حكاية صورة: عن “سبعة رجال”.. أوقدوا شعلةَ اليسارِ ثم تفرَّقوا في متاهةِ حُلمٍ مُنْدَثِر…!

حكاية صورة: عن “سبعة رجال”.. أوقدوا شعلةَ اليسارِ ثم تفرَّقوا في متاهةِ حُلمٍ مُنْدَثِر…!

عبد الرحيم التوراني

           كانت أصابعي تتجوّل في متاهة من ملفات قديمة على قرص تخزين صغير“usb”، كمن يبحث عن إبرة في كومة قش رقمية…. فجأة توقف الزمن.. في زاوية منسية، داخل مجلد يحمل اسمًا غامضًا، ظهرت صور أخرى غير التي أبحث عنها، صور من مرحلة السبعينيات الملتهبة. صور حُفرت تفاصيلها في جدار الذاكرة الجمعية

إحدى هذه الصور كانت لسبعة أشخاص في عنفوان الشباب، يحيط بهم ضوء خافت، وربما دخان سجائر ثقيل، ونظراتهم تحمل أحلامًا بحجم العالم.

كانوا سبعة، كأنهم نجوم كوكبة لم يكتمل رسمها بعد، جمعهم رهان واحد: التغيير ورفض الركوع، ونشيد اليسار الصارخ.

إن هذه الصورة للشباب السبعة تحتمل أن تكون قراءتها مثل بانوراما تاريخية، تظهر لنا بوضوح كيف تفرّقت الأحلام التي كانت تتشابك ذات يوم داخل الإطار الواحد.

إنّهم سبعة.. حتى لو لم يكن جميع من في الصورة مراكشيين، فإنهم ذكروني بـ”سبعة رجال”..  حيث تلتقي الأسطورة بالواقع، وتُصبغ المدينة بألوان لا تخصها وحدها.. مراكش الموسومة بلون الأرض والجدران، المدينة الحمراء.. أليس الأحمر هو لون الثورة واليسار…؟؟

 بلى، إنه لون المنشور السري والبيان السياسي… ولون الأيديولوجيا..

كأنّ المدينة رفضت أن تكون مجرد مزار روحي، بل اختارت أن تكون حاضنةً للمقاومة ضد الاستعمار وللفكر التنويري. فمن مدينة “سبعة رجال”، الأرض ذات الجذور الصوفية العميقة، انبثقت نبتة اليسار الجديد في مغرب السبعينيات.. وكان للمشهد الثقافي والفكري في مراكش دور محوري في بلورة اليسار الجديد، الذي جمع يوما هؤلاء الواقفين أمام عدسة الكاميرا… ولا غرابة إن راجت ذات يوم بعض الطرائف بهذا الخصوص، مثل تحوير اسم الحركة الماركسية- اللينينية المغربية (23 مارس) إلى (23 مراكش)...

عزيز المنبهي وحسن بنعدي وسليم رضوان ورؤوف فلاح وبوعزة التايك وعبد الفتاح فاكهاني ومحمد جعفر
عزيز المنبهي وحسن بنعدي وسليم رضوان ورؤوف فلاح وبوعزة التايك وعبد الفتاح فاكهاني ومحمد جعفر

ملأتُ شاشةَ الحاسوب بأكملها بالصورةِ القديمةِ حتى لم أعد أرى “بكسلاتها” (pixels)، بل شممتُ فيها رائحةَ زمنٍ آخرَ، زمن لم يتبقَ منه سوى الصدى. في تلك اللحظة، لم أكن أتأمل وجوهاً مرّت عليها عقود، بل كنتُ أستعيدُ قصصاً صار بعضُها اليوم تاريخٌ صلب نُحتَ في ذاكرة الوطن، وبعضُها الآخرُ مرارةٌ تسربت من بين أصابع السنين.

