روسيا وإيران: تاريخ من التحالفات والصراعات (المقالة التاسعة)

روسيا وإيران: تاريخ من التحالفات والصراعات (المقالة التاسعة)

د. زياد أسعد منصور

معاهدة تركمانچاي وتداعياتها على إيران وروسيا

       نصَّت المادة السادسة من معاهدة تركمانچاي الموقعة عام 1828 على إلزام البلاط الصفوي الإيراني بدفع غرامة مالية (تعويض حربي) لروسيا قدرها عشرة كورورات تومانات، أي ما يعادل عشرين مليون روبل فضيٍّ. وقد تمَّ الاعتراف بـعباس ميرزا وريثًا شرعيًّا للعرش الإيراني. كما ألزمت المعاهدة إيران بإعادة جميع أسرى الحرب الروس، ومنحت روسيا امتيازات تجارية واسعة داخل الأراضي الإيرانية.

ونصّت المعاهدة كذلك على العفو العام لجميع سكّان أذربيجان الإيرانية الذين تعاونوا مع القوات الروسية أثناء احتلال الإقليم، كما ضمنت حرية تنقُّل السكان بين إيران وروسيا خلال فترة عامٍ كامل.

وفي اليوم ذاته، تمّ توقيع اتفاقية تجارية مكمِّلة تتكوَّن من تسع مواد، والتي طوّرت أحكام المادة العاشرة من معاهدة تركمانچاي، تحت عنوان: “اتفاق بشأن التجارة بين الرعايا الروس والفرس”. وقد منح هذا الاتفاق لروسيا حق الامتياز القنصلي، والولاية القضائية على رعاياها داخل إيران، ومنحهم الحق في الإكستريتورالية (Extraterritoriality) أي عدم الخضوع للقوانين أو المحاكم الإيرانية، بالإضافة إلى عدد من الامتيازات التجارية والضريبية.

تُعَدّ هذه المعاهدة من أوائل المعاهدات غير المتكافئة التي فُرضت على إيران من قِبل الدول الأوروبية، وأسّست لما يُعرف لاحقًا بنظام الامتيازات الأجنبية أو الامتيازات القنصلية داخل الدولة.

ساهمت معاهدة تركمانچاي في وضع أسس جديدة للعلاقات الروسية–الإيرانية، وأدّت إلى إنهاء الحروب الروسية–الإيرانية، كما أقرّت بتخلّي إيران عن مطالبها التاريخية في جورجيا، أرمينيا، وسائر الخانات في القوقاز الجنوبي.

أدّى انضمام هذه المناطق إلى روسيا إلى وقف الغزوات المدمّرة من العثمانيين والفرس، وأسهم في تهدئة الصراعات الداخلية بين الخانات المحلية، وأتاح فرصة لتعزيز الروابط الاقتصادية والسياسية والثقافية مع الدولة الروسية.

لكنّ الأضرار التي لحقت بإيران جرّاء هذه الحرب كانت جسيمة. فمن أجل سداد الغرامة التي نصّت عليها المعاهدة، فُرضت في إيران ضرائب استثنائية، رافقتها تجاوزات من قبل السلطات الشاهنشاهية، مما زاد من نقمة الشعب الذي كان يعاني أساسًا من الاستغلال والحرمان.

وقد وجّهت الجماهير الإيرانية سخطها وغضبها ليس فقط تجاه النظام الحاكم، بل أيضًا نحو روسيا نفسها. وساهم المقرّبون من الشاه وكذلك رجال الدين الشيعة في نشر دعاية معادية لروسيا، وحشدوا الرأي العام ضد وجودها ونفوذها المتزايد.

في نيسان من عام 1828، عُيِّن ألكسندر سيرغييفيتش غريبويدوف (Alexander Griboyedov) وزيرًا مفوّضًا (وزيرًا مقيمًا) لروسيا في إيران، وكُلِّف بمتابعة تنفيذ بنود المعاهدة وضمان دفع التعويضات.

وكانت القضايا الأكثر حساسية تتمثَّل في: دفع الغرامة المالية؛ معاملة السكان المسيحيين في إيران؛ إعادة الأسرى الروس ومواطني روسيا الذين اختُطفوا سابقًا إلى داخل إيران.

