ثلاثية الاحتفالي والاحتفالية والحوار
د. عبد الكريم برشيد
فاتحة الكلام
يقول أفلاطون بخصوص الخوف المَرَضي من الحرية، بأنه: “إذا أمطرت السماء حرية، فسوف ترى بعض العبيد يحملون المظلات”.
مثل هذه الصورة تجعلني أتساءل: هل أخطأ الاحتفالي عندما دعا إلى حرية الفكر وإلى حرية الإبداع، وأكد على أن المسرح هو تعبير مركب، وهو خطاب مدني ومُتمدن، ليس بلغة واحدة يتيمة، ولكن بمجموعة متنوعة من اللغات المتكاملة والمتقاطعة والمتناغمة؟ وهذا المسرح، خصوصاً في درجته الاحتفالية والعيدية، وكما عرفته البيانات الاحتفالية، ما هو إلا “التعبير الحر للإنسان الحر في المجتمع الحر”.
ومجتمع العبيد، لا يمكن أبداً أن يكون مجتمع التعبير الحر، وعليه فإنه لا يمكن أن يكون مجتمعاً مسرحياً، أو أن يكون مجتمعاً احتفالياً.
وهذا المسرح نشأ أساساً في مجتمع المدينة، ونشأ في المجتمع العاقل والمفكر، وكان تعبيراً عن الإنسان الإغريقي المفكر والمُعبّر والحر، وذلك في الحقبة التاريخية الحرة والعاقلة، وفي الفضاء الحر، وفي المناخ الحر. وبهذا فقد كان هذا المسرح حواراً في مُنطلقه، أي أنه الحوار المتعدد الأصوات، وليس هو مناجاة الذات… ذات الصوت الواحد، بفكرها الواحد ورأيها الواحد، الذي لا يقبل أن يكون له ما يخالفه، أو يكون له من يجادِلُه، أو يكون له من يجحدُه أو من ينتقده أو من يعارضه. ومجتمع القطيع لا يمكن أن يكون مجتمعاً إنسانياً ومدنياً، فالأحرى أن يكون مجتمع علم وفن، ومجتمع فكر وإبداع، ومجتمع اكتشاف وابتكار.
وأنا الاحتفالي، ما اعتنقت هذا المسرح سوى لأنه مجتمع داخل مجتمع، ولأنه الحقيقة الرمزية داخل الواقع والوقائع الحسية. وفي هذا المسرح تعددت، وقبلت التعدد، وفيه اختلفت وخالفت، ورضيت لنفسي ولكل الناس مبدأ الاختلاف. وماذا يمكن أن يكون الحوار، سواء في المسرح المسرحي أو في مسرح الوجود، سوى أنه التناوب على أخذ الكلمة، وعلى الظهور والاختفاء، وعلى الحضور والغياب، وعلى إبداء الرأي، وإبداء الرأي المضاد والمختلف والمخالف؟ وأين هو الحوار اليوم في مسرحنا المغربي والعربي؟ وأين هو الحوار في الفِرق المسرحية؟ وأين هو الحوار في السياسات المسرحية؟ وأين هو الحوار في البرمجة المسرحية؟ وأين هو الحوار في المواسم المسرحية؟ وأين هو الحوار في اللقاءات وفي المهرجانات المسرحية؟
وفي هذا الحوار، وهو في درجة المشاركة والاقتسام وفي درجة التفاعل والتكامل، لا يُشترط في المحاور أن يُجيد الكلام فقط، بل وأن يُجيد الإنصات أيضاً. وبغير وجود الفهم ووجود الأفهام ووجود التفاهم فإن ما قد (نقترفه) يتحول إلى حوار الطرشان. وإذا كنت أنت لا تسمعني، أو لا تريد أن تسمعني، فكيف يمكن أن تفهمني أولاً؟ وكيف يمكن أن تعرفني ثانياً؟ وكيف يمكن أن تَرُدّ على كلامي وأنت لم تفهمه ثالثاً؟ وكيف يمكن أن تخالفني وتخالف أفكاري وأنت لم تستوعبها رابعاً؟
وهذا الحوار يعني التعدد والوفرة، ويعني الامتلاء والتنوع، ويعني التجدد والتلاقي، ويعني الاتصال والانفصال، ويعني الائتلاف والاختلاف، ويعني الوجود والعدم، ويعني النظام والفوضى، ويعني الممكن والمحال، ويعني النسبي والمطلق، ويعني الاحتفالية والمأتمية، ويعني الفعل والانفعال، ويعني الحضور والغياب، ويعني الإبداع والاتباع، ويعني الأجساد والظلال، ويعني اليقظة والمنام، ويعني الأحلام والأوهام، ويعني الوجه والقناع، ويعني السكون والحركة، ويعني الصمت والكلام، ويعني المغلق والمنفتح.
