حصيلة البحث الأركيولوجي بصفرو ومنطقتها (ندوة علمية)

حصيلة البحث الأركيولوجي بصفرو ومنطقتها (ندوة علمية)

 محمد كمال المريني

           تفعيلا لتوصيات الملتقى الثقافي لمدينة صفرو في دورته 32 في موضوع: “المشروع الثقافي الترابي المندمج لصفرو ومنطقتها” المنعقد أيام 25، 26 و27 أبريل 2025، وكذا توصيات المائدة المستديرة المنعقدة بتاريخ 13 يونيو 2025 حول “قضايا ورهانات التراث بمنطقة صفرو”، نظمت جمعية شبكة تنمية القراءة بصفرو بشراكة مع المعهد الوطني لعلوم الاثار والتراث ندوة في موضوع: حصيلة البحث الأركيولوجي بصفرو ومنطقتها” تراث منطقة صفرو: التعرف والصيانة والتثمين والتعريف” وذلك يوم السبت 1 نونبر 2025 بقاعة الندوات ببلدية صفرو.

وتهدف هذه الندوة الى إطلاق دينامية تعنى بقضايا التراث عامة والتراث الأركيولوجي خاصة لما يمثله من أهمية بالنسبة للمنطقة والتاريخ الوطني عامة، ومن أجل ذلك تمت مناقشة الإقتراحات التي تم التعبير عنها من طرف المتخصصين في المجال وباقي مكونات المجتمع المدني بالإقليم من أجل التعريف بالموروث الثقافي وصيانته وتثمينه بوسائل عرض ملائمة وبتقنيات الوساطة الثقافية.

حضر أشغال هذه الندوة العلمية مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط وأساتذة وطلبة باحثين من المعهد ومن مؤسسات جامعية اخرى بالإضافة الى أعضاء الجمعية وممثلي المجتمع المدني ومنتخبين ومهتمين وعموم المواطنين والمواطنات.

وقد تميزت أشغال هذه الندوة بعروض قدمها مختصون في مجال التراث وعلوم الآثار تناولت جوانب متعددة للبحث الأركيولوجي عامة وبصفرو ومنطقتها بصفة خاصة.

قام بتسييرها رئيس جمعية شبكة تنمية القراءة محمد كمال المريني الذي ذكر في كلمة افتتاحية بالإطار الذي تنظم فيه هذه الندوة والتي تدخل في التوجه الجديد للجمعية والذي يسعى الى ترجمة الأهداف الى مبادرات عملية والانفتاح الى شركاء اخرين، وبعد أن تقدم بالشكر الى المعهد الوطني لعلوم الاثار والتراث وإلى كل المشاركين والحضور، ذكر ببرنامج الندوة وبالأساتذة الذين سيتولون تقديم العروض المبرمجة وهم الدكتور عبد الجليل بوزوكار: مدير المعهد الوطني لعلوم الاثار والتراث،و الدكتور محمد شاذلي: أستاذ باحث بنفس المعهد ، والدكتور المصطفى اتق: أستاذ باحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بالدار البيضاء، ورئيس الجمعية المغربية للتراث الطبيعي والثقافي، والدكتورة فاطمة الزهراء رفيع: محافظة مساعدة بمتحف الفنون الإسلامية البطحاء بفاس ونائبة رئيس مكتب شبكة تنمية القراءة بصفرو.

  تناول العرض الاول الذي قدمه الدكتور عبد الجليل بوزوكار، مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث مداخلة تأطيرية لأشغال الندوة حيث استعرض فيها ثلاثة محاور أساسية وتتعلق بالتعرف على التراث وتعريفه ثم تثمينه، واعتبر ان هذه الندوة التي تد خل في إطار التعريف بالرصيد الأركيولوجي يجب ان تتمخض عن توصيات من بينها إطلاق مشروع للأبحاث الأركيولوجية بالمنطقة نظرا لأهميتها رغم انه لم يتم تسليط الضوء عليها بما فيه الكفاية، وأن التعريف بها يقتضي نشر ما تم التعرف عليه وجعله رهن إشارة الراي العام، وفيما يتعلق بصون الموروث والمحافظة عليه، فإن الأمر يتطلب العمل على تنظيم ندوات أخرى من أجل تسليط الضوء على مواقع أخرى مهمة تعرضت للإهمال مما يقتضي العمل على صيانتها والعناية بها وتثمينها، وأكد في معرض حديثه أن المعهد منفتح على جميع الفعاليات ومنها جمعيات المجتمع المدني من أجل كل المبادرات التي من شأنها ان تساهم في تحقيق هدف تثمين ورد الإعتبار للتراث المادي واللامادي. ويمكن إعتبار صفرو نموذجا لهذا الإنفتاح، ومن بين أهم التوصيات التي يمكن الخروج بها هي الحرص على تقديم معلومة علمية موثوق بها، وهذا ما يعمل عليه المعهد عن طريق القيام بأبحاث علمية ومنها اعداد خريطة المواقع الاثرية.

