لبنان: دعم وتأييد واسع لقرار الدولة بحصرية السلاح…

لبنان: دعم وتأييد واسع لقرار الدولة بحصرية السلاح…

أحمد مطر

            يبدو واضحًا من خلال سيل المواقف السياسية والروحية المؤيدة لقرارات الحكومة بشأن حصرية السلاح، أن هناك تأييداً واسعاً لخطوات السلطة ببسط سلطتها على كامل أراضيها، ووضع السلاح الموجود في حوزة الفصائل غير الشرعية في عهدة الجيش اللبناني. وهذا التأييد الواسع يدفع أهل الحكم للسير باتجاه تنفيذ ما تم التوافق عليه، بالرغم من وجود عقبات لا يستهان بها.

ومع اشتداد التجاذب الداخلي بشأن السلاح بعد القرارات الحكومية يجد لبنان نفسه في مرمى الضغوطات الأميركية والإسرائيلية المطالبة بحسم مصير السلاح غير الشرعي، تحت وطأة التهديد بعواقب وخيمة ليس أقلها عودة دورة العنف الإسرائيلي، وبين رفض “حزب الله” وحلفائه تسليم السلاح، وهو أمر يبدو جدياً في ظل ارتفاع وتيرة التهديدات الإسرائيلية للبنان . دون بروز أي معطيات تسمح بإمكانية التعويل على موقف واشنطن الذي عبر عنه موفدها توم براك، لناحية الضغط على إسرائيل للقبول بخطوة مقابل خطوة، أو على الأقل تقديم ضمانات للبنان، بعدم عودة الحرب الإسرائيلية، في حين بدا واضحاً أن الأميركيين يستعجلون الحكومة، لاتخاذ الإجراءات الضرورية لسحب السلاح غير الشرعي، من حزب الله وسواه، وإلا فإن لبنان قد يكون معرضاً لعواقب لا يستهان بنتائجها على مختلف الأصعدة.

ومع انحسار موجة التصعيد التي أعقبت قرارات مجلس الوزراء، وما يتصل بتداعياتها على مصير الحكومة وتضامنها، بعد كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي خفف من القلق على مصير الحكومة، فإن أوساطاً وزارية، تعتبر أن ما أقدمت عليه الحكومة لا يجب أن يتسبب بأي أزمة داخلها، كأن يقوم فريق من الوزراء بالاعتكاف أو الخروج منها، في محاولة لإفقادها ميثاقيتها.

انتهت زيارة المبعوث الأميركي توم براك ومعه المبعوثة السابقة مورغان أورتاغوس إلى بيروت، ليترك بعدها ويتوجه إلى إسرائيل لمقابلة عدد من المسؤولين، استكمالاً لجهوده في مساعدة إسرائيل ولبنان على تطبيق اتفاقية 27 تشرين الثاني/نوفمبر وتنفيذ بالتالي القر ار 1701.

تركت زيارة براك الرابعة إلى بيروت بعض أجواء الامل والتفاؤل حول إمكانية نجاحه في إقناع القيادة الإسرائيلية بالقيام بخطوة مقابل القرار الجريء والتاريخي الذي اتخذه مجلس الوزراء اللبناني حول مطالبة حزب الله بتسليم سلاحه للدولة اللبنانية، خصوصاً وأن القرار ينص على طلب مجلس الوزراء إلى قيادة الجيش اللبناني لوضع خطة عسكرية لتنفيذ قراره.

من المؤشرات الايجابية والمشجعة لنتائج هذه الزيارة تتمثل بالتهنئة التي وجهها براك للرئيس جوزف عون على قرار مجلس الوزراء بحصرية السلاح بالجيش والقوى الامنية، معتبراً بأن القرار هو بمثابة موقف جدير برجالات الدول، وأبدى براك استعداده بعد هذه الخطوة اللبنانية الهامة متابعة الموضوع مع الدولة الإسرائيلية خلال زيارته لتل أبيب.

كان من الطبيعي ان تتسم الزيارة بقدر واضح من الايجابية بعدما عبّر براك أمام القيادات اللبنانية بأن الكرّة قد أصبحت الآن في الملعب الإسرائيلي، التي باتت عليها إلزامية اتخاذ خطوة ايجابية ميدانياً لملاقاة القرار اللبناني في منتصف الطريق، وتنفيذاً لمبدأ الخطوة مقابل الخطوة.

غادر براك لبنان إلى إسرائيل موضحاً بأنه سيطالب إسرائيل باعتماد مقاربة الخطوة خطوة وبالتالي القيام بخطوة مقابلة لما قام به لبنان، ويملك براك في هذه الزيارة الحجة اللازمة لمواجهة نتنياهو بضرورة إعطاء لبنان الفرصة لتنفيذ قراره لأنه سيصب استراتيجياً في صالح إسرائيل والمشروع الاميركي في المنطقة، وبأن على إسرائيل أن لا تضيّع بوصلة الحل وفق الرؤية الاميركية تنفيذاً لرؤية محدودة وقصيرة النظر، ولا تتعدى في نتائجها زيادة خسائر حزب الله على مستوى المقاتلين أو تدمير بعض المواقع العسكرية المكشوفة.

