كأس الكرامة والعدالة والحرية…

كأس الكرامة والعدالة والحرية…

 عبد الرحمان الغندور

           لم أكن يوما من المهووسين بكرة القدم، لكني أفرح مثل الجميع لانتصارات الفريق الوطني في اللقاءات الدولية دون متابعة لمجريات مقابلاته. وما أنجزه شباب المغرب هزني كما هز جميع المغاربة، فأحسست بزوبعة الفرح العابر أمام صخبِ الغضب الرابضِ في الصدر، وها نحن كمغاربة نفرح فرحٍا يشبهُ دموعَنا.. فرحٌ صنعته أقدامٍ شبابنا وهي تركل جدارَ المستحيلِ في عالمِ الكرةِ، وتهز أوتار القلوبِ على إيقاعِ الفوز بكأس العالم، وتنطلق الزغاريدُ في سماواتٍ بلا فرح حقيقي.

نهنئُ أنفسَنا بهذه النبتةِ الفريدة التي نبتتْ فجأةً في جدارِ اليأسِ المتكلسِ، نهنئُ شبابنا الذين حوّلوا الملعبَ إلى منبرٍ يعتليه المغرب ليراه العالم أجمع، وأثبتوا أنَّ المستحيلَ مجردُ خرافةٍ تُروى لأمةٍ تعشقُ انتظارَ المعجزةِ. لكننّا، ونحن نرفعُ أعلامَ الفرحِ العابرة، نعلمُ علمَ اليقينِ أنَّ الأبوابَ الحقيقيةَ للفرح الدائم، أبوابَ العدالةِ والحريةِ والكرامةِ، ما زالتْ موصدةً بجدارٍ سميكٍ من اللامسؤوليةِ والاستبدادِ وتغوّلِ الفسادِ.

إنَّها فرحةٌ تشبهُ حلمَ طفلٍ ينتظر لعبة ستنكسر بعد برهة..

نعم، إنَّهم شبابنا يحملونَ على أكتافهم وفي أرجلهم أملَ أمةٍ منهوكةٍ، يسقونَ نبتةَ فرحِنا بعرقِ جبينِهم، بينما نحنُ يسقينا جدارَ اليأسِ بانتظارنا الطويلِ، ونحنُ نرى أمطارَ الكذبِ والوعودِ المعسولةِ تروي سرابَ السياسةِ.

ها هي فرحتنا مثقوبة بمساميرِ الواقعِ المريرِ، تخرج من تحت ركامِ همومِنا اليوميةِ المتراكمة. ونحن نأمل أن تنمو مثل نبتةَ بريئةَ تخرج من الصخر، وتتغلغلُ بجذورِها الصغيرةِ في شقوقِ جدارِنا العتيقِ. فلعلَّ غصنًا صغيرًا منها يهزُّ حجرًا، ولعلَّ جذرًا طريًا يشقُّ صدعًا جديدًا في ذلك الصخرِ الصلب.

إنَّ فرحةَ الكأسِ ستمرُّ كما مرَّ غيرُها، لكننا نتمنى أن تظلَّ ذكراها إيمانًا بأنَّ الجدرانَ، مهما علتْ وتصلبتْ، ليستْ أبديةً. نتمنى أن تتحولَ هذه النبتةُ الصغيرةُ إلى شجرةِ حريةٍ عاتيةٍ، تتسلقُ جدارَ الخوفِ وتفتته، حتى تسقطَ الترهاتُ كلُّها، وحتى تنبتَ في أرضِ وطنِنا أشجارُ الفرحِ الدائمِ، أشجارُ العدالةِ والمساواةِ والكرامةِ.

حينها، لن نحتاجَ إلى كأسٍ لنفرحَ، لأنَّ الكرامةَ ستكونُ ماءَنا، والحريةَ هواءَنا، والعدالةَ أرضَنا التي نسيرُ عليها دون خوفٍ.

شارك هذا الموضوع

عبد الرحمان الغندور

كاتب وناشط سياسي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!