اما الدكتور محمد شاذلي فتناول موضوع: “المقاربة المتحفية، تثمين للبحث الأركيولوجي، حيث انطلق في عرضه بالحديث عن مبادرة معرض أقيم في إطار الأنشطة المشتركة مع جمعية شبكة تنمية القراءة حيث تبين ان بعض اللقى التي تم عرضها تعتبر ذات قيمة أركيولوجية مهمة، مما يستدعي تثمين هذا الرصيد. غير ان التثمين الحقيقي والأول يرتبط بالإنسان من خلال جعل المواطن يهتم بهذا الموروث، ذلك ان المشكل يكمن في الهوة بين التراث والمواطن الذي لا يعرف الشيء الكثير عن هذا التراث.. واستشهد على ذلك بالقول ان 5 بالمائة فقط من زوار المتاحف فقط مغاربة، ولهذا فإن المعهد يحاول معالجة هذا الأمر بكيفية علمية بالعمل على واجهة التعريف والوساطة الثقافية، معتبرا أن التعريف بالتراث هو إشراك الساكنة في الإهتمام به والمحافظة عليه وتثمينه وادماجه في التنمية، وفي هذا الإطار أشار الى المبادرات التي يقوم بها المجتمع المدني لكنها تبقى غير كافية. وانتقل الدكتور شاذلي بعد ذلك الى القول بان المغرب ما زال يحافظ على كثير من تراثه اذ ان الحرف التقليدية التي ذكرتها المصادر التاريخية منذ قرون ما زالت موجودة لحد الان وهذا امر يشجع على مزيد من الاهتمام بالتراث. وارتباطا بموضوع الندوة حول حصيلة البحث الأركيولوجي بمنطقة صفرو فقد أكد أنه يعتبر مهما ومشجعا ذلك أن مثل هذه المبادرات تثلج الصدر وتشجع على المضي قدما وبالتالي فانه يتعين تكثيفها وتوسيعها لتتحدى حدود المؤسسات لتمتد الى باقي الفاعلين من جماعات وساكنة.

أما الدكتور المصطفى اتق فتناول موضوع “الموقع الاثري لزاوية سيدي بنعيسى” من خلال بحث ميداني،  فبعد ان أعطى نظرة عن موقع هذه الزاوية على ضفاف نهر سبو بمنطقة الواتة، أكد على قيمته التاريخية والإجتماعية والروحية والطبيعية وهو ما ينسجم مع تعريف اليونسكو، وكذا مع ما تمت الإشارة اليه في العروض السابقة من كون التراث يجب ان يرتبط بمحيطه وتملكه من طرف الساكنة، وهذه خصائص تتوفر في هذا الموقع على المستوى السوسيو اقتصادي والروحي والعلمي من خلال الأنشطة الفلاحية البسيطة والدور العلمي من خلال تعليم القران الكريم وارتباط الضريح بالزاوية التيجانية، ولهذا أكد في ختام عرضه على أهمية الموقع كموروث للمنطقة وان تثمينه رهين بتثمين الأنظمة التراثية والثقافية والطبيعية لزاوية سيدي بنعيسى ومجالها الترابي.

عرض الدكتورة فاطمة الزهراء رفيع في موضوع “كاف ليهودي الموقع التعبدي المتعدد”، تناول موقع كهف المومن او كهف اليهودي الذي يعتبر ذو حمولة اثرية وتاريخية ويشكل جزءا من الذاكرة الجماعية ورمزا للتعايش الذي ميز مدينة صفرو.

وتحدثت بعد ذلك عن موقعه وعن خصائصه الجيولوجية وشكله ومكوناته مستندة في ذلك الى ما كتبه H. Koehler   سنة 1954 في تقرير بعنوان La grotte du juif à Sefrou.