اقترح عباس ميرزا على الروس الانسحاب من أذربيجان الإيرانية كشرط مسبق للتمكّن من دفع الغرامة. فوافق القائد الروسي إيفان باسكيفيتش (Ivan Paskevich) على سحب القوات مقابل سداد جزء من المبلغ (ما يعادل سبعة كورورات). وقد دفع عباس ميرزا ستة كورورات تومانات، فيما تعهّدت بريطانيا بدفع نصف كورور، أما الباقي فتم جمعه من سكان أذربيجان نفسها. وعلى إثر ذلك، انسحبت القوات الروسية من الإقليم.

ورغم تعهّد السلطات الإيرانية بالعفو عن المتعاونين مع الروس، بدأت موجة من الاضطهادات بعد انسحاب الجيش الروسي. فقد تعرّض الكثيرون للاعتقال، وصودرت ممتلكاتهم، وتعرّض بعضهم للرجم أو التنكيل في الشوارع. كما رفضت إيران إطلاق سراح الأسرى الروس الذين كان يُعامَلون كعبيد.

واجه غريبويدوف صعوبات بالغة في فرض احترام شروط معاهدة تركمانچاي. وقد عبّر عن قلقه من الضغط الزائد على إيران في ظل تدهور أوضاعها المالية، خاصة وأن روسيا كانت في ذلك الوقت على أعتاب صراع مع الدولة العثمانية. ومع ذلك، أصرّت وزارة الخارجية الروسية على التمسّك الصارم بجميع بنود الاتفاق، ممّا دفع غريبويدوف إلى اتّباع نهج حازم في مفاوضاته مع الشاه.

 اغتيال غريبويدوف وتصاعد التوتُّر في العلاقات الروسية–الإيرانية

تجمَّع معارضو روسيا في إيران حول صدر الأعظم ألّا يار خان (Allahyar Khan) ورجال الدين الشيعة المتشدِّدين، الذين كانوا الأكثر عداءً للوجود الروسي. وكان هذا التصعيد في المشاعر المعادية لروسيا يصبّ في مصلحة البريطانيين، الذين استغلّوا الموقف لتقويض النفوذ الروسي في المنطقة. ومع تصاعد التحريض، انتشرت دعاية مناهضة لروسيا في جميع أنحاء البلاد، سواء عبر المساجد أو الأسواق.

في هذا السياق، سافر ألكسندر سيرغييفيتش غريبويدوف، الوزير المفوَّض الروسي، إلى طهران، على أمل التوصُّل إلى تفاهم مع الشاه الإيراني حول تنفيذ بنود معاهدة تركمانچاي . وقد أصدر الشاه فرمانًا ملكيًّا يَنُصّ على عدم التعرُّض للتجّار والصنّاع الرُّوس في إيران، كما أَصدر فرمانًا آخر يُلزم السُّلطات الإيرانية بإعادة الأسرى الروس ودفع ما تبقّى من التعويضات المالية المفروضة على الدولة.

كانت البعثة الروسية تستعد لمغادرة طهران إلى تبريز، إلا أن الأمور تعقّدت عندما لجأ إلى الحماية الروسية أحد خصيان الحريم الملكي، وهو ميرزا يعقوب ماركاريان —أمين خزينة الشاه وحارس جواهره الثمينة، إذ كان يرغب في العودة إلى مسقط رأسه في يريفان، وقد عبّر عن رغبته في العودة إلى موطنه الأصلي، الذي كان تحت السيادة الروسية.

اعترض الشاه على طلبه، واتهمه بسرقة خزينة الدولة، فأُحيلت قضيّته إلى محكمة شرعية دينية. ازدادت نقمة السلطات على غريبويدوف، بعدما منح الحماية أيضًا لامرأتين أرمنيّتين من حريم ألّا يار خان، كانتا قد طلبتا اللجوء إلى روسيا. وقد رأى غريبويدوف أن من حقّهما، بموجب المادة الثالثة عشرة من معاهدة تركمانچاي، العودة إلى ديارهما في القوقاز الخاضع لروسيا.

فتوى بقتل أفراد البعثة الروسية

استشاط الشاه غضبًا من تصرّف المبعوث الروسي، وعمليًّا أعطى الضوء الأخضر للهجوم على البعثة. قام رجال الدين الشيعة بإصدار فتوى تُجيز قتل أفراد البعثة الروسية، وتمّ التحريض على العصيان من خلال خطب في المساجد ونداءات في الأسواق، حيث وُصف غريبويدوف بأنه يُخالف الشريعة الإسلامية وينتهك أعراف البلاد.

