في لقاء حول الرواية والفن والتاريخ المحلي: رحلة الهدهد إلى البروج
متابعة: سعيد حجاج
احتضنت ثانوية البروج التأهيلية المهرجان الوطني للطفل القروي المتميز، من تنظيم جمعية محترف فضاء الطفل في دورته العاشرة، بشراكة مع جمعية آباء وأمهات وأولياء تلاميذ ثانوية البروج التأهيلية يوم الخميس 13 نونبر 2025 بفضاء القسم الداخلي للمؤسسة. وقد عرف هذا اللقاء الذي حضرة بالإضافة إلى تلميذات الثانوية عدد من الفاعلين في مجالات الثقافة والتعليم والمجتمع المدني، وقد افتتح جمال بندحمان الجلسة بكلمة وافية عن أهمية اللقاءات الثقافية الموجهة للتلاميذ وساكنة البروج، قبل أن يفسح المجال للكلمات الترحيبية للجهات المنظمة.
تحدث في البداية المسرحي عبد الحق الزروالي عن تجربته المسرحية في تقاطعاتها الوطنية والعربية من جهة، ثم من جهة التفاعل الثقافي والرؤيوي الذي يستحكم تجربته. بعد ذلك بسط محمد عاطر لتجربته الفنية باستعراض مسارها الأولي الفكاهي قبل أن ينخرط في تجربة التنشيط الإذاعي من خلال برنامجه الشهير “ريحة الدوار” وإسهامه في الحفر في الثقافة الشعبية البدوية.
كلمة عبد الله أميدي المنشغل بالتاريخ المحلي لبني مسكين، التفتت لأعلام المقاومة والنضال ضد الاستعمار والذي تركوا بصمتهم في هذا التاريخ، وخصوصا الجيلالي أبو القبيلة، والحاج صالح الغالمي .
تدخل شعيب حليفي حول روايته الجديدة “تقرير إلى الهدهد”، مركزا على أهمية السرد في بناء الرأي وتشكيل أسئلة جذرية حول تاريخنا وراهنا ، واقعنا وخيالنا، والذي يمكن أن يمنح حياتنا زخما وروحا قادرة على العيش في سلام مع الذات. بعد ذلك اختار أن يستمع الحاضرون مقطع من الرواية لتتحدث عن نفسها.
في ما يلي المقطع الذي قرأه الكاتب:
[في ذلك اليوم، من ربيع سنة ثلاثة وسبعين وتسعمائة وألف، والذي صادف عطلة مدرسية بمناسبة عيد العرش،
خرج أخي يلعب رفقة صديقين له خلف الساحة الخلفية، بالكرة التي لفّ أجزاءها من قطع قماش بالية خاطها حول كمشة تبن، فيما بقيتُ مذهولا لا أعرف ما أفعله، ثم حملتُ سطلا مملوءا بالماء، واقتربتُ من الفرس الذي شعر بالانتعاش وهو يحرك ذيله وأنا أحمّمه. فجأة يصيح أخي لاهثا، من بعيد، وهو يطل عليّ من السور الحجري القصير الذي يفصل باحتنا عن الساحة الخلفية المهملة، يقول لي بأن والدي قادم. ابتعدت بخطوة عن الفرس ومسحتُ يديّ متعجلا في ملابسي المبللة، وعدوتُ كما تعوّدتُ نحو والدي، فصادفته أمام البوابة الكبيرة لبيتنا وقبّلت يده ثم مشيت متخلفا عنه بخطوة. وكان يحمل بيده هدهدا رجلاه مربوطتان بقطعة قماش أصفر.
وهو عابر لاحظ الفرس المبلل فتوقف ونظر إليّ وقد ندّت عنه ابتسامة خاطفة، فنادى على أمي التي وصلت مسرعة وبدا الفرح على مُحيّاها وهي ترى الهدهد بين يديه، فتسلمته منه في صمت، فيما أدخل أبي يمناه في جيب سرواله عبر فتحة جلبابه وأخرج سكينا بمقبض خشبي أحمر، ولم تتأخر أمي في التوجه بكل جسمها نحو القِبلة وهي تشدُّ بيُمناها الطائر بلين وحذر من جناحيه، بينما يُسراها تتلمس رباط رجليه، ففككته دون أن ترمي بقطعة القماش، وشرعت تتمتم البسملة بغموض لافت.كنتُ أنظر إلى ما يجري بفرح وغرابة، مثلي مثل الفرس الذي توقف ذيله عن الخفق، أما الطائر المسكين فقد تاه وبقيت عيناه جامدتان وكذلك خياله الذي تمزّق.
اقتربت أمي من والدي الذي دعاني لأدنو منهما بدوري، ثم استعاد منها الهدهد وأحكم عليه بيسراه من جناحيه وبسرعة خاطفة مدّ السكين، من يمناه، فشقّ بطنه الذي ارتعشَ ولعله أطلق،كما خمّنتُ، صرخة كتومة ستسمعها كل طيور الدنيا في كل الأزمان. وبنفس السرعة، تسلمتْ منه أمي السكين وقد أشاحت بوجهها فأدخل أبي إبهامه وسبّابته في الشق المُحدث وأخرج قلب الهدهد الذي لمحتُ به خفقة خاطفة سرعان ما همدت، وأنا مندهش مما جرى ويجري أكثر من ارتعاب الهدهد الذي ما أن انتزع قلبه حتى طوى تلك الصفحة التي لم يدرك مغزاها ورمشت عيناه رمشة واحدة ثم انطفأ منهما نور الحياة. نظر أبي نحوي بقسمات جامدة دون أن ينبس بكلمة، مدّ يده نحو فمي المزموم ففتحتُه وبسرعة رمى القلب بداخله فابتلعته بلا مضغ، وأنا أنظر إليه بعينين تفيضان ذهولا، فابتسم ثم مضى وبقيت مع أمي التي كانت تحمل الهدهد القتيل والشريط الأصفر، آنذاك شرحت لي بكلمات قليلة بأن من يأكل قلب الهدهد في تلك السن يكون سريع الفهم والحفظ].
بعد ذلك انتقل الحاضرون لحفل التوقيع، ثم اختتم هذا اللقاء بإشراف الأستاذ عبد العالي السعيدي المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة على تكريم الضيوف الحاضرين، وتتويج بعض التلاميذ المتميزين، كما قامت جمعية آباء وأمهات وأولياء تلاميذ ثانوية البروج التأهيلية بتكريم الحاج بلقاسم شراف الرئيس السابق للجمعية تسعينات القرن الماضي. وتخلل اللقاء التأكيد على دور المكتبات المدرسية في نشر الثقافة لأحمد الناهي ومعرض المقتنيات التراثية.
