عندما يُنجز ترامب في سبعة أيام.. ما فشلت فيه الحرب الباردة!

عندما يُنجز ترامب في سبعة أيام.. ما فشلت فيه الحرب الباردة!

عبد الرحيم التوراني

     طالعنا الخبر، خبر إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انطلاق أسبوع مناهضة الشيوعية، مغتنمًا الفرصة ليهاجم خصومه التقدميين، وعلى رأسهم عمدة نيويورك الجديد، زهران ممداني.

يرى ترامب أن الشيوعية “إحدى أكثر العقائد تدميراً”، وأن “أصواتاً جديدة تُردد اليوم أكاذيب قديمة، مُخفيةً إياها تحت عبارات مثل العدالة الاجتماعية أو الاشتراكية الديموقراطية“.

“أسبوع مناهضة الشيوعية” يضاعف اليقين.. بأن “ترامب” شخص غير متزن على الإطلاق. فحتى في أوج الحرب الباردة، لم يُجزم أي رئيس أمريكي بإمكانية القضاء على عقيدة كاملة في سبعة أيام!

تذكرت الكتيبات الشعبية التي كانت تباع على الرصيف، وتعد مقتنيها بـ “تعلم الإنجليزية في خمسة أيام”.. يبدو أن العبقري” ترامب اكتشف النسخة السياسية منها، ورفع سقف التحدي مُعلنًا  “تخلص من الشيوعية في سبعة أيام”..

حتمًا، ماكينة الإنجاز الأمريكية لا تعرف المستحيل، وربما سيصدر أبو إيفانكا كتابه الجديد، مقتبسا عنوانه من أحد كتب أديبنا الفرنكفوني الطاهر بنجلون، وسيكون هكذا: “الشيوعية كما شرحتها لابنتي إيفا… كيف تدمرها بـ 180 تغريدة ونظرة حاقدة”.

***

المصير المأساوي لزهران ممداني لن يكون عقابا بالإعدام، بل إن ترامب سيُجبره على ارتداء قبعة حمراء ضخمة مكتوب عليها “MAGA” بدلاً من النجمة الشيوعية، وسيُخصص له “يوم مناهضة العدالة الاجتماعية” ليضعه تحت المجهر.

لن يعيد ترامب عقارب الزمن للعهد المكارثي القديم، بل سيأتي بالمكارثية بنسختها الذهبية (Gold Edition)، ولن يكتفي بفرض كفاية، بل سيُعلنها حربا عالمية، مستعينا بـ “جماعة المنطق السليم” المتطرفة، التي حاصرت مبنى الكونغرس سابقا، في 2021.

إن هذا الرئيس الفتّان الذي يدافع عن الحريات يطلب من الجميع التخلّي عن حرياتهم والثقة بقوة الحكومة الأمريكية…

لا تستغربوا إن صدرت توجيهات تطالب المواطنين الأمريكيين بحمل صكوك ملكية (حتى لو كانت علبة سجائر مارلبورو ناقصة) إلى دور العبادة كدليل على الإيمان، والدعاء بهلاك من يخلط بين “العدالة الاجتماعية” و”المنطق السليم”.. فالرئيس هنا لا يدافع عن الإيمان، بل عن حرية الملكية الفردية المهددةّ!!!

عندما يختار ترامب ارتداء درع دون كيشوت وركوب حصانه الأعرج لقتال طواحين الهواء الرمزية، فإنه يؤكد للجميع أنه رئيس متوازن… بقدر توازن هرم مقلوب على رأسه، والهدف الحقيقي تحقق بالفعل.. إلهاء الجميع عن الواقع.

بالنسبة لمعظم الأمريكيين، هذا الإعلان مجرد ضجيج سياسي عابر، لكنه بالنسبة لسكان “مملكة التعليقات الفيسبوكية” عبر امتداد العالم السفلي.. هو بمثابة إطلاق صفارة إنذار لبدء المعركة الكبرى.

هنا، ينتقل المحللون الفسابكة بسلاسة مذهلة من نقاش “شرعية ركلة جزاء ضائعة”، والاختلاف مع تشكيلة المدرب وليد الركراكي لخوض نهائيات (الكان) المقبل في المغرب، أو نقاش هل يجوز الترحم على اليهودي المناضل سيون أسيدون والدعاء له بدخول الجنة… إلى تحليل “تداعيات إعلان أسبوع مناهضة الشيوعية على ميزان القوى العالمي”… وكل ذلك يتم بنفس الثقة، وبنفس سرعة صبيب الانترنيت وقوة الويفي.

أما عن صديق المغرب الذي أفضاله لا تُحصى، فستجد الولاء المطلق يحل محل التحليل، حيث يصبح “من قدم لنا فائدة سياسية، مقدسًا وممنوعًا من السخرية، حتى لو اخترع حربًا باردة جديدة”…

هكذا يتحوّل إعلان رمزي عابر، كان يمكن اختصاره في سطرين، إلى ساحة قتال رقمية طاحنة.. 

في انتظار إعلان من الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو اليونسكو، بتنظيم “قرن مناهضة العياشة وناشري الجهل الفيسبوكي”.

شارك هذا الموضوع

عبد الرحيم التوراني

صحفي وكاتب مغربي، رئيس تحرير موقع السؤال الآن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!