في الحوار وشروط الحوار
والاحتفالية معرفة، منفتحة بكل تأكيد، وعليه فإنه ينبغي محاورتها بالمعرفة. ولأن هذه الاحتفالية أفكار داخل أفكار وخلف أفكار، فقد وجب محاورتها بالأفكار، والتي ينبغي أن تكون مختلفة ومخالفة، وأن تكون جديدة ومُجدِّدة.
والمسرح هو التعدد، وهو الاختلاف. ووجود مسرح بصوت واحد ليس مسرحاً. ووجود مسرح بعين واحدة، هو مسرح أعور. ووجود مسرح برِجل واحدة هو بالتأكيد مسرح أعرج. وهذا هو حال المسرح العربي، يكتفي بنصف المسرح ويقول: “هو المسرح، كل المسرح”، ويكتفي بنصف الحقيقة، ويقول: “هي الحقيقة، كل الحقيقة”.
لا أحد اليوم من المخرجين المسرحيين العرب يُقدِّم نصاً مسرحياً كاملاً، وكل ما يُقدِّمه هو الجزء الذي يقدر عليه، وذلك من خلال ما يسميه بالإعداد، والذي هو فعل فيه بتر وفيه اختزال وفيه حذف وفيه قفز بهلواني على كُلِّيَّة النص، وعلى كليته وشموليته ووحدته.
والحوار الحقيقي مع النص المسرحي لا يمكن أن يتم بالمقص، لأن المخرج ليس خياطاً، وليس جزاراً، ولكنه فنان يُحاور فناناً، وهو مُبدع يُحاور مُبدعاً، وهو مفكر يُحاور مفكراً.
وهذا الحوار، كما يراه الاحتفالي، هو فعل وفاعلية وتفاعل، وهو يقوم أساساً على التكافؤ، ويقوم على وجود لغة واحدة مشتركة، ويقوم على وجود مُعجم لغوي واحد، كما يقوم هذا الحوار على التعدد وعلى الاختلاف، بين كل أطراف الحوار. وبهذا فهو ليس استجواباً صحفياً، وليس استنطاقاً بوليسياً كما هو في المجتمعات البوليسية.
ومن شروط الحوار الأساسية أن يكون المحاور حراً، وأن يقول كلامه، وليس كلام غيره، وأن يكون مؤمناً بما يقول وبما يكتب، وأن يُحاور بصوت مُرتفع وبوجه مكشوف، وأن لا يختبئ خلف الأقنعة ولا خلف الأسماء المستعارة ولا خلف المظلات الدينية أو الحزبية أو الإدارية أو المالية، وأن لا يستقوي في الحوار بأية جهة من الجهات. ومثل هذا الحوار لا وجود له اليوم في المسرح المغربي والعربي، و($كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ$) و($كُلٌّ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ$).
وأعترف بأنني لا أفهم، ولا أعتقد أن أحداً غيري يمكن أن يفهم: كيف يكون روح المسرح هو الاحتفال، ويكون جوهر هذا الاحتفال هو الحرية، وأن تجد في المسرحيين من يحارب الاحتفالية، ومن يخافها؟ وماذا يمكن أن يعني الخوف من احتفالية المسرح، سوى أنه خوف من الحرية ومن أحرار الرأي وأحرار الفكر وأحرار الموقف؟
وليس ضرورياً أن تكون أنت في هذا الحوار هو من يملك الحقيقة، ويكفي أن يكون لك جزء صغير من الحقيقة. وما المانع من أن تكون خاطئاً، وأن تكون بالخطأ دافعاً ومُحرضاً ودليلاً على الحقيقة؟ انطلاقاً طبعاً من منطق (بضدها تُعرف الأشياء). وضد الصواب هو الخطأ، وإذا كنا نحن، في المشروع الاحتفالي نمثل الخطأ، فأين هو الصواب الذي أتيتم أنتم به؟
دُلُّونا عليه رجاءً، ولكم منا ومن الله ومن كل عباد الله ومن العلم والعلماء ومن الفكر والمفكرين ومن الفن والفنانين أجر عظيم.
