فلسفة الفكر المسرحي في أطروحة جامعية

فلسفة الفكر المسرحي في أطروحة جامعية

أحمد لعيوني

           تمت مناقشة أطروحة دكتوراه تقدم بها الطالب الباحث علي علاوي في موضوع الفلسفة تحت عنوان: “فلسفة المسرح: نحو تفكيك آليات الفكر المسرحي العربي”. وذلك يوم الجمعة 25 يوليوز بقاعة عبد الواحد خيري بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك.

وعلي علاوي هو ممثل وباحث أكاديمي في مجال المسرح، وأستاذ الفلسفة. وله قصة مثيرة مع مادة الفلسفة في امتحان الباكلوريا، مما جعله يشق لنفسه طريقا في هذا المجال، متحديا ما وقع له بإصرار وقوة العزيمة، أو ما يطلق عليه في علم النفس بالمرونة النفسية التي تؤكد صلابة المعدن ومرونته في مواجهة السقوط وعدم الانكسار.

تكونت لجنة المناقشة برئاسة الدكتور عبد اللطيف فتح الدين، وحضور كل من الأساتذة : عبد اللطيف محفوظ ولبيب السعيد مشرفين، ومحمد مزيان ممتحنا، ومولاي رشيد بن السيد وعبد الله الصرداوي مقررين، بالإضافة إلى مسعود بوحسين بصفته خبيرا في مجال المسرح والإخراج.

بعد عرض مسار الطالب الباحث من طرف رئيس اللجنة، تقدم صاحب الأطروحة بتقرير للمشروع الذي تناوله البحث. ومما جاء في مداخلته، أن هذه الأطروحة تعد مساهمة في تنمية المنظومة الفكرية العربية بمجال فلسفة المسرح ، وإثراء الإنتاج العربي،  سواء تعلق الأمر بالفكر أو الإبداع بعيدا عن الوصفات الجاهزة. واعتبر أن هذا الفهم صادر عن وعي وقناعة تتمثلان في إغناء فلسفة المسرح. وهي مجرد مساهمة في فلسفة الفهم لأدوار المسرح في الحياة عامة، كما تهدف إلى تسليط الضوء على ماهية الفن المسرحي. وأشار في سياق حديثه إلى أن هذه الأطروحة تتناول المسرح العربي من الناحية الأنطولوجية، أي إخضاع الجغرافيا المسرحية العربية للتفكير الماهوي، ومحاولة استحضار المكانة الريادية لدور المسرح منذ مطلع النهضة الأوربية كامتداد للمسرح منذ زمن الإغريق، وهو الشيء الذي لم تنتبه له الثقافة العربية في أوج تفوقها الحضاري، في حين سلطت اهتمامها على  ترجمة الفلسفة اليونانية والتعريف بمفكريها، ولم تتعرض لترجمة الأعمال التراجيدية.

كما تطرق الطالب إلى أن دوافع بحثه في مجال فلسفة المسرح، يكمن في مساره الجامعي، حيث أنجز بحثا في سلك الإجازة تحت عنوان : “فلسفة العبث ومسرح اللامعقول”. ثم في مرحلة الماستر اشتغل على موضوع : ” التراجيديا بعدّها ديوبولنيا نحو فهم جديد للتراجيديا”. وأخيرا جاء هذا الاختيار ليعمق البحث الأكاديمي من أجل نيل درجة الدكتوراه. وهناك دافع ثان حسب الباحث يتعلق بالتأطير الجامعي من خلال النقاشات والتوجيهات، ومن خلال العروض التي كان يقدمها الأساتذة في مجال السيميائيات وتحليل الخطاب الفني.

تتكون هذه الأطروحة من ثلاثة أقسام، كل قسم يضم فصلين كما هي العادة. عنون القسم الأول ب:”الفكرة بعدّها حاملا إيديولوجيا”، والفصل الأول منه يحمل عنوان : “نقد الفكر في مسرح العرب”، ثم الفصل الثاني بعنوان : “الكتابة الدرامية والأفق الإنساني المفتوح”

أما القسم الثاني فتناول البعد الميتافيزيقي في الفرجة العربية بعنوان : “الفرجة بما هي وسيط ميتافيزيقي”. الفصل الثالث بعنوان : “العرض المسرحي ومنعطفاته الجمالية”، الفصل الرابع جاء تحت عنوان : “إشكالية تحرر الفرجة في المجال العمومي”.

القسم الثالث خصص لتناول الدرس المستخلص من التراجيديا والوعي المتحصل عنها في تحرير الفلسفة والفكر، واختار له عنوان : ” درس التراجيديا في تحرير الفكر والفلسفة” ويتفرع بدوره إلى فصلين، الأول بعنوان : “فلسفة الوعي التراجيدي”، والثاني “العرب ومولد التراجيديا”.

