لبنان: سقوط “الدويلة”مع قرار سحب سلاح حزب الله ودعم خارجي…

لبنان: سقوط “الدويلة”مع قرار سحب سلاح حزب الله ودعم خارجي…

 أحمد مطر

           لا شك بأن المنطقة برمتها تشهد سلسلة من التحولات الدراماتيكية، ذلك أن هذه التحولات وضعت لبنان أمام معادلة إما أن يسلم حزب الله السلاح إلى الدولة، وإما تسليم الدولة وقرار الحرب والسلم إلى الحزب. الدولة تعرف ماذا تفعل حين تحصل على حصرية السلاح. وحزب الله يعلم بعد تجربة حرب الإسناد، وإن أصر على الإنكار، أن السلاح عاجز حتى عن حماية السلاح إذا حاول استعماله من جديد. والعالم يعرف ماذا يفعل للبنان الخالي من السلاح خارج الشرعية في إطار التحولات في المنطقة والمساعدات والاستثمارات وإعادة الإعمار وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي، وما يفعله السلاح بلبنان من عزلة وتعميق الانهيار المالي والاقتصادي ضمن مشروع إيراني منحسر. وليس تفضيل السلاح على البلد سوى مغامرة انتحارية تدمر السلاح والبلد. وقمة الاستهتار هي الرفض القاطع لأن تتسلم الدولة السلاح المعرض لأن تدمره آلة الحرب الإسرائيلية. وكل شيء تحت عنوان المقاومة. والمفارقة أن هذه المقاومة التي عاد الاحتلال بسبب حربها تطلب من الدولة أن تستخدم الدبلوماسية والعلاقات مع أميركا لتحرير الأرض المحتلة وإعادة الأسرى وإعادة الإعمار لكي تقبل البحث، مجرد البحث، في استراتيجية أمن قومي يكون الدور المهم فيها لسلاح المقاومة وقوتها.

اتخذت الحكومة اللبنانية خطوة مفصلية بإعلانها قرار حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، في محاولة لإعادة ترميم سيادتها وتأكيد مرجعيتها الحصرية في قراري الحرب والسلم. لكن هذه الخطوة، التي شكّلت مطلباً داخلياً ودولياً مزمنًا، قوبلت برفض حازم من قبل حزب الله، ترافق مع لهجة تصعيدية لامست الخطوط الحمر، تجاه من يقف خلف القرار، ما أشاع أجواء من التوتر، وأعاد البلاد إلى قلب أزمة مزمنة تُهدد ما تبقَّى من الاستقرار الهش،  إن الإكتفاء باِتخاذ القرار المنتظر دون إرفاقه بجدول زمني يحدد آلية ومراحل التنفيذ، يُعتبر نصف خطوة في مسار عودة قرار الحرب والسلم للدولة، لأن العبرة بالتنفيذ وليس بالمزيد من الكلام في هذا الملف دون إتخاذ أية خطوة عملية، رغم مضي ثمانية أشهر على التوصل لإتفاق وقف العمليات العسكرية في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، لم يجد حزب الله أمامه، بعد اتخاذ الحكومة قراراً بحصر السلاح بيد الدولة وحدها، وسقوط كل مبررات احتفاظه بسلاحه الإيراني، سوى الادعاء بأن الدستور اللبناني، ينص على وجود المقاومة وشرعيتها، ويكيل سيل اتهامات باطلة للحكومة، بدءاً من تجريد لبنان من قوته، والانصياع إلى إملاءات الموفد الأميركي والادعاء زوراً بأن سلاح المقاومة هو الذي منع إسرائيل من تحقيق اهدافها في لبنان، ومتهماً الحكومة بتجاهل وعود رئيس الجمهورية جوزف عون، لمناقشة استراتيجة الدفاع الوطني،  وبالتفريط بسيادة لبنان،  ليخلص إلى انه لن يعترف بالقرار المذكور ويتعاطى معه وكأنه غير موجود.

لم يأتِ رفض حزب الله تسليم سلاحه للدولة اللبنانية، استنادا لوقف الأعمال العدائية بينه وبين إسرائيل، تنفيذاً للقرار 1701، وللبيان الوزاري للحكومة المشارك فيها بوزيرين، هكذا من هباء وانما بايعاز مكشوف من النظام الإيراني، الذي اعلن اكثر من مسؤول فيه عن عزم بلاده، اعادة بناء قدرات الحزب من جديد، ليتمكن من تجاوز نتائج الضربات العسكرية الإسرائيلية، التي استهدفت بنيته السياسية والعسكرية، في حرب الاسناد التي شنها لدعم حركة حماس ضد إسرائيل، وليصبح قادرا على مواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي وينتصر عليها، وهو ما يتناقض كليا، مع المواقف التي أعلنها وزير خارجية إيران عباس عراقجي خلال زيارته الاخيرة للبنان، وتاكيده للمسؤولين ان بلاده تدعم سيادة واستقلال لبنان، ولا تريد ان تتدخل في شؤونه الداخلية ، وللتاكيد على ذلك التدخل السافر من وزير الخارجية الإيراني بتعليقه على قرار حصر السلاح بانه سيفشل، ليس هذا فحسب، بل يواصل النظام الإيراني ارسال الاسلحة إلى الحزب عن طريق التهريب براً،  بعد انقطاع الطرق المعتادة سابقا، اثر سقوط نظام بشار الاسد، ومنع الطيران الإيراني من الهبوط في مطار رفيق الحريري، ويتم الكشف عن شحنات الاسلحة الإيرانية المهربة للحزب داخل الاراضي السورية وعلى الحدود اللبنانية السورية باستمرار وتتم مصادرتها، في حين تجري محاولات لتهريب الاموال للحزب، بطرق ملتوية أيضًا.

لبنان مرة أخرى على عتبة تحوّلات جذرية، وما تفرزه من تحديات مصيرية، تتطلب مواجهتها شجاعة سياسية من مختلف الأطراف الحزبية، وخاصة حزب الله، تمهد للإنتقال إلى مرحلة جديدة تعزز الاِستقرار المنشود، وتعيد للدولة سيادتها، من دون تعريض السلم الأهلي لمخاطر لا أحد له مصلحة في ركوب موجتها.

ختامًا، إن مسألة نزع سلاح حزب الله لم تعد من المحرّمات السياسية كما كانت في السابق، بل باتت تطرح اليوم كأولوية ضمن النقاش الوطني، بفعل تراكم الضغوط الخارجية، وتبدّل الوقائع الميدانية، وتغيّر المزاج الشعبي. لكنّ ترجمة هذا الطرح إلى واقع عملي ما زالت رهناً بتوافق داخلي شامل، يراعي خصوصية المرحلة، ويحفظ الحد الأدنى من الاستقرار، ويؤمّن انتقالاً آمناً للحزب من السلاح إلى السياسة. في حين وحده الحوار الوطني الجاد، المشفوع بضمانات دولية واضحة، يمكن أن يفتح باب الحل، ويعيد رسم مستقبل لبنان خارج منطق السلاح والتبعية والمحاور.

شارك هذا الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!