ومن المحتمل جداً أن تخطئ الاحتفالية في بعض التفاصيل الإجرائية، ولكن الحلم الاحتفالي هل يجوز في حقه الخطأ؟
ويؤكد الاحتفالي، المؤمن بإنسانية الإنسان وبكل حقوق هذا الإنسان على الحق في الخطأ، نعم. الحق في الخطأ، لأن هذا الإنسان الذي ننتمي إليه ليس معصوماً من الخطأ، وعليه فمن الجائز أن نكون في هذه الاحتفالية قد أخطأنا. ونحن نسألكم أن تساعدونا، وأن تدلونا على أخطائنا، وأين يمكن أن توجد هذه الأخطاء في الرؤية الاحتفالية، والتي هي رؤية عيدية؟
هل في أننا متفائلون أكثر مما ينبغي؟ ومتى كان التفاؤل خطأ؟ ومتى كان الفرح خطأ؟ ومتى كان العيد والتّعييد خطأ؟
هل في أننا مصرُّون على الوجود ومصرُّون على الحضور ومصرُّون على الحياة، ومصرُّون على أننا نقول ما لدينا وأن لا نقول ما ليس لدينا؟
الفكرة المؤسِّسة التي لم تُصبح مؤسَّسة
والأصل في هذه الاحتفالية المفكرة، هو أنها فكرة، وأن هذه الفكرة قد أصبحت اليوم في الحقل الفكري والجمالي شجرة أفكار.
وأصبحت في الحقل الجمالي منظومة أفكار. وما يُميز هذه الفكرة المؤسِّسة هو أنها لم تُصبح مؤسسة، لها بنية ولها مكان، ولها إطار، ولها قوانين صارمة، ولها حرس وعسس. وبهذا فقد بقيت هذه الاحتفالية في إطار الأفكار المجردة والمعاني الرمزية، ولم تتحول إلى كنيسة، لها سلطة وسلطان، ولها أحبار وكُهان. وتبقى الفكرة موجودة في العقول وفي القلوب وفي النفوس وفي الأرواح الحرة. وفي ظل هذه الحرب الصليبية على الاحتفال وعلى الاحتفالية وعلى الاحتفاليين، هل يُعقل إقامة محاكم التفتيش الجديدة، في هذا الزمن الجديد، لانتزاع هذه الفكرة الاحتفالية من عقول ومن أرواح ومن نفوس ومن وِجدان الناس؟
وشرط الحوار الحقيقي والسليم أن يكون المحاور حراً، وأن يقول كلامه، وليس كلام غيره، وأن يكون مؤمناً بما يقول، وبما يكتب وبما يفكر، وأن يُحاور بصوت مُرتفع وبوجه مكشوف، وأن لا يختبئ خلف الأقنعة ولا خلف الأسماء المستعارة ولا تحت المظلات الحزبية أو العشائرية أو السلطوية.
والمسرح – بالنسبة للاحتفالي – هو أساساً حوار. وفي كتاب “فلسفة التّعييد الاحتفالي في اليومي وفي ما وراء اليومي” يقول الاحتفالي بأن هذه الاحتفالية هي حوار (مع الوجود، وحوار مع الذات، وحوار مع الأجساد، وحوار مع الطبيعة، وحوار مع الأفكار، وحوار مع المعاني. وبهذا أسست لغتها الجديدة، وأسست – في نفس الوقت – لغة الحوار معها، وأسست لغة المتحاورين معها).