 ومن اليمين إلى أقصى اليسار، بدأت قراءتي للصورة- الوثيقة:

 عبد العزيز المنبهي-  ماركسي حتى الرَّمَق الأخير

خريج شعبة الفلسفة من جامعة محمد الخامس بالرباط، الرئيس السابق للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، والشاهد الماركسي، قامةٌ لم تَنحنِ لتقلبات الزمن. ظل حتى الرمق الأخير على عهده، يساريّ راديكالي معارض للاستبداد.. لم يساوم ولم يُبدّل، كأنّ الزمن توقف لديه عند الصفحة الأولى من البيان الثوري.

أتذكر لقائي بشقيق الشهيدة سعيدة المنبهي، في منزل الصديق المحامي عبد الرحيم برادة، وكانت شقيقته الأخرى خديجة المنبهي حاضرة برفقة زوجها المناضل عبد العزيز الوديي، في مساء خريفي دافئ، زاده دفئُا حرارةُ لقاءٍ جديدٍ بعطرِ الماضي القريب.

ورغم المسافات ظل التواصل بيني وعزيز قائماً عبر “المسنجر”. إلى أن أنهكه المرض وتوفي في آخر غشت الماضي بفرنسا.

 في إحدى المرات، لما كنت في لبنان، استشارني عزيز في إمكانية طباعة كتاب بإحدى دور النشر البيروتية؛ لم يكن الكتاب من تأليفه، بل كان لرفيقه وابن مدينته مراكش، اليساري والمعتقل السياسي السابق عبد الغني القباج. كان عزيز يسعى لأن يبقى صوت اليسار الراديكالي المغربي مسموعاً من قلب العواصم الثقافية العربية. هذه المبادرة تفيد أن الرجل لم يتوقف عن محاولة النشر والاحتجاج حتى وهو يودّعنا، فقبل وفاته، آثر أن يترك وصيته الأخيرة مطبوعة، فنشر كتابه باللغة الفرنسية تحت عنوان: Crimes, mensonges, trahisons… et résistance

عنوان يُلخّص مسارًا استثنائيًا، إنه ليس مجرد سيرة ذاتية، بل بيانٌ ختاميٌ صارخٌ وُجّه إلى الداخل والخارج.. إدانة مباشرة وقاسية للسنوات التي عاشها جيله، ورفضٌ للتصالح مع التاريخ الرسمي.

 حسن بنعدي- فيلسوف النقابة 

صاحب رحلة من الحلم إلى التناقض. أستاذ الفلسفة الذي كان من المؤسسين الأوائل لتيار اليسار الجديد، وقد نجا من حملات الاعتقال مع رفيقه وزميله في الجامعة، الناقد السينمائي المرحوم نور الدين الصايل

لاحقاً شوهد حسن يقود نقابة عمالية عريقة، ثم تردد اسمه بقوة كمرشح محتمل لخلافة زعيمها التاريخي.

في بدايات سنوات الألفية الجديدة رأيناه بين أبرز الأسماء الوازنة ضمن “حركة لكل الديمقراطيين”، الحركة التي لم تتأخر حتى انقلبت إلى حزب سياسي باسم “حزب الأصالة والمعاصرة”.. تقدم بنعدي ليكون أول أمين عام لهذا الحزب المقترن باسم مؤسسه فؤاد علي الهمة، مستشار الملك.

لعلها كانت محاولة لاكتساب القوة والنفوذ، قبل أن ينسحب الرجل بهدوء.. بعدما وقف على الانحراف عن مبادئ التأسيس والغاية والهدف، في سياق ما يسميه بنعدي “الدفاع عن التعددية الحزبية والديمقراطية”.

كان انتقال بنعدي، الشيوعي النشأة إلى “الضفة الأخرى”، وفق وصف لبعض رفاقه القدامى: “جرحًا في قلب اليسار”، أو قفزة من الفكرة النبيلة إلى محاولة غير موفقة لامتلاك السلطة.

