“خطة ترامب”: ما الذي تعنيه بنود اتفاقية السلام بالنسبة لروسيا؟

“خطة ترامب”: ما الذي تعنيه بنود اتفاقية السلام بالنسبة لروسيا؟

د. زياد منصور

        ما الذي تعنيه هذه الوثيقة بالنسبة لنظام كييف، وبالنسبة لحزب الحرب في أوروبا، وهل هذه الخطة تناسب روسيا؟

بدأت وسائل الإعلام الأوكرانية في نشر بنود ما يُفترض أنه خطة سلام أعدّتها إدارة الرئيس الأمريكي لتسوية النزاع. وإليكم التفاصيل بالترتيب:

القضايا الإقليمية

يُعترف بشبه جزيرة القرم وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك فعلياً كأراضٍ روسية. أمّا خيرسون وزابوروجيا فـيجمَّد الوضع على خط التماس. وتتحول أجزاء من المناطق إلى منطقة عازلة منزوعة السلاح، تكون عملياً تحت سيطرة روسيا. ويلتزم الطرفان بعدم تغيير الحدود بالقوة.

الترتيبات العسكرية

لا ينشر حلف الناتو قواته في أوكرانيا. وتتمركز مقاتلات الناتو في بولندا. كما تُنصّ الوثيقة على حوار حول قضايا الأمن بين الولايات المتحدة والناتو وروسيا، وعلى إنشاء مجموعة عمل أمريكية–روسية. وتُقرّ روسيا قانونياً سياسة عدم الاعتداء على أوكرانيا وأوروبا.

الشق الاقتصادي وإعادة إعمار أوكرانيا

تُطلق الولايات المتحدة وأوروبا حزمة استثمارية واسعة لإعادة إعمار أوكرانيا. ويُخصَّص مبلغ 100 مليار دولار من الأصول الروسية المجمّدة لإعادة الإعمار، على أن تحصل الولايات المتحدة على 50% من الأرباح، بينما تضيف أوروبا 100 مليار أخرى. أما بقية الأصول الروسية المجمّدة فيُفترض استخدامها لمشاريع أمريكية–روسية مشتركة. ويتم إنشاء «صندوق تنمية أوكرانيا» لتنظيم الاستثمارات في البنى التحتية والموارد والتقنيات.

روسيا في النظام العالمي

يُنفَّذ رفع تدريجي للعقوبات، وتعود روسيا إلى مجموعة الثماني، ويُستأنف التعاون الاقتصادي طويل الأمد بين الولايات المتحدة وروسيا.

التنفيذ والرقابة

يحمل الاتفاق طابعًا قانونيًا مُلزِمًا. ويشرف على تنفيذه ما يُسمّى بـ«مجلس السلام» برئاسة دونالد ترامب. وستؤدي أيّ مخالفة للاتفاق إلى فرض عقوبات. وبعد توقيع الوثيقة يُتوقّع وقفٌ فوري لإطلاق النار وسحب القوات إلى مواقع يُتفق عليها.

 بداية من غير المعروف من أين ظهرت هذه البنود. والسؤال الأهم: هل هي بالفعل «خطة ترامب» أم مجرّد تسريب آخر؟ وما الذي يتضمّنه «البرنامج» في الواقع؟

الحقيقة

لنبدأ بأن «خطة ترامب» الحقيقية لم تُنشَر حتى الآن في أي مكان، وما يُعرَف عنها قليل للغاية. ولم تظهر سوى بعض النقاط من أصل 28 بندًا بحسب موقع أكسيوس خلال الأيام الماضية في الصحافة الغربية.

فصحيفة وول ستريت جورنال نشرت مجموعة من البنود المفترضة، منها: الاعتراف الفعلي بأن دونباس أرض روسية، مع تخلّي أوكرانيا لعدة سنوات عن الانضمام إلى الناتو، وتخفيض قوام القوات المسلحة الأوكرانية إلى 400 ألف جندي، وتخلّي أوكرانيا عن الصواريخ القادرة على بلوغ موسكو. كما لن تُنشر قوات حفظ سلام دولية على أراضيها.