اما من حيث الخصائص الجيولوجية فتؤكد قدم هذا الموقع الذي ينتمي الى العهد الحجري الوسيط، كما ان الأبحاث به كشفت وجود مجموعة من الدلائل على دوره العقائدي والروحي منها بقايا حيوانية وبشرية مما جعله محط اهتمام من طرف الباحثين كما تؤكد ذلك الوثائق المتوفرة منها ما كتبه Henri BASSET  في اطروحته سنة 1920 في موضوع «  Le culte des grottes au Maroc »    او Henry KOEHLER

في المقال السالف الذكر والذي نشر بمجلة ” Société Préhistorique française ” سنة 1954. ومن هذه المنطلقات اعتبرت المتدخلة ان موقع كهف المومن رغم بعض الجوانب السلبية التي أصبحت تعتريه بسبب الإهمال، فانه يعتبر موقعا سياحيا مهما يتطلب التثمين والعناية لكونه يجمع بين القيمة الأركيولوجية والأسطورة، وهو ما يستدعي مزيدا من الاهتمام وتكثيف الحفريات الأثرية من أجل كشف مزيد من الجوانب الخفية للموقع.

تلت هذه العروض مناقشة أكدت فيها التدخلات على أهمية هذه الندوة مثمنة في نفس الوقت هذه المبادرة باعتبار أهمية المواقع الأثرية والموروث الثقافي المادي واللامادي عامة بمدينة صفرو ومنطقتها، مما يتطلب انخراط الجميع في مشروع يجعل من هذا الموروث رافعة للتنمية الترابية.

وتضمنت التدخلات مجموعة من الاقتراحات والتوصيات سيتم تناولها لاحقا في هذا التقرير.

كما تضمن برنامج الندوة أيضا زيارة الى موقع كاف المومن حيث وقف المشاركون في عين المكان على أهميته وخصائصه من خلال الشروحات والمعلومات التي قدمها المشاركون.  

  بعض توصيات الندوة:

تكثيف الجهود للتعرف على الموروث الثقافي بصفة عامة والمواقع الأركيولوجية بصفة خاصة والتعريف بها وتثمينها وادماجها في التنمية عبر تطوير التواصل ومختلف الآليات وخاصة الوساطة الثقافية–  إشراك الساكنة في الاهتمام بالمواقع الأركيولوجية وتحسيسهم بأهميتها وضرورة تملكها

–  تشجيع البحث العلمي للاهتمام بالمواقع الأركيولوجية والاثرية بصفرو ومنطقتها–  تحسيس الناشئة بأهمية التراث وذلك عبر تنظيم الزيارات الى المتاحف والمواقع الاثرية وتنظيم معارض فنية للصور خاصة بالأطفال وعبر ادراج موضوع التراث في المناهج الدراسية–  تشجيع الشراكات بين الجماعات والجمعيات والمؤسسات العمومية والقطاعات الحكومية لجعل التراث الثقافي بما فيه المواقع الأثرية والأركيولوجية كرافعة للتنمية المحلية

–  اعتبار تنظيم الندوات الفكرية وسيلة للتعريف بالتراث والعمل على مواصلة تنظيمها وانفتاحها على العموم–   تحيين النصوص القانونية المتعلقة بالمحافظة على الموروث الثقافي المادي واللامادي وصونه–   خلق جمعة وطنية تعنى بالتراث وتمكينها من الوسائل المادية للقيام بدورها–   تمكين الجماعات الترابية بالعناية بالموروث الثقافي وادماجه كرافعة للتنمية الترابية–   مأسسة الحوار بين كل الفاعلين والمتدخلين للعناية بالتراث والتعرف عليه وتعريفه وتثمينه–  مواصلة الجهود لإحداث مركز لتأويل التراب من خلال توفير مقر وتوفير الوسائل المادية لذلك.–   تشجيع مبادرات المجتمع المدني والجمعيات في اهتمامها بموضوع التراث–   الاهتمام بالتراث الثقافي لكل مناطق الإقليم ومنها تراث بني يازغة الشفهي–  اعتبار صناعة المحتوى آلية للتعريف بالتراث  –   مراعاة المحافظة على المواقع الاثرية عند اعداد وثائق التعمير           

شارك هذا الموضوع

محمد كمال المريني

ناشط بالمجتمع المدني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!