في الثلاثين من كانون الثاني عام 1829، هاجمت جموع من المتعصبين والموتورين بقيادة عدد من رجال الدين الشيعة مقرّ البعثة الروسية في طهران. قُتل غريبويدوف وجميع أفراد البعثة، باستثناء السكرتير الروسي إيفان مالتسيف (Ivan Maltsev) الذي تمكّن من الفرار.

ورغم أن الشاه كان على علم مسبق بالهجوم المرتقَب، إلا أن الحرس الملكي لم يتدخّل إلا بعد فوات الأوان، حين كانت البعثة قد دُمِّرت تمامًا.

شكَّلت هذه المجزرة الدبلوماسية صدمة عنيفة في العلاقات الروسية–الإيرانية، وأجبرت روسيا على إعادة تقييم سياستها تجاه إيران. وبعد أن أدرك الشاه صعوبة تهدئة الموقف دبلوماسيًّا، بدأ بالتفاوض مع الدولة العثمانية لعقد تحالف عسكري ضد روسيا.

لكنّ موسكو، التي كانت آنذاك منشغلة بالحرب ضد العثمانيين، لم تكن راغبة في فتح جبهة جديدة، ولذلك اختارت تهدئة النزاع وعدم تصعيد الأمور، وبدأت خطوات لترميم العلاقات مع إيران دون اللجوء إلى التصعيد العسكري.

في رسالةٍ وجّهها القائد الروسي إيفان باسكيفيتش إلى وليّ العهد الإيراني عباس ميرزا، عُرض عليه أن يُرسل بعثة دبلوماسية إلى الإمبراطور الروسي نيقولا الأوّل للاعتذار وطلب “نسيان ما جرى”. وقدّمت روسيا هذا الاقتراح في سبيل تسوية سلمية تصبُّ في مصلحة كلا البلدين.

غير أنّ الشاه فتح علي شاه، وعباس ميرزا تردّدا في اتخاذ موقف حاسم، إذ كانت هناك فئة واسعة داخل إيران تؤيد خيار استئناف الحرب ضد روسيا بالتعاون مع الدولة العثمانية. ورغم هذا التردد، فقد أدرك عباس ميرزا أنّه لن يستطيع الاحتفاظ بمكانته كوريث للعرش، أو أن يُصبح شاهًا فعليًا في المستقبل، إلا بدعم روسيا، خصوصًا في ظلّ المعارضة الشديدة من جانب إخوته وبعض كبار القادة والفقهاء.

وقد وُجهت إلى عباس ميرزا، بصفته القائد الأعلى للجيش الإيراني خلال الحربين مع روسيا، تهمٌ بالإخفاق وسوء القيادة. لكن انتصار القوات الروسية على العثمانيين أنهى حالة التردد داخل الحكومة القاجارية، فأُرسل وفدٌ رسمي إلى سانت بطرسبرغ برئاسة نجل عباس ميرزا الأصغر خسرو ميرزا.

وفي السادس من نيسان عام 1829، بعث الشاه برسالة إلى الجنرال باسكيفيتش يطلب فيها المساعدة في “درء نتائج المصيبة التي ألمّت بوطننا… فذنب ما حصل وخطورته أمران لا غبار عليهما”

وقد قوبلت بعثة “الاعتذار” الإيرانية في سانت بطرسبرغ بترحيب رسمي إيجابي. وعيّنت روسيا مبعوثًا جديدًا لها إلى إيران، هو الأمير نيقولاي دولغوروكوف .

ويشير بعض المؤرخين الإيرانيين، عند تقييمهم للعلاقات الإيرانية-الروسية خلال الثلث الأول من القرن التاسع عشر، إلى ضعف إدراك الحكومة الإيرانية لقوة خصمها، إضافة إلى ثقتها المفرطة. فالبروفيسور الإيراني أحمد تاج بخش احمد تاج بخش) كتب أن الشاه “لم يستطع الإقرار بضعف إيران أمام روسيا، تلك التي هزمت فرنسا النابليونية، وظنّ، بناءً على وعود البريطانيين، أنه قادر على خوض حرب ضد روسيا”. وأضاف أن الشاه “بعد مقتل غريبويدوف رأى في موقف روسيا تهاونًا، وكان يفكر جديًا في شنّ حرب ثالثة ضدها”، إلا أنّه ختم قائلًا: “من حسن الحظ أن هذه الحرب لم تقع، وإلا لأفضت إلى فقدان إيران لكامل إقليم أذربيجان.

