الزلزال الأعظم، يكشف الغطاء، وتُرفع الأقنعة، ويُعرض كل مسؤول على كتابه. دون مجاملة، ولا محاباة، حيث لا يمكن لمسؤول أن يتحمل وزر مسؤول آخر. فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا، حتى ذلك الخير الخفي الذي لا تراه العيون، سيجده مكتوبًا أمامه، وسيراه بعينه. ومن يعمل مثقال ذرة شرًا، حتى ذلك الشر الذي دفنه في زوايا النسيان والكتمان، سيجده حاضرًا لا محالة، وسيراه محيطًا به. عندها فقط تُفهم الأشياء على حقيقتها، وتُعرف القيم بقدرها، ويتبين من كان يبني ومن كان يهدم، من كان يصنع الحياة ومن كان يحفر لها القبور.

فما يجري اليوم، من “فزة” ما هو إلا مقدمة، إنذار، صفعة إيقاظ لمن كان له قلب أو ألقى السمع. إنها الفَزَة التي تسبق الزلزال، والتي إن لم نعتبر بها، ولم نستعد لما بعدها، كان الوطن هو الخاسر حقًا. فالزلزال آت لا محالة، يوم تخرج الأرض أثقالها، ويقول الإنسان ما لها، ويومئذ يعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

شارك هذا الموضوع

عبد الرحمان الغندور

كاتب وناشط سياسي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!