عَمُّكَ عَلِي

عَمُّكَ عَلِي

الأمين مشبال

             لا أعرف كيف خطر ببالي وأنا أقرأ أخبار مفادها حلول لجنة تفتيش في ملفات سوء تدبير  مالي بكلية الآداب بتطوان، وتقديم أستاذة بنفس الكلية لشكاية لوزير التعليم العالي ورئيس جامعة عبد المالك السعدي تتعلق بحصول طلبة على شهادة الإجازة في الأدب الفرنسي رغم عدم اجتيازهم لعدد من الوحدات الأساسية، التعبير التطواني البليغ: “عمك علي”، للدلالة على اللامبالاة وعدم الاستجابة لنداء أو طلب أو شكوى ما.

منذ ما يناهز سنة، أبعدت وزارة التعليم العالي د.مصطفى الغاشي عن منصب عميد كلية الآداب بتطوان وعينت خلفا له د.الطيب الوزاني في خطوة تم الترويج لها “مقدمة” لفتح ملفات سوء التدبير المالي والإداري، و”عهد جديد” بالكلية، لكن لا شيئ من ذلك تحقق مما أدى إلى إعفاء العميد الجديد قبل أن يكمل مدة سنة في منصبه ومكتبه الجديد.

سبق تلك الإعفاءات، كما تلتها، زيارة عدة لجان تفتيش، بما يتطلب ذلك من إنفاق مبالغ طائلة من أموال دافعي الضرائب من أجل تنقل وإقامة وتعويضات أعضاءها، من دون أن تترك خبرا ولا أثرا، مما يطرح سؤال الجدوى من إيفادها؟ ولربما كان التزام الوزارة الصمت بحد ذاته موقف وجواب؟

 ضمن هذا السياق، أتساءل: بماذا نفسر صمت القبور الذي التزمته رئاسة جامعة عبد المالك السعدي ووزارة التعليم العالي، منذ أزيد من سنة ونصف، بشأن فضيحة السرقة العلمية الموصوفة التي تعرض لها الأستاذ عبد العزيز الطريبق من طرف أنس اليملاحي الذي قام بنسخ ولصق أكثر من 80 صفحة (بالنقطة والفاصلة وحتى بالأخطاء المطبعية) من محاضرات الأستاذ الطريبق حول تاريخ الصحافة بمنطقة الحماية الاسبانية؟

 ولماذا لم تحرك وزارة التعليم العالي ساكنا بعدما تأكد وثبت لها ما هو أخطر من السرقة العلمية، ويتعلق الأمر بسابقة في الجامعة المغربية ولربما في العالم، تتمثل في وجود 3 نسخ رسمية من “أطروحة الدكتوراه” لأنس اليملاحي تختلف فيما بينها من حيث عدد الصفحات. فالنسخة الرسمية الموجودة والمسجلة في سجل كلية الآداب بتطوان تحت رقم 63، والموجودة أيضا ضمن أرشيف المركز الوطني للبحث العلمي والتقني بالرباط تتضمن أكثر من 380، هي برسم الموسم الجامعي2018/2019، وهو الموسم الذي تمت فيه المناقشة، وهي بالمناسبة النسخة التي تتضمن 80 صفحة المسروقة.

أما النسخة الثانية والتي يبدو أنها خضعت لـ “ريجيم” صارم أدى إلى تقليص عدد صفحاتها من 337 إلى 208 صفحة فقط، ولا تحمل أي رقم تسلسلي ولا وجود لها في مكتبة الكلية ولا في أرشيف المكتب الوطني للبحث العلمي بالرباط (حيث توجه النسخ قصد الحفظ)، فيعود الفضل في “اكتشافها” للدكتور مصطفى الغاشي سنة 2024(مباشرة بعد حدوث الضجة حول السرقة العلمية) وكان حينها عميدا لكلية الآداب والعلوم الإنسانية!

كما توجد نسخة ثالثة مختلفة وضعها المعني بالأمر في منصة التوظيف وحصل بها على منصب أستاذ جامعي في كلية الآداب في تطوان، علما أن تلك النسخة لم تكن قد حازت بعد على قبول لجنة المناقشة؟!

ختاما أتساءل ألا يجوز تأويل صمت القبور لوزير التعليم العالي بمثابة ضوء أخضر وتشجيع لمثل هاته الظواهر الشاذة التي أضحت في زمن الرداءة تمثل تطوان ذات الماضي العريق والتراث الثقافي الزاخر في المنتديات الثقافية الوطنية والأجنبية؟

لا أخفي بكل صراحة ومرارة كوني تطبعت مع أخبار الفضائح المرتبطة باستغلال النفوذ داخل الجامعة المغربية (وخارجها)، ولم تعد تثير استغرابي (الجنس مقابل النقط، المال مقابل الشواهد والتوظيفات)، علما أن المفترض أن تكون الجامعة، باعتبارها فضاءً متخصصا لإنتاج نخب المستقبل في مختلف المجالات، منارة للعلم والمعرفة وآخر قلعة لصد طوفان وجحافل الفساد.

شارك هذا الموضوع

الأمين مشبال

أستاذ باحث وحقوقي (المغرب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!