وتشير ذي تلغراف إلى نقطة أخرى مثيرة للاهتمام: الحديث يدور عن صيغة «المال مقابل الأرض». أي إن روسيا ستكون مطالبة بدفع نوع من «الإيجار» لأوكرانيا مقابل استخدام الأراضي.

وكما يتضح، فإن الخطة المنشورة في وسائل الإعلام الأوكرانية تتوافق في مجملها مع المعلومات الواردة في التسريبات الغربية. ومع ذلك، ينبغي الإشارة إلى أن ما يُسمّى «خطة ترامب» لا يتضمن شيئًا جديدًا جذريًا – فبعض بنودها نوقشت منذ الأيام الأولى لدخول ترامب البيت الأبيض. أما الآن فيجري الحديث عن توسعة وتحديد أكثر لهذه البنود، بينما تبقى الفكرة الأساسية كما هي. بذلك يمكن الافتراض أنّ هذا، في جوهره، هو ما تستعدّ الإدارة الأمريكية لطرحه – بل لفرضه – وفي المقام الأول على أوكرانيا. فزعيم النظام في كييف يرفض مناقشة القضايا الإقليمية رفضًا قاطعًا!

زيلينسكي في موقف حرج

الوضع بالنسبة لزيلينسكي تغيّر جذريًا في الأيام الأخيرة. فقد أصبح ملف الفساد الذي اجتاح أوكرانيا أداة ضغط فعّالة لا تُخطئ على نظام كييف. ومؤخرًا تبيّن أن اسم زيلينسكي نفسه أصبح واردًا في تحقيقات المكتب الوطني لمكافحة الفساد في أوكرانيا (نابو) ضد«محفظته المالية» تيمور مينديتش. وذكر محقق “نابو”رسلان ماغومدراسولوف أن تيمور مينديتش لم يكن المستفيد الرئيسي من مخططات الفساد في قطاعَي الطاقة والدفاع. ولذلك، ليس من الصعب استنتاج أن الخانة الشاغرة يمكن ملؤها بأي اسم، بما في ذلك اسم رئيس «الكليبتوقراطية» (مجموعة اللصوص” الأوكرانية نفسه، إذا استمرّ في المقاومة.

الوضع خطير للغاية بالفعل، ومن المستبعد أن تتمكن أوروبا — التي أصبحت بعد ابتعاد الولايات المتحدة فعليًا الداعم الرئيسي لزيلينسكي، والتي بدا حتى وقت قريب أنها مستعدة للتشبث به حتى النهاية — من إنقاذه الآن. وكما كتبت بعض الصحف، فإن فضيحة الفساد ستؤدي حتمًا إلى إجراءات من جانب الدول الأوروبية ضد كييف. ويؤكد كُتّاب واعلاميين أنَّ الحلفاء الأوروبيين لأوكرانيا يدرسون سيناريوهين محتملين: الأول — وهو الأقل حدّة — يقضي باعتقال الشخصيات الكبرى المتورطة في الفضيحة، أما الثاني، الأكثر صرامة، فقد يؤدي إلى إقالة رئيس مكتب الرئاسة أندريه يرماك.

هل زيلينسكي مستعد للتضحية بيَرماك وبغيره من المقرّبين؟ على الأرجح — لا، لأن “التضامن الداخلي” في دائرة السلطة لن يسمح بذلك: فالأصدقاء السابقون الذين يُقال لهم «أُقيلوا» أو يُعتقلون قد يكشفون معلومات «زائدة». وفي هذا الوضع سيكون من الأسهل على زيلينسكي قبول شروط ترامب بشأن الاتفاقية السلمية. فهذا أكثر أمانًا. لا سيما أنّ الانطباع السائد هو أن ترامب قد أخذ الأمر على محمل الجدّ، وينوي – لأول مرة منذ زمن طويل- المضي فيه حتى النهاية. فهذا لم يعد تحذيرًا، بل إنذارًا نهائيًا.

وبذلك، فقد ارتفعت فرص ترامب في «إخضاع» كييف خلال الأيام الأخيرة بشكل كبير. ولكن ماذا عن موسكو؟

بالنسبة لروسيا، فهذا غير مقبول

لنعد إلى البنود المنشورة من هذه الخطة. فقد صرّح المسؤولون الروس مرارًا بأن العملية العسكرية الخاصة لن تنتهي من دون حلّ المسألة الإقليمية. أي إن روسيا لن توافق على ما هو أقلّ من «تحرير كامل أراضيها الدستورية». وما سوى ذلك لا معنى لمناقشته.

