عندما وصف تينيسي وليامز مهرجان “كان” بـ”فعالية مبتذلة وتجارية”

عندما وصف تينيسي وليامز مهرجان “كان” بـ”فعالية مبتذلة وتجارية”

رضا الأعرجي

الكاتب المسرحي الأمريكي تينيسي وليامز رئيس لجنة تحكيم مهرجان كان 1976:

“فسد المهرجان بسبب هيمنة المنتجين والموزعين وحديثهم عن المال وليس الجماليات”

            بمناسبة انعقاد الدورة الحالية الـ 78 لمهرجان كان السينمائي الفرنسي، نستذكر دورته التاسعة والعشرين التي أقيمت في الفترة من 13 إلى 28 مايو/ أيار 1976، في قصر المهرجانات المعروف باسم قصر كروازيت. كانت لجنة تحكيم المهرجان برئاسة الكاتب المسرحي الأمريكي الشهير تينسي وليامز، وضمت في عضويتها:

المخرج الفرنسي اليوناني ـ الروسي الأصل كوستا غافراس، المخرج المجري أندراس كوفاكس، الممثلة البريطانية شارلوت رامبلينغ، الشاعر والمسرحي اللبناني الفرانكفوني جورج شحادة، الرسام الأرمني- الفرنسي من أصل سوري جان كارزو، الكاتب والصحفي الإسباني لورينزو لوبيز سانشو، المنتج الإيطالي ماريو تشيكي جوري، الروائي البيروفي ماريو فارغاس يوسا.

مرّ تينيسي وليامز بوقت عصيب كرئيس للجنة تحكيم المهرجان الذي وصفه للصحافة الأمريكية لاحقاً: “فعالية مبتذلة وتجارية”. ومع ذلك، فهو كان يشاهد فيلمين يومياً، ويكرههما في الغالب.

قال، خلال غداء خاص قرب أنتيب: “أنا متعب للغاية من رئاستي للجنة التحكيم. وكوني شخصية عامة يُرهقني ويؤثر سلباً على عملي. هذه آخر مرة أتعرض فيها لمثل هذا الموقف. عمري الآن 65 عاماً“.

قالت رفيقته ومساعدته منذ فترة طويلة، ماريا سانت جوست، “لكن يا تينيسي، من المهم أن يظهر اسمك أمام الجمهور“.

مهم لعملي”؟

كلا”: “ليس من المهم بالنسبة لي أن أكون أمام الجمهور. المهم فقط أن يكون عملي أمام الجمهور“.

غادر وليامز فندق ماجستيك في كان، بعد إضراب عمال الفندق، الذي صعّب على الكاتب الإقامة. انتقل إلى فندق غراند دو كاب، المطل على البحر الأبيض المتوسط، بالقرب من أنتيب. وقد أدى هذا الانتقال إلى عزله فعلياً عن المهرجان وعن مسؤوليه، مع أنه يحرص على الحضور إلى المدينة كل ليلة لمشاهدة الفيلمين المخصصين للجنة التحكيم.

ساعدت العزلة وليامز إلى حد ما على الكتابة، وقد أنهى ما وصفه بعمل مسرحي جديد لكن الكتابة هنا، كما قال، كانت صعبة. فإلى جانب نفاد أوراق الطباعة ومشابك الورق، لا يستمتع بالأفلام والأجواء. كان يتجنب حفلات الكوكتيل، ويخشى أن يرفض المهرجان تحمّل تكاليف فندق دو كاب. كما كان يتجنب مئات الصحفيين ، والجمهور.

كان يتجنب أيضاً أعضاء لجنة التحكيم الثمانية الآخرين خلال جلسات المهرجان. قال: “أجلس في الصف الأخير، لا أريد أن يراقب أحد ردود أفعالي. عندما أصل إلى الفندق، أدوّن ملاحظاتي“.

كتب في ملاحظاته على فيلم شاهده، “رذيلة خاصة، فضيلة عامة”، وهو إنتاج يوغوسلافي إيطالي مشارك في المسابقة، “أفلام إباحية راقية. عمل شاق للممثلين”. أثناء الغداء، وبينما كان يرتشف نبيذاً أبيض ويزيل صلصة الكريمة عن سمكة مشوية، أضاف أن الفيلم “يشبه أفلام الدائرة الثامنة تماماً”. كان يقصد بذلك، الدائرة الثامنة، الواقعة على الضفة اليمنى لنهر السين، وتضم العديد من المواقع التاريخية المهمة، ومجموعة غنية ومتنوعة من المعالم الثقافية، وبعضاً من أرقى عناوين الفخامة لدور الأزياء.

من بين الأفلام السبعة التي شاهدها حتى الآن، قال وليامز إن الفيلم الإسباني “كريا كويرفوس” كان “حساساً وجديراً بالمشاهدة”. كما أعجبه فيلم مجري بعنوان “أين أنتِ يا مدام ديري؟”، ووصفه بأنه “قصة شاعرية للغاية”. أما بالنسبة لمعظم الأفلام، فقال: “لا أفهم كيف تم اختيارها. لقد فسد المهرجان. ليس من دواعي سروري المشاركة فيه“.

