حين تخلُق الكتابة الأعداء.. حالات مغربية

عبد القادر بوعنان
في حوار سابق أجرته إحدى الجرائد مع الروائي المعروف فؤاد العروي، بخصوص الكاتب والكتابة، قال إن الكاتب المغربي بمثابة بطل. وفسّر قوله ذاك بأن الكاتب في أوربا ينحصر دوره في الكتابة فقط، بينما يتكلف الآخرون بباقي العملية، في حين يقع على كاهل الكاتب المغربي القيام بكل شيء، أي الكتابة وشراء المراجع، والتنقل إلى المطبعة، وتحمل تكاليف النشر والتوزيع، والتعريف بعمله لدى الصحافة، مما يرهق طاقته كثيرا.. كل ذلك في مناخ لا يقرأ وفي ظل سياسة لا تشجع الإقبال على الثقافة.
ولو أضفنا إلى كل هذا محاولات البعض لتكسير الكاتب معنويا، بالغمز واللمز.. لقُلنا، مع فؤاد العروي، إن الكاتب المغربي هو في الواقع أكثر من بطل.
من الأمثلة عن ذلك ما حدث يوم 26 شتنبر 2025، حين نشر الباحث أحمد لعيوني مقالة بموقع “السؤال الآن” تحت عنوان: “عندما يخرج النقاش عن السيطرة”، وهو مقال يحكي فيه الكاتب ما تعرض له من إهانات لفظية أمام الملأ من طرف نقابي سابق في قطاع التعليم.. وقد فصّل هذا المقال ما حدث في مقهى من مقاهي مدينة ابن أحمد بعدما تحول نقاش بسيط، حول موضوع مدارس الريادة إلى صياح وصراخ وألفاظ نابية.
بيت القصيد هو أن بعض المواقف لا تنم عن عفوية أو تلقائية، وإنما هي طريقة ملتوية يستعملها البعض لتصفية حسابات دفينة وقديمة، مع أشخاص يكرهونهم في الأصل بدون أي سبب. إنما الغريب أن هذه الكراهية المرضية لا تقوم على أساس. إذ كيف يعادي شخص شخصا لمجرد أن اسمه برز ككاتب في مجال معين وفي منطقة معينة؟ هذا هو السؤال.
وقد ظهر الأمر تدريجيا، منذ سنوات، حين انطلق الباحث أحمد لعيوني في الكتابة والتأليف عن مدينته ابن أحمد، في إطار مستقل وتطوعي، ثم خاصة حينما أصدر عدة كتب حققت نجاحا ورواجا في المكتبات المغربية. فضلا عن لقاءات منظمة ساهم فيها بمداخلات متميزة.
ما حدث للباحث أحمد لعيوني حدث أيضا بأشكال مختلفة للباحث المصطفى اجْماهْري، والروائي الحبيب الدايم ربي، والناقد صدوق نور الدين.
فالباحث المصطفى اجماهري، ناشر “دفاتر الجديدة”، حظي يوم السبت 21 يونيو 2025، بتكريم مُستحق من طرف جمعية دكالة بالجديدة، شاركتْ فيه الوزيرة نزهة الصقلي، والسوسيولوجية سمية نعمان كسوس، وفعاليات من المجتمع المدني المحلي والجهوي، ومباشرة بعد انتهاء هذا الحفل سلط موظف محلي في صفحته الفيسبوكية كلاما حقودا ضد الباحث، حتى دون الإشارة لاسمه، بينما تكلف صديقه، مراسل إحدى الجرائد، بإكمال المهمة ذاكرا الأسماء ومورطا جريدته في مراسلة كاذبة، أكل فيها الثوم بفم غيره. بمعنى أن حقد الاثنين لم يحترم حتى المناسبة الاجتماعية والإنسانية (أي مناسبة التكريم والتقدير). ويبقى السؤال الحاسم: ما الأجدر بأن يُسلط عليه الضوء: هل حفل تكريم باحث مرموق، خدم مدينته وبلده، أم عبارة مفككة في صفحة فيسبوكية لا يقرأها أحد.
قبل ذلك أصدر الدكتور الحبيب الدايم ربي، ضمن مؤلفاته العديدة، الكتاب الأول والوحيد عن مدينته تحت عنوان “سيدي بنور الإنسان والمجال”. وقبل بدء العمل، ونظرا لانعدام الكتابات في الموضوع، سأل الكاتب كل من يملك معطى تاريخيا أو مرجعا أو وثيقة أن يمده بها.. وبعد سنة من البحث حينما صدر العمل ظهر هناك من يقول له: لقد نسيت كذا وأهملت كذا.. ولم يُستقبل الكتاب، وهو الأول والوحيد من نوعه في مدينته، بما يليق به من تقدير وإقبال. بل صدر العمل في ظل لامبالاة كاملة بمجهودات باحث مستقل، يصرف من إمكانياته المحدودة خدمة لمصلحة عامة.
وفي وقت سابق كتب الناقد صدوق نورالدين مقالة عبر فيها عن رأيه في الإنتاج الأدبي المغربي بين الأمس واليوم، فرد عليه أحدهم في صفحته بأن صدوق غير مطلع على الجديد في المغرب، وأن اهتمامه ظل محصورا في الإنتاج الأدبي المشرقي.
وخلاصة القول، إن الانطلاق من مواقف حقودة يظهر في ردود أفعال أصحابها.. لأن الفرق بين النقاش العلمي والتهجم واضح ولا غبار عليه.. فالنقاش العلمي يُبنى على إنجاز دراسات موثقة، وليس كذبا يطلق في الفيسبوك من طرف فاشلين يبحثون عن البروز على ظهر الآخرين. وكان الروائي إدريس الشرايبي يقول عن جان ديجو “لقد عاش طويلا على ظهري”. فالرأي حر ومن لم يتفق مع رأي أو كتابة من حقه التعبير عن ذلك بالوثائق والمراجع، وليس بالكلام على عواهنه في مقهى أو في صفحة فيسبوكية، يُطلق صاحبها النار مجانا على كل من يتحرك.