تسيب فكري وتنظيمي يطعن الاتحاد الإشتراكي في مقتل!؟
إسماعيل طاهري
يبدو أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في المغرب يعيش تسيبا تنظيما قاتلا. كما يعيش تسيبا فكريا وأزمة مرجعية.
مناسبة هذا الحديث هو تصريح أحد قياديه في البرلمان النائب إدريس اشطيبي، عندما كان يرأس جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس النواب، يوم الاثنين فاتح دجنبر 2025، وأقدم على طرد نائب برلماني من المعارضة من حزب العدالة والتنمية (عبد الصمد حيكر)، واتهمه وحزبه بكونه من “الماركسيين على سنة الله ورسوله”. وهذا بسبب رفض رئيس الجلسة إياه إعطاء تعقيب للنائب الحيكر من العدالة والتنمية، في إطار نقطة نظام بعدما أعطى لوزير العدل عبد اللطيف وهبي حق نقطة نظام مرات عديدة، وهو ما يخالف القانون الداخلي لمجلس النواب.
وارتفعت حدة الجدال داخل قبة البرلمان، مما اضطر الرئيس إلى وقف الجلسة لمدة خمس دقائق.
وخلال هذه الفترة دخل وزير العدل في مشاداة كلامية مع برلماني العدالة والتنمية، مما اضطر وزير الداخلية عبد الواحد لفتيت إلى التدخل لسحب الوزير وهبي من القاعة، عندما عمد وهبي إلى سب وشتم النائب الحيكر، وكادت المشادة أن تمتد إلى التشابك بالأيدي.
ما يهمنا في هذا النقاش هو تصريح النائب بأن منتسبي حزب العدالة والتنمية من “الماركسيين على سنة الله ورسوله”.
فكيف يمكن فهم هذا المفهوم الجديد في التحليل الذي سقط على الاتحاد الاشتراكي من السماء. والحقيقة المرة هي أن معظم برلمانييه الحاليين الفائزين باسمه في انتخابات 2021 لا علاقة لهم بحزب الاتحاد الاشتراكي، ومنهم هذا النائب رئيس مجلس النواب، الذي تطوع كمعارض للدخول في صراع مع المعارضة، رغم أن الإتحاد الاشتراكي هو أيضا من المعارضة، وهذا عنوان كبير على التسيب الفكري الذي ضرب أطنابه في الاتحاد الاشتراكي في السنوات الأخيرة.
وهذا التصريح الخطير كرره هذا القيادي ثلاث مرات أمام كل العدسات، مع علمه أن الجلسة تبث بشكل مباشر عبر الإذاعة والتلفزة ومنصات الأنترنيت.
وهذا جزء من التسيب الفكري الذي يعاني منه الاتحاد الاشتراكي في حضن “القيادة الحزبية”، لا يقابله إلا تسب تنظيمي خطير وارتباك في الأداء السياسي.
فمنذ انعقاد المؤتمر الوطني 12 للاتحاد الاشتراكي في 27 شتنبر 2025، لم يتم انعقاد المجلس الوطني لانتخاب مكتب سياسي جديد. وظل الكاتب الأول إدريس لشكر يسيطر لوحدة على التنظيم الحزبي ويرسم بمعية حوارييه مواقف الحزب.
في ظل هذا الفراغ التنظيمي استغل الكاتب الأول إدريس (الرابع)، هذا الوضع الشاذ لعقد اجتماعات ما يسميه بـ”القيادة الحزبية”، وهو جهاز صوري غير موجود في قانون الحزب، وهذا الجهاز يقوم اليوم مقام المكتب السياسي والمجلس الوطني، بل ينتحل صفتهما.
ومن القرارات الخطيرة التي اتخذها هذا الجهاز هو رفع مذكرة إلى الديوان الملكي، تتضمن موقف الحزب من مبادرة الحكم الذاتي الخاص بجهة الصحراء المغربية. مع أن هكذا مواقف من اختصاص المجلس الوطني، الذي لم ينعقد بعد، رغم مرور أكثر من شهرين على انعقاد المؤتمر الوطني 12.
هذا يبين عقلية التسيب التنظيمي الذي يضرب عنق الاتحاد الاشتراكي في مقتل.
وأكثر من هذا، فقد قررت هذه “القيادة الحزبية”، بزعامة الكاتب الأول إدريس لشكر، الدعوة إلى اجتماع جهاز سمته مؤسسة كتاب الجهات/ الفروع، بهدف منح الكاتب الأول تفويضًا بإضافة لائحة جديدة غير منتخبة إلى أعضاء المجلس الوطني المزمع انعقاده في 13 دجنبر 2025. حتى تتمكن ” القيادة الحزبية” من تقوية جنابها داخل المجلس الوطني، وبالتالي السيطرة على قراراته وتوجهاته.
وهذا فيه خرق سافر لقانون الأحزاب والنظام الداخلي لحزب الاتحاد الاشتراكي، ويهدد المسار الديمقراطي داخله. كما أن هذا يمثل مظهرا صارخا من مظاهر تسيب تنظيمي دخل فيه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في عهد الكاتب الأول.
وهذا دليل ملموس على الفرضية التي تروج داخل الحقل السياسي الوطني، والتي مفادها: موت الاتحاد الاشتراكي أو على الأقل ميلاد حزب جديد، في طور التشكل، عنوانه البارز هو هذا التسيب الفكري والتنظيمي. وهو ما يعزز هذه الأطروحة ويذكي مصداقيتها للأسف الشديد.