وخلص الباحث تقريره بأن الفلسفة لها محتواها الخاص من إبداع المفاهيم وابتكارها، والإبداع بدوره في حاجة إلى وسطاء، ووجودهم ضرورة في الإبداع. والوسطاء هم أشخاص فنانون أو أدباء أو فلاسفة، وقد يكونون أشياء أو نباتا أو حتى حيوانا. وبما أن الفلسفة هي البحث في الماهيات، فإن موضوع الأطروحة يتغيى الكشف عن الماهية المشكل للقطاع المعرفي الذي ينتمي له ضمن الثقافة العربية. لقد تم نقد الذهنية العربية والذهنية الإسلامية في مجال الأخلاق والسياسة والبرهان والعرفان والبيان. وهذه المحاولة تتجلى في نقد الذهنية الدرامية.

الأستاذ المؤطر عبد اللطيف محفوظ ، تطرق إلى أن الطالب علي علاوي كان من بين طلبة الفوج بالماستر، المعروف عنه أنه يناقش كثيرا ويحاجج. ويضيف، كان لما يتغيب، أشعر بشيء ينقص حركية الدرس، وتوطدت علاقتي معه برابط وجداني وإنساني. وأن مسألة المسرح وقضاياه كنا نناقشها في جلساتنا الخاصة، ومن ثمة بدأت تظهر بوادر إمكانية دراسته وتعميق بحثه في الجمع بين المسرح والفلسفة. كما أشار إلى أن الطالب علي علاوي حين قرر تسجيل أطروحته تلقى عدة عروض من أساتذة المسرح ليؤطروا بحثه، لكنه فضل التسجيل بكلية بنمسيك التي بدأ بها مشواره الجامعي. وأكد الأستاذ المشرف على أن الطالب الباحث كان يناقش بعمق، وله طموح يماثل الأساتذة الكبار، والعديد من المفكرين العرب. وسبق له أن شارك في بحوث على صعيد الوطن العربي، وفاز بالجائزة الأولى لمرتين بكل من القاهرة وبغداد.

المشرف الثاني على تأطير الطالب الباحث، الدكتور ليبيب السعيد، الذي أشار في بداية مداخلته إلى أن هذه أول أطروحة يشرف عليها. الأستاذ الشاب المتخصص في تدريس الفلسفة بكلية بنمسيك، أكد على أن تقييم البحث الأكاديمي يمكن أن يكون على شكل أطروحة علمية، أو أطروحة سياسية وإيديولوجية، بحسب طبيعة التوجهات الفكرية والعلمية أو إيديولوجية مجتمع معين. أما تلك التي بصدد المناقشة فهي أطروحة علمية تكوينية، وفيها موقف حيث يدلي الطالب بآرائه وأفكاره في مجال التخصص، وأن يقدم تصورا أو موقفا من بعض القضايا، شريطة أن يكون الموقف علميا. وتتضمن كذلك نفسا ذاتيا يعبر عن الموقف. وأشار إلى أن الطالب علي علاوي، أنجز هذا البحث بوصفه رجل مسرح ، وأستاذ الفلسفة وباحث كفؤ. فهو مهووس بهاجس تحليل مادة المسرح من خلال البعد الفني والجمالي، كما له مواقف واضحة نقدية وليست إيديولوجية، لأنه لا وجود لناقد بلا نقد.

وأضاف ذات المشرف بأن الخلاصة التي وصل إليها الباحث، أن هناك حاجة ماسة للوعي التراجيدي كي يكون ذا جمالية، والخروج من الثنائيات، وأن يتصل بالإنسان وينظر في قضاياه. وكل مسرح سواء كان مسرح دراما أو مسرح عبث، إلا وعليه أن يدرس قضايا الوجود، وهو ما يدرسه الفيلسوف ويفكر فيه. والهدف الأساس هو مواجهة مصير الإنسان بكل شجاعة، باعتبار الفكر والفن وجهان لعملة واحدة لا يمكن الفصل بينهما.

الأستاذ الممتحن، الدكتور محمد مزيان، أستاذ الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقنيطرة، أكد بأن هذه الأطروحة استضافت العديد من الوجوه في مجال الفكر والسينما والمسرح، مما جعلها تثير نقاشا متنوعا. فنوه في كلمته التقييمية للأطروحة بطموح وعناد الباحث خلال مساره الدراسي، وأن خصاله تنعكس على بحثه. وتطرق إلى غنى البحث من حيث تعدد المراجع التي تتنوع بين الفلاسفة والنقاد، وأن شخصية الباحث واضحة وبارزة، حيث يمتاز بكثير من الجرأة التي يقتضيها البحث في مجالات المسرح والكتابة والفنون، كما لمح إلى أن كل مناقشة فيها مناكفة ولا تخلو من ملاحظات تتطلب إعادة النظر فيها من أجل معالجتها وإصلاحها.

وبعد انتهاء المناقشة من طرف باقي أعضاء اللجنة، وبعد المداولة في الموضوع، أعلن رئيس الجلسة حصول الطالب علي علاوي على درجة الدكتوراه بميزة مشرف جدا، مع تنويه اللجنة وتوصيتها بالنشر.

شارك هذا الموضوع

أحمد لعيوني

مؤرخ منطقة امزاب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!