وهكذا بدأت مرحلة جديدة من العلاقات الروسية–الإيرانية. إذ وافقت الحكومة الروسية على تأجيل دفعات جديدة من التعويضات، وشرعت في تسوية عدد من القضايا الحدودية. فتمّ الاتفاق على وضع حدّ لبعض النزاعات الخاصة بإقامة بعض الخانات القوقازية خانات ما وراء القوقاز) سواء في روسيا أو إيران، وتنظيم تنقلات القبائل الرحّل بين أراضي الدولتين، وكذلك ترحيل بعض العائلات من المسلمين، الأرمن، والآشوريين من إيران إلى داخل الإمبراطورية الروسية، وبالعكس. وخلال عامي  1828-1829، انتقلت إلى روسيا حوالي ثمانية آلاف عائلة أرمنية.

لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ انتهاء الحرب الروسية–الإيرانية ترافق مع تصاعد الاضطهاد الديني ضد المسيحيين في إيران، خصوصًا في المناطق التي انضمت حديثًا إلى روسيا، مثل إقليم يرفان، والذي كان يقطنه عدد كبير من الأرمن والمسيحيين. وقد رغب كثير منهم في الهجرة إلى الأراضي الروسية، وهو ما كفلته معاهدة تركمانچاي، إلّا أنّ الحكومة الإيرانية حاولت إعاقة هذه الهجرة قدر المستطاع.

كما مثّلت القبائل الرحّل، وخاصة قبائل الشاهسِوَن (Shahsevan –،مصدر قلق دائم على الحدود الجديدة بين الدولتين، إذ كانت تنتقل بين سهول موغان (Mugan) وتخترق الحدود الروسية بنحو اثنتي عشرة ألف عائلة (12,000)، وتنقل معها الماشية، وتمارس التَّهريب، وتعتدي على القرى المستقرة بالسلب والنهب. وقد قدّمت الحكومة الروسية مرارًا احتجاجات إلى السلطات الإيرانية، مطالبة بإيجاد أراضٍ شتوية دائمة لهذه القبائل داخل إيران ومنعها من تجاوز الحدود، غير أنّ الحكومة الإيرانية كانت عاجزة عن السيطرة عليها.

وبالنظر إلى الظروف التاريخية المحيطة، فقد تمّ ضمّ القوقاز إلى روسيا من خلال طريقتين: الانضمام الطوعي من بعض الكيانات، والسياسة التوسعية للقيصرية الروسية، التي تصاعدت منذ أوائل القرن التاسع عشر. وقد أدّت الوسائل العنيفة المُستخدمة في إخضاع شعوب القوقاز إلى ظهور حركات مقاومة واسعة بين الجبليين (أهالي الجبال) ضد الوجود الروسي وضد الإقطاعيين المحليين المتحالفين معه.

المقاومة القوقازية ضد التوسع الروسي ودور الشيخ شامل (1834–1859)

في ظل تشابك المصالح الاجتماعية والقومية، برزت الروح الدينية المتشددة كعامل موحِّد لسكان الجبال في القوقاز، حيث اجتمعت مختلف شرائح المجتمع الجبلي في مقاومة التوسع الروسي. وقد بدأت أولى الانتفاضات المسلحة تحت راية المريدية (Muridism) عام 1824، ثم تحوّل هذا التيار إلى حركة جماهيرية واسعة النطاق ابتداءً من عام 1828، وبلغ ذروته في عهد قائده الشيخ شامل، الذي تميز بشخصية متعددة الأبعاد، جمع فيها بين المهارات العسكرية والحنكة السياسية، إلى جانب تعصّبه الديني.

استمرّت حركة الجبال بقيادة شامل لمدة خمسٍ وعشرين سنة (من عام 1834 حتى عام 1859) وشهدت مرحلتين رئيسيتين: مرحلة النهوض والنجاحات الكبرى (من عام 1834 إلى منتصف أربعينيات القرن التاسع عشر). ومرحلة التراجع والهزيمة النهائية (من النصف الثاني لأربعينيات القرن إلى عام 1859).

خلال الفترة الممتدة بين عامي 1840-1845، تمكّن شامل من كسب ولاء العديد من سكان داغستان والشيشان الغاضبين من السياسات الروسية، وحقق انتصارات متتالية ضد القوات الروسية. إلا أنّ الحركة بدأت بالتراجع اعتبارًا من منتصف الأربعينيات، حيث أخذ أتباعها يفقدون الثقة في قيادة شامل، وسعوا إلى تسوية سلمية تضعهم تحت سلطة الدولة الروسية.