وهذه الاحتفالية لم تُوجِد نفسها فقط، ولكنها أوجدت نقيضها المَرحلي أيضاً، والذي تجسد في شكل نقد مسرحي، وتَشَخْصَنَ في أسماء نُقاد وباحثين ومسرحيين مختلفين ومخالفين. ولقد كانت البداية مع النقد الأيديولوجي، في (عصر) الأيديولوجيا، ثم مع النقد الأخلاقي، في حضرة حُراس القيم، ثم مع النقد المدرسي، في الحرم الجامعي، ثم مع هذا النقد (الجديد) والذي ساقته السباقات الجديدة، والذي لم أجد له إلى اليوم أي اسم، ولا أي عنوان. هو نقد يمارس الهروب المزدوج: أي الهروب من النقد والهروب من المسرح، وهو يمارس الهروب إلى الأمام والهروب إلى الآخر والهروب إلى المسارح الأخرى. وفي كثير من الحالات نجده يهرب إلى الصمت وإلى الغياب. (ولقد صنعت الاحتفالية تاريخها بالاختلاف، تماماً كما حققت وجودها بالصراع وبالتحدي وبالتجاوز، ولقد لعبت كثير من الأسماء ومن التجارب هذا الدور المرحلي والأساسي والحيوي والضروري، أي الموضوع الذي يحفز الفعل الاحتفالي على الخلق والابتكار والتجديد، ويستفزه أيضاً، ويشحنه بالحرارة، ويُغذيه بالطاقة. وبهذا يمكن أن نقول ما يلي: إن هذا النقد، ومن حيث لا يدري، قد لعب دور أرنب السباق، من غير أن يكون له أي حظ في السباق، لأنه أساساً كتابة وصفية، وأنه أحكام بَعديّة، وأنه يتحرك خارج فضاء الإبداع وليس داخله).
كل ما يُكتب في الاحتفالية هو احتفالية
وفي إطار هذا الحوار، فإنني لا أتوقف لحظة عن الاستماع لما يقوله الآخرون، ولما يكتبه الكاتبون من كتابات نقدية، وأحرص دائماً على أن أفكر في تفكير كل المفكرين. وفي المشروع الاحتفالي قِيل وكُتب الكثير الكثير. وأجمل كل الكتابات هي التي تُكتب بحُبٍّ، والتي يتم التفكير فيها بالعقل وبالقلب معاً، والتي تكون كتابة لوجه الحقيقة ولوجه الجمال ولوجه المسرح ولِمُستقبل هذا المسرح، والذي هو صورة الإنسان، وهو تاريخ الإنسان، وهو جُغرافيته النفسية والوجدانية والروحية.
وأقف أولاً عند ما كتبه الكاتب المسرحي والسيناريست ذ. عبد الإله بنهدار، والذي يقول مخاطباً الكاتب الاحتفالي:
(أيها الأستاذ الجليل، والرجل العظيم، والاحتفالي المناضل بالفن من أجل الفن، عرفناك مسرحياً مشاكساً ونحن شباب، تعلمنا من مؤلفاتك المسرحية وهي عِدة، ومن كتاباتك النقدية التي كان يَرُدّ عليها البعض بالبُغض والحقد والحسد زاعماً أنه ناقد ينتقد، وللأسف كانوا يؤمنون بمشروعك الاحتفالي، لكنهم ساروا مع الموجة التي تتنكر لمجهوداتك وللبيانات الاحتفالية الأولى بداية السبعينات.. شخصياً كنت أقرأ انتقاداتهم فأجدها لا تَمُت للنقد بصلة، فقط هي مجرد هدم وهجوم حيواني لإرضاء شيوخهم قبل مريديهم، لكن شموعهم انطفأت وبقيت شموعك – أيها الاحتفالي المؤمن بمشروعه – تُنير دروب المسرح في العالم العربي إلى اليوم، وإن كان مُطرب الحيّ لا يُطرب، فأنت أيها الاحتفالي قد أطربت مُدن وقُرى الأحياء العربية من المحيط إلى الخليج. أطال الله في عمرك أيها الأستاذ الأنيق فكراً وأخلاقاً وإنسانية، مع خالص مودتي).