مارس حسن بنعدي العمل الصحفي مبكراً، سواء في صحافة الاتحاد المغربي للشغل، بدءا من “مغرب أنفورماسيون”، وصولا إلى “الطليعة” و”معالم”، قبل أن يعمل بصحف أخرى، لكنه لم يكتفِ، بل سيؤسس مجلته الخاصة باللغة الفرنسية، تحت اسم ليسونسيال (L’Essentiel) ، قبل أن يغير اسمها بـ لومونسيال” (Le Mensuel) ، ليظلّ محافظاً على حضوره الفكري والسياسي، وكرّس هذا الحضور بإصدار كتاب “Penseurs maghrébins contemporains” (مفكرون مغاربة معاصرون) . كما قام بترجمة كتاب “صمود وسط الإعصار: محاولة لتفسير تاريخ المغرب الكبير” للأستاذ عبد الله ابراهيم . بهذا، لم يغادر بنعدي المشهد أبداً، بل انتقل من العمل النقابي والبرلماني إلى التنظير والنقد والترجمة، مستخدماً اللغة التي تصل إلى النخبة وقارئها غير المغربي.

ولأن حسن بنعدي كان من بين محرري “تقرير الخمسينية في المغرب”، الذي صدر بمناسبة خمسين عاماً على الاستقلال، جعله في قلب العمل التاريخي والفكري الذي حاول تقييم مسيرة الدولة والمجتمع.

 سليم رضوان – المؤرخ الاحتفالي

 يشارك حسن بنعدي صفة أستاذ الفلسفة والقيادة النقابية في المركزية العمالية نفسها…

مؤخراً، أصدر رضوان كتابًا بعنوان: “المرحوم المحجوب بن الصديق: رائد الحركة النقابية الوطنية”. إصدار يقدم صورة “مثالية” للزعيم النقابي، بعيدًا عن الموضوعية التاريخية. تكريمٌ احتفالي أكثر منه تاريخيٌّ، أو مراجعة تحليلية نقدية.. كأنّ الذاكرة لم تعد تطيق العبء الثقيل للنقد، إذ فضَّلَ رضوان أن يُلبِسَ الماضي ثوبَ التبجيلِ الخالي من العيوب، واختار أن يُغني للماضي بنشيدِ الإعلاء والمَدح، بتركيزه بشكل كبير على إبراز الجوانب الإيجابية والبطولية في شخصية المحجوب بن الصديق، مقابل إهمال الحديث عن الصراعات الداخلية التي واجهها بن الصديق خلال فترة قيادته الطويلة جدا للنقابة. مع إغفال تام لعلاقة الاتحاد بالسلطة السياسية وتأثير ذلك على العمل النقابي.

سليم رضوان تبنى في هذا الكتاب رؤية أحادية الجانب تدعم موقف بن الصديق والـ (UMT)، وتُحمّل مسؤولية الانقسامات للطرف الآخر دون تقديم تحليل متوازن.

تبقى الإشارة إلى أن سليم رضوان كان له مشروعه الفكري الخاص، تجلى في إصداره قبل أعوام لمنبر ثقافي لم يستمر، مجلة “جدل” (دفاتر فلسفية). عنوان يوحي بالرغبة في خوض جدل فكري في صورته الأكثر تجريداً وعمقاً. كما نشر كتابين:الثورة الديموقراطية“، و”ظلال الهباء: مقالات فلسفية في مأساة 16 ماي“.

بين موقعه داخل النقابة وتكريمه للماضي، وبين تأسيسه لمجلة فكرية تتبنى “الجدل” كمنهج، يظهر سليم رضوان كأحد الشخصيات التي حاولت التوفيق بين الفعل النقابي الواقعي والمشروع الفكري النقدي دون أن تسمح للتلوث السياسي أن يطغى على مسيرتها.

 رؤوف فلاح – في فلك رفاق النهج

 القريب البعيد. ابتعد عن الاتحاد المغربي للشغل، مع عبد اللطيف منصور ومحمد بولعيش ومحمد سلمام وآخرين، لكنه ظلّ يدور في فلك الرفاق، قريبًا من النواة التي أطلقت “حركة النهج الديمقراطي” سنة 1995 بزعامة عبد الله الحريف. سينضم رؤوف فلاح إلى هيأة الفصلية الفكرية: “التحرر” التي أصدرتها حركة النهج. وكان يمضي بعض كتاباته باللغة الفرنسية بتوقيع بوغافر”.