وتؤكّد الوثائق الرسمية الروسية من تلك الفترة أنّ “الشيشانيين، المنهكين من القتال العقيم والحرمان، بدأوا يتوافدون بأسرهم إلى القوات الروسية، طالبين الخضوع والحماية من الحكومة الروسية”.

وبعد أن خسر شامل الدعم الشعبي، وفشل في تلقي أي دعم خارجي، دخلت حركته مرحلة الانهيار. فمع حلول عام  1858، كانت المنطقة السهلية من الشيشان قد انسحبت بالكامل من تحت سلطة شامل، وفي عام 1859 سقطت قلعة غونيب (Gunib)، آخر معاقل المقاومة، وأُسر شامل على يد القوات الروسية، وبذلك أُلحِقت الشيشان رسميًا بالإمبراطورية الروسية.

وهكذا، فقد كان ضمّ القوقاز إلى روسيا عملية معقدة ومتناقضة، جمعت بين الوسائل السلمية والعمليات العسكرية لإخضاع شعوب الجبال.

وكان آخر فصل في مسلسل التوسّع الروسي في القوقاز هو الحملة العسكرية في أيار- ماي عام 1864، حين أُخضعت قبائل الجبال في الساحل الشرقي للبحر الأسود.

وعلى الرغم من هذا الضمّ، لم تهدأ الأوضاع في منطقة ما وراء القوقاز، حيث كانت القبائل الجبلية تثير اضطرابات متكررة ضد الحكم الروسي، رافضةً الانصياع للسلطات. كما ساهمت التجارة غير المشروعة، وتجاوزات الحدود، والعلاقات مع السلطات العثمانية والإيرانية، في زعزعة الاستقرار الأمني في المنطقة.

وتكرّرت الصدامات الحدودية مع إيران، ومن أبرز الشواهد على ذلك الاجتماع السري الذي عُقد في 27آب عام 1908، برئاسة رئيس الوزراء الروسي بيوتر ستوليبين، لبحث سبل تنظيم الأوضاع على الحدود الروسية–الإيرانية في منطقة موغان.

وقد أقرّ الاجتماع بأنّ الحكومة القاجارية الإيرانية عاجزة عن ضبط قبائل الشاهسِوَن، التي كانت تخرق الحدود الروسية باستمرار. كما تقرّر ضرورة إعادة ترسيم الحدود بدقة أكبر في منطقة موغان، نظرًا لكون الحدود المُقررة في معاهدة تركمانچاي لم تكن تُحترم عمليًا. كما ناقش الاجتماع مسألة تعزيز الحراسة الحدودية.

الحدود الروسية–الإيرانية في منطقة موغان ومسائل الري قبل الحرب العالمية الأولى

أسفرت أعمال عددٍ من اللجان الحدودية عن تثبيت الحدود البرية بين روسيا وإيران بدقة نسبية، وخاصة في الجزء الغربي الذي يتبع الحواجز الطبيعية، وذلك حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى. ومع ذلك، بقيت المنطقة المجاورة لسهل موغان موضع شك بشأن تحديدها الميداني الدقيق.

وقد تسببت هذه المنطقة تحديدًا في خلافات دبلوماسية بين روسيا وإيران خلال الفترة  1912-1914، بسبب قضايا تتعلّق بمشروعات الري في الجزء الروسي من سهل موغان. ورغم المفاوضات، لم تُحقق الأطراف أي نتائج ملموسة، إذ لم يتم التوصل إلى اتفاق حول تعويضات إقليمية متبادلة نتيجة التنازلات التي كان من الممكن أن تُقدّم.

وكان من أبرز التحديات التي واجهت روسيا خلال فترة التوسّع والسيطرة في القوقاز هو العبء المالي والبشري الكبير. ففي نهاية القرن التاسع عشر، أقرّ الدبلوماسيون الروس العاملون في تلك المناطق بأنّ: “نحن لا نُمسك بالقوقاز إلا عبر حشد 150 ألف جندي، ونصف مليون من القوزاق، وذلك منذ ما يقارب 70 عامًا. (يتبع).

شارك هذا الموضوع

د. زياد منصور

باحث في القضايا الروسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!