فاشستية تختبئ خلف مشروع قانون جديد للصحافة

فاشستية تختبئ خلف مشروع قانون جديد للصحافة

 محمد نجيب كومينة

           مشروع القانون المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة يؤسس للفاشية القائمة على أساس المال ورضى السلطة. المجلس المقبل سيكون والحالة هذه مكلفا بالقطيعة مع ظهير حرية الصحافة الصادر، ضمن ثلاثة ظهائر متعلقة بالحريات العامة، ومع امتدادها في الدستور المغربي، كي يفرض في هذا البلد، الذي نفتخر تاريخيا بتعددياته التي لم تسقطها سنوات الرصاص والانتقام من كل رأي يخرج عن خط محدد وعن الإجماع، حتى فيما لا يمكن حصول إجماع حوله ولو وسط جماعة، فأحرى في مجتمع يحتفظ بطابعه المركب (composite)، بل وصار أكثر تركيبا من المجتمع الذي كان موضوع بحث أخصائيين من أمثال بول باسكون ونجيب بودربالة وغريغوري لازاريف وأحمد الحليمي وعبد الكبير الخطيبي.. وغيرهم.

إن محتويات هذا المشروع، الذي يسبق المشروع المتعلق بحرية الصحافة والنشر، تفضح ميلا انتقاميا يسقط الماضي على المستقبل، ويروم إسكات أي صوت لا يردد ما يرغب فيه من يسيطرون على الثروة والسلطة، ويعتبرون المغرب ملكية خاصة وليس وطنا يجمع كل المغاربة، ويتوحد كل مواطنيه للدفاع عن وحدته ومصالحه، وعلى تنميته وإقامة العدالة بين مختلف مكوناته، وضمان حريات وحقوق الجميع، بناءً على قواعد دستورية وقانونية متوافق عليها وتحظى بالقبول الجماعي.

المجلس الذي يريدونه مجلس لا يرغبون في أن يكون مؤسسة للتنظيم الذاتي، مستقلة عن الحكومة أو أي جهة أخرى لا صلة لها بالصحافة، ولا حتى في أن يكون مؤسسة تخضع لتدبير مشترك  (co-gestion) ، بل يرغبون في أن يكون عصًا في يدهم، يسلطونها على من يعارض فرض ما يريدون فرضه على البلد، كي تسود الرقابة الذاتية ويصبح كل ما يكتب وما يقال وما يصور نسخة كاربونية باهتة ورديئة لأصل سلطوي تسلطي، مصنوع من طرف من تعتبرهم السلطة خبراء في صياغة الخطاب الوحيد، الحامل للرأي الوحيد المسموح  بتداوله والترويج له، حتى ولو كان متقادما ومتلاشيا وقائماً على الجهل المركب بما. حفر مجرى عميقا في عالم اليوم  والغد، وصار محددا ليس فقط للانخراط في العولمة، التي تعاد صياغتها وليس إقبارها كما قد يخيل لعقول قاصرة ومسكونة بالأوهام.

المجلس الوطني للصحافة الذي يهيئونه بمشروع القانون سالف الذكر، يريدونه مؤسسة بوليسية، تتجاوز حدود التنظيم الذاتي كما هو متعارف عليه في التجارب المقارنة، ويتولى مهاما من اختصاص القضاء وحده، إذا كان الاحتكام للدستور، ولتراتبية القوانين المنصوص عليها فيه، ساريين دائما ومستوعبين من طرف الحكومة ووزرائها وخبراء “جوج فرنك”، الذين أعدوا هذه الكارثة وصاغوا مذكرة التقديم الغبية، التي تقول بأن الحكومة تصرفت خارج الدستور عندما نصبت اللجنة المؤقتة، وأنها بهذا المشروع “تستدرك”. وكأن القانون المغربي رجعي، أو أنه يمكن التغطية على تجاوز مؤكد ومعترف به في المذكرة، وثنايا المشروع بشكل بعدي.