هذا المعتقل السياسي السابق، الذي ابتعد عن هياكل النقابة ظل قريباً من الرفاق، لم يجد لنفسه منبراً سوى الفضاءات المفتوحة، فحول جلساته في بعض مقاهي قلب المدينة، إلى ما يشبه “هايدبارك” مصغر خاص به، يعرض فيه آراءه وتحليلاته السياسية.. كان صوته هو صحيفته ومجلته ومنبره فكان من الأرواح التي ترفض الاصطفاف الكامل لكنها لا تتخلى عن القضية.

لكن الموت كان له رأي آخر، رأي قاسٍ كالعادة. بعد أن سرطن التدخين رئتيه، وأهداه للموت في عزّ بهائه وفي أوج إشعاعه الفكري.

آخر لقاء رأيتُ فيه رؤوف فلاح كان مشهداً لا يُنسى، كأنه لوحة رسمت لتُجسد عقوداً من النضال، حدث ذلك في افتتاح المؤتمر الوطني الرابع للنهج الديمقراطي، في يوليوز 2016.

كان رؤوف يومها يرتدي قناعاته وشاحًا، يضع على كتفيه الكوفية الفلسطينية ويعتمر بيريه تشي غيفارا الأيقونية.. بيديه النحيلتين يمسك ملف المؤتمر، وعلى شفتيه بسمةُ الأملِ العنيدِ في المستقبل. لم يكن مجرد حضور، بل كان بيانًا حيًّا يختزل تاريخ اليسار ورموزه.

كان صديقنا عمر الزغاري برفقتي، لما سألت فلاح عن موعد لقاء للاستمتاع بمجالسته كما عوّدنا بفضاءاتنا القديمة، “مرس السلطان”، أو مقهى “لاسين” القريب من شقته بشارع عبد المومن، كنتُ أسعى لجرعة أخيرة من تحليلاته بمجالسته قبل أن يختطفه الغياب

 بعد أقل من ثلاثة أسابيع أسلم “بوغافر” الروح لباريها… وطبقا لتوصيته جرى لف نعشه بعلم فلسطين. وقد حضرت مراسيم تشييعه بمقبرة الغفران.

 بوعزة التايك –  “بوعزتوف الفيسبوكي”!

كان رؤوف يحب ممازحته وتسميته  بـ”كمراد ماي”. (من باب التوضيح، التسمية تعود لضمير الملكية للمتكلم المفرد في الإنجليزية، My، وليس اسم شهر ماي).

رؤوف هو مَن عرَّفني على بوعزة التايك.. أتذكّر بعض تلك اللقاءات، عندما كان التايك يصل من العاصمة الرباط إلى الدار البيضاء، في كامل أناقته التي يغلب عليها الأبيض، كأنما يستعد لموعد مع التاريخ.. كانت فضاءات “مرس السلطان” وأجواؤها العامرة تجمعنا، حيث تختلط حكايات اليسار بضجيج المدينة.

بوعزة قاص وشاعر، ومن ممارسي التدوين الرقمي. سبق له أن نشر كتابا بعنوان “أنياب في جسد الأحلام”، وآخر باللغة الفرنسية تحت عنوان “قلب مدنس” (2006). وفي سنة 2014 صدرت له نصوص شذرية تحت عنوان “دموع تراقصني”.

عندما صادفته قبل أعوام في الرباط، قرب “قاعة الفن السابع”، استفسرته عن إلغائه لصداقتي من “فيسبوك”، كان رده بسيطاً: “لأنك يا رفيق لا تتفاعل مع منشوراتي”...

هكذا مع الرفيق “ماي” تسقط الصداقة القائمة على التاريخ  أو القرب الفكري، أمام دكتاتورية التفاعل الرقمي التي تفرضها خوارزميات المنصات.