لكن لنحاول تحليل التفاصيل. ماذا يعني «الاعتراف بحكم الأمر الواقع»؟ أي أنه لن يحدث اعتراف فعلي لا من جانب أوكرانيا ولا من الغرب، وهو ما يعني أن اقتصاد المناطق لن يُدمَج في النظام الدولي، وأن جوازات السفر الروسية لسكان المناطق الجديدة لن تُعترف بها. وعلى الرغم من الرفع الشكلي للعقوبات عن روسيا، فإن جزءًا من أراضيها سيظلّ في عزلة.

هذا دون الحديث عن أنّ كييف ستحتفظ بإمكانية قانونية لمحاولة استعادة الأراضي المفقودة في المستقبل. وفوق ذلك، وبحسب” ذي تيليغراف”، يجب على روسيا أن تدفع مقابل ذلك أيضًا.

نعم، وفقًا لتسريبات وسائل الإعلام الأوكرانية، سيتعيّن على روسيا أن تتحمّل جزئيًا تكاليف إعادة إعمار أوكرانيا. غير أنّه لا في هذه البنود ولا في البنود الأمريكية كلمة واحدة عن نزع النازية، أو تغيير النظام، أو غيرها من مطالب موسكو. ومع أنّ القيادة الروسية تؤكد أن أهداف العملية العسكرية الخاصة تشمل نزع النازية وإزالة الأسباب الجذرية للصراع.

أمّا بخصوص نزع السلاح، فهذا مصطلح فضفاض للغاية، ولا يعني بأي شكل  انعدام إمكانية انضمام أوكرانيا إلى الناتو «بعد عدة سنوات»، كما تزعم «وول ستريت جورنال» أما تخفيض القوات المسلحة الأوكرانية إلى 400 ألف — فهو أمر غير معقول إطلاقًا: فهذا العدد يفوق ما تمتلكه جيوشا ألمانيا وفرنسا مجتمعتين، ويعادل ضعف ما كان لدى أوكرانيا قبل الحرب! ويُذكر أنّ الحديث يدور فقط عن القوات المسلحة الأوكرانية، دون احتساب التشكيلات شبه العسكرية الأخرى.

ما الهدف من هذه الخطة؟

في الواقع، الحديث يدور عن «صياغة جديدة» لما تم اقتراحه مرارًا من قبل كـ« حبّة مرّة» ينبغي على الجميع تجرّعها. لم يعد واشنطن تُصرّ على وقف القتال عند خط التماس، ربما لأن معركة دونباس باتت على وشك الحسم، ولا يمكن تغيير ذلك بأي شكل من الأشكال.

لنقيم الأمور بشكل منطقي، سيقال للروس: القوات المسلحة الأوكرانية تخرج من دونباس — أليس هذا ما كنتم ترغبون فيه؟ وفي المقابل يُعرض على موسكو القيام بنفس الشيء. صرّح وزير الخارجية الأمريكي روبيو بأن على الطرفين «تقديم تنازلات صعبة لكنها ضرورية»، أي أن الأراضي ستصبح منزوعة السلاح وقد تتحول في أي وقت مرة أخرى إلى ساحة قتال.

أما بالنسبة لبقية المناطق: حول محافظات دنيبروبتروفسك، وسومى، وخاركوف (مثل كوبْيانسك، التي تم تحريرها مؤخرًا بعد معارك طويلة) لم تذكر بنود «وول ستريت جورنال» أي شيء، وفي منشورات وسائل الإعلام الأوكرانية هناك فقط صياغة غامضة عن «منطقة عازلة منزوعة السلاح»، يمكن أن يوضع الكثير من الأسطر تحت هذه العبارة.