 وحين تكون هذه المؤسسة ذات طابع بوليسي، أي مكلفة بالقمع والمنع والمطاردة، مع احتمال تجاوزها لحدود الصحافة التقليدية والإلكترونية، إلى التدوين بمختلف أشكاله، وفقا لما تسرب عن المشروع، الذي يبدو أن الأمانة العامة لم تخضع لضغط الوزير المعني للإسراع بإدراجه في مسار مصادقة الحكومة عليه، فإنها ستضفي على الدولة المغربية طابع (الدولة البوليسية)، الذي عملت على نزعه بمبادراتها الإصلاحية مند دستور 1992 وإحداث المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، الذي رقي بدستور 2011 إلى مؤسسة وطنية، إلى جانب قيامه بالملاءمة مع الاتفاقيات الأساسية المتعلقة بحقوق الإنسان وإقراره لسمو الاتفاقيات التي تتم الملاءمة معها على القانون الداخلي، ووضعه لأسس سياسة جنائية تتلاءم مع الالتزامات الدولية.

 وعندما نقول بأن طابع المجلس المراد إحداثه، والذي سيكون تحت سيطرة هيئة واحدة من الناشرين ذات الارتباطات المعروفة، التي ستنتدب وتُعفى من المنافسة مع هيئات الناشرين الأخرى الأكثر تمثيلية منها، عدديا ومهنيا، وليس ماليا ونفوذا وتداخلا مع المسيطرين على كل الأقببية وعلى الثروة.. هو طابع بوليسي من شأنه أن يضفي على الدولة طابع الدولة البوليسية.. موضوعيا وليس من باب المبالغة اللفظية، فإنه يحق التعبير عن التخوف من تسرب المنطق الفاشي بواسطة الخبرة المستعملة، سواء فهم الوزير ومعه الحكومة ذلك أم لا...

يجب أن نؤكد من جديد أن التموضع ضمن الدول العصرية الديمقراطية، وهو ما تتطلبه مصلحة مغربنا الذي يخوض معركة الوحدة ويسعى إلى رفع تحديات التنمية داخليا، وتحسين تموقعه الاستراتيجي ونفوذه الجيوسياسي، في عالم يتحول، أمر يستدعي التقدم على طريق بناء دولة القانون والمؤسسات، وليس النكوص والعودة القهقرى، وضمان استقلال المجتمع ومنظماته، استقلالا حقيقيا ومحميا من كل ميل إلى التسلط والطغيان.

هذا ما أكده الآباء المؤسسون للفكر الديمقراطي، من جون لوك ومونتسكيو وكانت ودي توكفيل وغيرهم، الذين تبلورت أفكارهم في ممارسات ومؤسسات؛ وهو ما يؤكده المؤسساتيون الجدد ذوي التاثير الكبير على المؤسسات والسياسات والتقارير الدولية اليوم، كدوغلاس نورث، ووليس، ودارين عاصم أوغلو، وجونسون، وداني رودريك.. وغيرهم من علماء السياسة والاقتصاد والاجتماع.

 واذا تم الزيغ عن هذا الطريق بقراءة خاطئة وقصيرة النظر لللظرفية الدولية، فإننا سنكون مهددين بخسارة الكثير مما ربحناه.. ولا يجب أن ننسى أن ما ربحناه – بعد مسلسل العدالة الانتقاليية والتصديق على الاتففاقيات الدولية  لحقوق الإنسان الأساسية والإصلاح الدستوري الكبير سنة 2011، وتدبير ما سمي بـ”الربيع العربي”، ومظاهرات الحسيمة…- ربح كبير على جميع المستويات عالميا، ومنه تقدمنا السريع على طريق حشد الاعتراف الدولي بوحدتنا الترابية وإفشال أوهام الجار الشرير وبيادقه.

عندما تكون حرية الرأي والتعبير مستهدفة، فإنه يستحيل على كل ديمقراطي ووطني غيور على إرث وطنه ومستقبل هذا الوطن أن يلتزم الصمت، أو يدعي الحياد، أو يتصرف بلامبالاة أو بجبن… وإلا سيكون قد تعمد خيانة نفسه وقناعاته أولا، وزكى قصدًا التدهور والنكوص. 

شارك هذا الموضوع

محمد نجيب كومينة

صحفي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!