منذ ثلاث سنوات اختفى التايك عن فيسبوك. غيابه عن الفضاء الرقمي يبعث على تساؤل: هل هو غياب عابر، أم انسحاب كامل من المشهد؟ كأنما تتبّع بعض قدامى اليساريين الجذريين لا يتم إلا عبر شريط إخباري افتراضي

انطباعاتي عن “ماي” إنه شخصية مرحة، محبٌّ للضحك، تُضيء أحاديثه ذكرياتٌ ساخرةٌ يُطِلُّ بها على مرارةِ رفاقِ الأمسِ القاسي، كأنما أراد أن ينتزع من الجحيم ضحكةً أخيرة.

إنه الرفيق “بوعزتوف” (اللقب البولشيفي الذي اختاره لنفسه في أحد إصداراته). وبرغم كونه أزال صداقتنا الفيسبوكية بتلك القسوة الرقمية، التي يمكن تفسيرها بإحباط جيل من غياب التفاعل، فإني ما زلت أحتفظ له بذكرى طيبة.. إن قيمة العلاقات الإنسانية لا يمكن أن تُمحى بممحاة، أو تُحذف بضغطة زر على شاشة حاسوب أو هاتف ذكي...

 عبد الفتاح فاكهاني – الهادئ والمهني

 شاهد على العصر، من مؤسسي حركة “إلى الإمام” اليسارية السرية. غادر السجن بعد 14 عاما من الاعتقال، بعد مرور عابر بجريدة “العلم”، عمل صحفياً في وكالة الصحافة الفرنسية AFP بالرباط. بداياته في الكتابة كانت بمجلة “أنفاس” لعبد اللطيف اللعبي. وكان ينشر باسم مستعار (عبد الكريم الإدريسي).

 جالسته مرات، في الرباط والدار البيضاء، كما زرته في مكتبه الهادئ بزنقة القاهرة، في عمارة تطل على زمن آخر، كان يسكن بها صديقي الفنان التشكيلي فؤاد بلامين، في شقة أقمنا بها فترة في ضيافته، عبد الله الستوكي وفريموس حسن العلوي وكاتب هذه السطور.

فاكهاني يمثّل الوجه الهادئ والمهني لمن دفع الثمن، كان يراقب الأحداث من بعيد، بمهنية الصحفي وبرزانةِ الناشط السياسي المُجرّب، غير أن الفاكهاني لم يكن مجرد “معتقل سياسي سابق”، بل كان شاهدًا على جحيم سنوات الرصاص. قبل وفاته عمل على التحرر من عبء الماضي بمساهمته في ما يُعرف بـ”أدب السجون”، عبر نشره لرواية قصيرة بعنوان “البئر” باللغة العربية، صدرت وهو رهن الاعتقال عن منشورات “الجامعة”، التي كان يديرها مصطفى المسناوي وعبد الصمد بلكبير.

 ثم رواية “الممر: حقائق عن سنوات الرصاص”، ترجمها إلى العربية أحمد المرزوقي، وكتب مقدمتها الصحافي الفرنسي إنياس دال، الذي كان مديرا لمكتب “فرنس بريس” لما يقرب من خمس سنوات. يمكن اعتبار الأخير شخصية محورية بحد ذاتها، كونه ألف كتابًا مهمُا عن الملك الراحل الحسن الثاني:  Le Règne de Hassan II (1961-1999). Une espérance brisée 

في الكتاب يُظهر إنياس دال كيف خاب أمل المغاربة على مدى أربعة عقود. ويعرض للتحديات الجسيمة التي يواجهها عهد محمد السادس.

هل تأثر إنياس دال بشكل ما بآراء زميله المغربي في الوكالة عبد الفتاح فاكهاني، أثناء إعداده لكتابه عن الحسن الثاني؟

(النقطة المثيرة بالنسبة لي في هذه الحكاية، هي أن أن إنياس دال أشار في كتابه الصادر سنة 2001 بباريس، إلى اسمي المتواضع خلال معرض حديثه عن الوسط الثقافي والإعلامي بالمغرب).