وفي الرد أقول بأن الرسالة وصلت، وبأنها قد سُجلت في سجل الصادقين، وبأن التاريخ هو خير من يتكلم اليوم وغداً، عندما يصمت الخائفون والطامعون والطامحون و…
أما الأستاذ كبير دكار، وهو الاحتفالي الممارس والاحتفالي المفكر والمُنظِّر فهو يقول:
(تعلمنا منك أستاذنا العزيز أن الاحتفالية تقوم على رؤية فكرية وفلسفية تجعل المسرح فعلاً إنسانياً يتجاوز حدود الفرجة التقليدية نحو أفق طقوسي وجمالي يستعيد فيه الإنسان مركزية المعنى. فهي ليست نزعة تقليدية ولا حداثية مَحضَة، بل هي بحث عن جسر جمالي يربط الذاكرة الشعبية بأسئلة العصر. وهي مشروع تجديد من الداخل، لا استيراد من الخارج. مشروع ينطلق من الذاكرة الثقافية بوصفها مُرتكَزاً لهوية جماعية، لكنه لا يتوقف عند حدود التراث، بل يوظفه كطاقة رمزية لتأويل الحاضر واستشراف المستقبل، وهو مشروع فكري وجمالي متكامل، يجمع بين الفلسفة والأنثروبولوجيا والتراث والحداثة.
وبفضل دراساتك النقدية المتواصلة أصبح للاحتفالية مرجعيات فلسفية متعددة، حيث تجعل الحرية جوهر التجربة المسرحية، وتنظر إلى الطقس بوصفه فعلاً جماعياً يمنح المسرح بُعدَه الاحتفالي، وهي تنهل من:
-
الفكر الصوفي (الحضرة – الاحتفال – الوجد).
-
الفلسفة الوجودية (الحرية – المسؤولية – الذات).
-
الأنثروبولوجيا الثقافية (الطقس – الأسطورة – الجماعة).
-
المسرح الملحمي (كَسر الإيهام – الوعي).
-
التراث العربي والمغربي والأمازيغي (الحَلْقة – البِساط – الحكواتي)، والشعر العربي القديم والحديث.
واعتبرت فن الشعر عنصراً مركزياً في الاحتفالية، حيث لم توظف اللغة الشعرية فقط، بل أدخلت منطق الشعر في بناء العرض: (الإيقاع، التكرار، الرمزية، الانزياح…).
وهكذا تُصبح الاحتفالية تصوراً مسرحياً يعيد ترتيب العلاقة بين الممثل والجمهور، ويكسر نماذج الدراما المِعيارية، ليقدم مسرحاً حياً، مُتجدداً، يؤمن بأن الجمال والاحتفال طريقتان لفهم الذات والعالم معاً.
تحياتي أستاذي وصديقي العزيز).
هنا يكون الحوار قيمة مضافة، ويكون غوصاً في بحار المكتوب، ويكون تحليلاً وتفكيكاً لبنية الاحتفالية، وكل ذلك بلغة تتجاوز النقد الوصفي إلى الانخراط في فعل التنظير الفكري والجمالي، وذلك من منطلق أن الاحتفالية هي احتفاليتنا جميعاً، وأنها لا يمكن أن تكتمل، فكرياً وجمالياً، إلا بمساهمة الجميع في التفكير وفي البحث وفي الاجتهاد وفي التجريب.
أما الأستاذ كمال فهمي، الباحث في الجماليات، والذي كتب أحد أهم الكتب النقدية في المسرح، والذي هو (المسرح والفلسفة)، فقد قال في نبوءته العلمية:
(لا يمكن للاحتفالية أن تموت، لأنها فن وفلسفة مُتجذّرة في لحظتها. لقد توفي أفلاطون وأرسطو وهيجل وسوفوكليس وبريخت وغيرهم كثير، لكن نظرياتهم ومناهجهم ما زالت حية. الأثر الفني الحقيقي يتجاوز زمانه).
هي إشاعة فقط، وبالتأكيد فإن هذا الاحتفالي الذي لم يصدق أن يكون سقراط المفكر قد مات، ونفس الاحتفالي الذي كتب مسرحية (سقراط قالوا… مات) هو نفسه الذي لا يمكن أن يُصدِّق من يقول: (الاحتفاليون… قالوا ماتوا) وحتى (الاحتفالي… قالوا مات).