من المؤكد بأن براك يدرك، ومعه كامل الادارة الاميركية مدى المخاطر والمصاعب التي ستواجهها الدولة اللبنانية في تنفيذ قرار حصرية السلاح، وأن ما جاء في خطاب الشيخ نعيم قاسم الاخير والحديث عن تحويل المواجهة إلى كربلاء جديدة هو أول الغيث، مع إدراك ايضاً بأن إيران ستستمر في دعمها لحزب الله في مواجهته السياسية والشعبية والعسكرية، من هنا تبدو أهمية نجاح براك في مهمته في إسرائيل بإقناع نتنياهو بالتجاوب مع مطالب الرئيس عون حول وقف العلميات الإسرائيلية على لبنان، وتسريع عملية الانسحاب من الجنوب، وخصوصاً من النقاط الخمس.

إزاء هذا الواقع كشفت المصادر أنه خلال زيارة الموفد الاميركي ومعه اورتاغوس إلى بيروت أحيط علماً  بما أعلنه مصدر سياسي إسرائيلي بأن لا نية لدى إسرائيل للاحتفاظ بالأراضي التي تحتلها في جنوب لبنان، وهي على استعداد للانسحاب منها، ضمن ترتيبات يتم الاتفاق عليها مع لجنة مراقبة وقف النار، ما لفت انتباه الموفد الاميركي، كما ظهر بوضوح عليه، وطرح تساؤلات عما اذا كان توقيت إعلان هذا الموقف الإسرائيلي بالتزامن مع زيارة براك، مؤشراً على التعاطي بايجابية، والاستعداد لملاقاة  مهمة الموفد الأميركي بخطوات سريعة.

من أجل تحصين قرار مجلس الوزراء من خلال الخطة العسكرية المطلوب وضعها من قبل الجيش آخر هذا الشهر، فالنجاح سيتوقف على مدى اقناع قيادات إيران وحزب الله بأن الجيش يملك الوسائل ولديه القرار للمواجهة إذا دعت الظروف الميدانية لذلك، وسيكون من الممكن وشبه المؤكد الانتصار في أية مواجهة تفرض عليه مستفيداً من الإعداد العسكري اللوجستي، ومن دعم الأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني له، تدرك الإدارة الأميركية مدى الأهمية التي تعلنها إيران على الاحتفاظ بورقة حزب الله ولبنان، والتي بالرغم من كل الخسائر الفادحة التي مُنِيَ بها الحزب في حرب اسناد غزة، وذلك انطلاقاً من حدود إسرائيل المشتركة مع لبنان، بالاضافة إلى مدى حساسية وادراك السكان في شمالي إسرائيل لمخاطر المواجهة على حياتهم ومصالحهم، كما تدرك الولايات المتحدة ان احتفاظ الحزب بسلاحه سيؤدي إلى تساقطات أمنية وسياسية داخل سوريا، وبما يؤدي سلباً على إعادة توحيد البلاد، والاستعداد لاطلاق ورشة الإعمار.

في هذا السياق تستأهل شجاعة الرئيس عون ومجلس الوزراء أن تبذل الولايات المتحدة جهودها المكثفة والمتواصلة لإقناع نتنياهو للقيام بالخطوات الايجابية اللازمة لتنفيذ كامل اتفاق وقف النار، وفتح الباب لإعادة اعمار عشرات القرى اللبنانية المهدمة على طول الخط الأزرق. ولا بد أيضاً من تسريع علمية إعداد الجيش لتنفيذ عملية حصر السلاح بكل تعقيداتها العسكرية والسياسية، ولا بد في نفس الوقت من تضافر الجهود الاميركية والسعودية والفرنسية لعقد مؤتمر لمساعدة لبنان مالياً على تأمين الاموال اللازمة لإعادة الإعمار.

هذا المخطط السياسي والعسكري والمالي وحده سيؤمن للدولة اللبنانية الشجاعة والقدرة على اطلاق عملية استعادة السيادة واسترجاع قرار السلم والحرب بالرغم من كل الخطط الهدامة التي يمكن أن تعتمدها إيران وبالرغم من كل التهديدات والمخاطر التي تطلقها قيادة حزب الله.

ختامًا لا بد أن تتضافر جهود جميع الأفرقاء من اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين لمساعدة لبنان ومؤازرة دولته وقواته المسلحة للنجاح في معركة استعادة السيادة، وذلك إدراكاً منهم بأن الحزب وسلاحه ليس مشكلة لبنانية فقط بل هي مشكلة اقليمية وورقة رابحة في يد إيران.

شارك هذا الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!