 جعفر محمد – أسطورة منسية؟

 من يظهر واقفًا في “أقصى اليسار”… وصفه بوعزة التايك، معلقًا على الصورة عندما نشرها على صفحته بالفيس بوك عام 2014، بأن جعفر “أحد أساطير الحي الجامعي في السبعينيات”

لم يتسنَّ لي اللقاء بمحمد جعفر والتعرف عليه. ربما كان نصيبه أن يبقى مجرد همسة من زمن الحماس الجامعي الذي لم يُشَوَّه بلغة التسويات.

كان صديقه رؤوف فلاح يختصر اسم جعفر ويناديه باسم DJO. ومن سألتهم عن جعفر أحالوني على صداقته الخاصة مع الراحل فلاح. لذلك سيظل جعفر “أسطورة طلابية” لم يُكتب لها أن تُرى. ولعله يشبه يساريين آخرين، ممن آلمهم تحطم الحلم، فاختاروا الانعزال عن كل ما يذكرهم بذاك الزمن.

المعلومات الشحيحية التي توصلت إليها، هي أن محمد جعفر من أبناء الحي المحمدي في الدار البيضاء. ارتبط اسمه بـ”الجبهويين” داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. في مرحلة الاعتقالات الأولى، بداية السبعينيات، كان قدره أن يُزج به في زنازين التحقيق، لكن الحظ حالفه ليصبح من “المحظوظين القلائل” الذين خرجوا سالمين، دون متابعتهم أمام المحكمة، ودون أن تطالهم الأحكام القاسية التي نالها رفاقهم.

بعد الإفراج، لم تنطفئ حماسته دفعة واحدة؛ بل حوّل نشاطه إلى العمل النقابي في صفوف الجامعة الوطنية للتعليم (UMT) تحت قيادة حسن بنعدي. لكن هذا الانخراط لم يدم طويلاً... شيئًا فشيئاً، توارى محمد جعفر عن الأنظار، واختار الانسحاب التام لمتابعة “أموره الخاصة” ووظيفته في التعليم بمدينة سطات. لا يمكن تفسير هذا الانسحاب بـ”الهروب الفردي”، لعله يعكس مسار جماعة كاملة من المناضلين الذين أداروا ظهورهم للعمل العلني، بعد أن علمتهم نار التجربة أن للحياة هدوءاً آخر يستحق العيش.

 

 

 

بريق ذكرى مندثرة:

كان الصديق رؤوف فلاح، بالنسبة لي، شاهدًا موثوقًا على المرحلة، يراقب تغيّرات المشهد السياسي دون ضجيج

اليوم، ومع توالي الرحيل والغياب، يبقى حسن بنعدي في اعتقادي هو من يجسد استمرار الصلة بتلك الحقبة الثرية والمضطربة. وإن كانت لقاءاتنا متباعدة، فما زالت علاقتي الإنسانية على عهدها مع حسن بنعدي منذ التقينا في الثمانينيات، برفقة المرحومين عبد الله الستوكي والدكتور عبد اللطيف المنصوري، وآخرين أعتذر الآن عن عدم تذكر أسمائهم.

تجمعنا العلاقة الودية مع أصدقاء مشتركين، مثل الناشر والإعلامي محمد عبد الرحمان برادة، والكاتب والصحفي عبد الصمد محيي الدين، والصحفي والكاتب محمد جبريل (المحرر البارز بمجلة “لاماليف” المأسوف عليها).

 ومحمد السباعي، أول مراسل من المغرب لمجلة “جون أفريك” عند انطلاقتها الأولى في السيتينيات من العاصمة الإيطالية. قبل تقاعده بعقود تحول محمد السباعي من صحفي مهني إلى خبير رائد في مجال المطاعم المتخصصة في تقديم وجبات المطبخ المغربي.

 والكاتب والأديب مولاي إدريس العلوي المدغري.. الوزير السابق وحفيد العالم الجليل محمد بلعربي العلوي، ذلكم السلفي التحرري الملقب بـ “شيخ الإسلام”، الذي ترأس، بحضور المهدي بن بركة، المؤتمر التأسيسي لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959.

شارك هذا الموضوع

عبد الرحيم التوراني

صحفي وكاتب مغربي، رئيس تحرير موقع السؤال الآن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!