فتح وليامز غلافاً دعائياً لفيلم “الجثث الرائعة” الذي كان سيشاهده لاحقاَ في ذلك اليوم، وأشار إلى صورة رجل مُلقى في بركة من الدماء، وقال: “يا إلهي، سيشهد الفيلم الكثير من القتل وإطلاق النار”. وأضاف أن المنتجين يستخدمون حجة أنهم يحاولون توعية الجمهور بأن العنف شر كذريعة لإثارة الصدمة.

في تعليق جانبي، قال وليامز: إن أفضل فيلم شاهده على الإطلاق كان فيلم “ألكسندر نيفسكي” للمخرج آيزنشتاين، وإن أول أفلامه التي يتذكر مشاهدتها في شبابه كانت من بطولة فاتي أرباكل وتشارلي شابلن، وفيلم “ليدي سانت جوست”. وأعرب عن رأيه بأن مهرجان كان، بناءً على ما شاهدوه على الشاشة حتى الآن، أظهر “نقصاً كبيراً في فهم ما يريده الجمهور المثقف”. وأضاف أن معظم ما شاهده من غير المرجح أن يجذب الجمهور غير المثقف أيضاً.

قال وليامز إن فساد المهرجان كان بسبب تحوله التدريجي في السنوات الأخيرة إلى مكان يهيمن فيه المنتجون والموزعون على المشهد، ويتحدثون عن المال بدلاً من الجماليات. “حتى عندما أذهب للسباحة، كل ما أسمعه هو الحديث عن الصفقات“.

لماذا قبل رئاسة لجنة التحكيم؟

قال: “أرادني وكيل أعمالي، بيل بارنز، أن أفعل ذلك. كما أرادني أن أذهب إلى أستراليا لحضور افتتاح إحدى مسرحياتي. لذا قررتُ المشاركة في مهرجان كان.

لم تعجب آراء وليامز إدارة المهرجان، وأثارت الكثير من الاستياء. قال: “حسناً، لا يوجد ما هو أغرب من قول الحقيقة، أليس كذلك؟“.

تينيسي وليامز (26 مارس/ آذار 1911 – 25 فبراير/ شباط 1983)، الاسم المستعار لتوماس لانيير وليامز. كان واحداً من أهم كتاب المسرحيات الأمريكيين، إلى جانب معاصره آرثر ميلر. عاش لفترة طويلة في نيو أورليانز، حيث قام بتغيير اسمه من ولاية والده. كتب القصائد والقصص القصيرة والمسرحيات. فاز بجائزة بولتزر في عام 1948 عن مسرحيته “عربة اسمها الرغبة” وفي عام 1955 عن مسرحيته “القط المسعور”. وقد ترجمت أعماله إلى أكثر من 30 لغة، وتحظى عروضه بشعبية كبيرة في جميع أنحاء العالم.

في السادسة عشر من عمره فاز بجائزته الأولى عن مقالته “هل يمكن للزوجة الصالحة أن تكون رياضية جيدة؟”. درس الصحافة عام 1929 في جامعة ميسوري  ودراسات المسرح في جامعة واشنطن في سانت لويس، حيث عرضت أيضاً مسرحياته الأولى “شموع في الشمس” و”الهارب”. وأخيراً، في عام 1938 حصل على شهادته من جامعة أيوا.

انتقل وليامز إلى لويزيانا في عام 1939 وأقام لفترة في الحي الفرنسي في نيو أورليانز، حيث بدأ في كتابة رواية “عربة اسمها الرغبة” في عام 1947، والتي أنهى كتابتها فيما بعد في فلوريدا. حققت المسرحية نجاحاً كبيراً، حيث فازت بجائزة نقاد نيويورك وجائزة بولتزر. تم عرضها في نيويورك، بإخراج إيليا كازان، وبطولة مارلون براندو، كما تم تحويلها إلى فيلم في عام 1951، حيث فازت بطلته الممثلة فيفان لي بجائزة الأوسكار.

في عام 1947، التقى بالايطالي فرانك ميرلو ووقع في حبه حتى وفاته بالسرطان عام ١1963. وبينما كانا معاً، كتب “الوردة في الصندوق” (حُوِّلت أيضاً إلى فيلم من تمثيل آنا مانياني وبيرت لانكستر)، وهو عمله الوحيد الذي انتهى بنهاية سعيدة، بينما وازن ميرلو بين نوبات الاكتئاب التي عانى منها وليامز وخوفه من أن ينحدر إلى جنون العظمة، مثل أخته.

خلال فترة الخمسينات والستينات من القرن العشرين، واجه وليامز انتقادات لاذعة من بعض نقاد المسرح بسبب طريقة عيشه وتأكيده على ميوله المثلية، مما زاد من عزلته عن النقاد.

في 25 فبراير/شباط 1983، تم العثور على تينيسي وليامز ميتاً في غرفته المستأجرة في فندق إليسي بمدينة نيويورك، وكانت سدادة الفلين عالقة في حلقه. كان يتمنى حرق جثته ونثر رماده في خليج المكسيك، لكنه دفن في قطعة الأرض العائلية في سانت لويس.

الجدير بالذكر أن جائزة لجنة تحكيم المهرجان لذلك العام ذهبت إلى فيلم “سائق التاكسي” من أخراج مارتن سكورسيزي وتمثيل جودي فوستر وروبيرت دي نيرو.

شارك هذا الموضوع

رضا الأعرجي

صحفي وكاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!