ماذا يعني «خطة ترامب» أمام حزب الحرب؟

بعد الأحداث في غزة، يبدو مصطلح «مجلس السلام» برئاسة ترامب ساخرًا. فقد مررنا بهذا من قبل. بالطبع، الفرص التي يمتلكها زيلينسكي للحكم الذاتي أقلّ من تلك التي لدى نتنياهو، لكن الجوهر يبقى نفسه: الأمر يتعلق بالحفاظ على نظام عدائي تجاه روسيا في كييف، سواء بقي زيلينسكي، أو زالوجني، أو أي شخص آخر. وهذا يتعارض تمامًا مع أهداف العملية العسكرية الخاصة.

حزب الحرب في أوروبا

لن يختفي «حزب الحرب» في أوروبا — فهناك الكثير من المراهنات على هزيمة روسيا. لن يهدأ، فدائمًا يتم الإعلان عن ميزانيات جديدة لمواجهة روسيا عسكريًا، وليس بالضرورة في أوكرانيا فقط، فقد تُستهدف نقاط ضغط أخرى.

من الواضح أن ترامب لا يكترث لكل هذا: اهتمامه منصب فقط على انتصاره السياسي الشخصي — إنهاء «الحرب الرئيسية» في مسيرته وضمان هدنة على الأقل مؤقتة حتى الانتخابات النصفية للكونغرس، والأفضل حتى الانتخابات الرئاسية القادمة. بعد ذلك — تصبح مشكلة الرئيس التالي.

أما بالنسبة لزيلينسكي، فالأهم هو البقاء حيًا وفي أمان، وأقصى ما يطمح إليه — الحفاظ على السلطة، حتى لو على أراضٍ محدودة.

بالنسبة للروس فلا يمكنهم الاكتفاء بالصمت. هم بالطبع لا يريدون حربًا مؤجلة حتى أي انتخابات في الخارج. يجب تحقيق مهام وأهداف العملية العسكرية الخاصة بالكامل وبأسرع وقت ممكن — وإلا فإن الثمن لاحقًا سيكون أعلى بكثير.

أزمة تمويل ووضع القوات الأوكرانية

تعاني كييف حاليًا لأول مرة من نقص حاد في الأموال اللازمة لتمويل الجبهة الخلفية، بما يقارب 60 مليار دولار، وهو ما يجعل استمرار الحرب مستحيلًا دون هذا التمويل. يقترب موعد قرار الاتحاد الأوروبي بشأن الأصول الروسية المجمدة، والتي كان من المخطط استخدامها لدعم ميزانية أوكرانيا، إلا أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يفتقر إلى آلية قانونية للاستفادة منها، كما يواجه صعوبة في تحفيز السلطات البلجيكية على التخلي عن أحد أهم مصادر دخلها. في الوقت نفسه، تتدهور حالة القوات المسلحة الأوكرانية بشكل ملموس، مع تزايد حالات الانشقاق، مما قد يؤدي إلى انسحاب وحدات كاملة من الجبهات، بينما يستمر ضعف النظام الداخلي للسلطة بسبب فضائح الفساد، دون أن يؤثر ذلك مباشرة على موقف زيلينسكي.

خيارات سياسية وضغوط أمريكية وأوروبية

في ظل هذه الظروف، تزداد احتمالات قبول كييف القسري للخطة الروسية–الأمريكية للخروج من الأزمة، رغم أن النتيجة غير مضمونة. يمكن للحكومة الأوكرانية العثور على التمويل أو تخفيض سن التجنيد لمحاولة عرقلة تنفيذ خطة السلام، كما تنصح وسائل الإعلام البريطانية، لكسب الوقت للبحث عن حلول مقبولة. ومن جهة أخرى، لا يمكن للغرب وأوروبا رفض الخطة تمامًا خوفًا من غضب ترامب، الذي أوقف الدعم المالي لأوكرانيا وتحول لتجارة الأسلحة مع أوروبا. وفي حال رفض كييف للخطة، قد يمتنع ترامب عن تقديم الدعم الاستخباراتي للقوات الأوكرانية، مما يجعل أوكرانيا «عمياء» أمام الهجمات الروسية، وهو ما يجعل من دراسة تنفيذ الخطة مع إزالة البنود غير المقبولة خطوة منطقية للجانب الروسي.

شارك هذا الموضوع

د. زياد منصور

باحث في القضايا الروسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!