لبنان: هل بات الثنائي أمام أزمة مصيرية؟!

لبنان: هل بات الثنائي أمام أزمة مصيرية؟!

أحمد مطر

          يعيش اللبنانيون حال من القلق على خلفية النقاش المتوتر حول قرار الحكومة بحصرية السلاح في يد الدولة، وخطاب حزب الله التصعيدي الرافض لتسليم سلاحه، مهدداً بالويل والثبور وصولاً إلى الحرب الأهلية.

حاول الرئيس نبيه برّي في خطابه، تبريد أجواء التوتر، وإعادة ما انقطع من قنوات الحوار بين الأطراف السياسية، وخاصة بين السلطة والحزب، للتوصل إلى صيغة لمسألة السلاح في إطار إستراتيجية الأمن الوطني  

في الذكرى السنوية لتغييب الإمام موسى الصدر، تحول خطاب رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى رؤية للمرحلة المقبلة في لبنان، في ظل أزمات داخلية متشابكة وضغوط إقليمية ودولية متعددة، تتداخل فيها الانقسامات الداخلية مع الانهيار الاقتصادي والشلل السياسي الطويل .

من اللحظة الأولى، استحضر بري الإمام الصدر كمرجع روحي وسياسي، مؤكدًا أن مقولته الشهيرة “لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه” ليست مجرد شعار عابر، بل مشروع وطني جامع. عبر هذا الاستحضار، حاول بري الربط بين أفكار الصدر والحلول الممكنة للأزمات اللبنانية الراهنة، مؤكدًا أن مشروع الدولة الجامعة يظل صالحًا للخروج من الأزمة، وأن الحلول لا تكمن في مشاريع الانقسام والفدرلة، بل في تعزيز الوحدة والهوية الوطنية المشتركة  

بدا استياء رئيس مجلس النواب نبيه بري من قرار الحكومة بحصر السلاح بيد الدولة، بالرغم من اعتراضه وحزب الله على القرار المذكور، مرتبطا برفض إسرائيل التجاوب مع ورقة الموفد الأميركي توم براك، والبدء بخطوة الانسحاب الجزئي من المناطق الاستراتيجية التي تحتلها جنوبا، مقابل قرار الحكومة اللبنانية، ملقيا باللوم على الجانب الاميركي الذي لم ينفذ التزاماته للضغط على إسرائيل للتجاوب مع الورقة، التي تتجاوز في مضمونها اتفاق وقف الاعمال العدائية بين الحزب وإسرائيل وتنفيذ القرار 1701، والذي التزم لبنان بتنفيذه بالكامل، بينما لم تلتزم به الدولة العبرية، وماتزال تخرقه، وتوسع احتلالها واعتداءاتها على لبنان حتى اليوم كما قال .

لم يكن بري موفقا باعتبار أن قرار حصر السلاح بيد الدولة، يحصل تحت التهديد، ويتعارض مع الميثاقية والدستور، لأنه تجاهل ان هذا القرار الذي يتناول سلاح الحزب تحديدا، هو مطلب لبناني ملحّ، بعدما فقد هذا السلاح كل مبررات وجوده وشعاراته خارج سلطة الدولة، جراء فشله بالدفاع عن لبنان وعن الحزب نفسه، واقوى دليل استمرار الاحتلال الإسرائيلي جنوبا وتداعياته السلبية على المناطق المتاخمة للحدود الجنوبية، واستمرار استهداف عناصر مواقع الحزب في اكثر من مكان، بينما أصبح استمرار وجود ما تبقَّى من سلاح لدى الحزب، متفلتا عن السلطة الشرعية، بمثابة عامل عدم استقرار ويهدد وحدة لبنان وأمنه وسيادته على حد سواء، ويخدم مصالح إيران على حساب مصلحة لبنان وشعبه .

اما دفاعه عن بقاء السلاح باعتباره حرر الارض وحفظ كرامة لبنان واللبنانيين، جاء منقوصا وغير واقعي، لانه لم يتطرق إلى ما اصبحت عليه وظيفة هذا السلاح بعد تحرير الارض في العام الفين، وما تسبب به في استجرار حربي تموز العام 2006 ، وويلاتها على لبنان وحرب الاسناد التدميرية، التي يكابد الجنوبيون تحديدا، تداعياتها وخرابها حتى اليوم، مع عودة احتلال الارض من جديد، وهل التزم الميثاقية والدستور، ناهيك عن الارتكابات وجرائم القتل التي ارتكبت تحت سقف هذا السلاح، واستهدفت رموزا وشخصيات سياسية وفكرية وامنية بارزة، والهيمنة على مفاصل ومقدرات لبنان، والمشاركة بالحرب المذهبية في سوريا والعراق واستهداف امن الدول العربية الشقيقة.

لم يكن بري في دعوته لاجراء حوار والاتفاق على استراتيجية دفاعية، لحل مشكلة السلاح مقنعا او حتى مقبولا من كثير من الاطراف، اولا لانه تبنى موقف الحزب بالكامل من هذا الموضوع، ولم يدخل عليه اي تعديل ولو كان طفيفا، وثانيا لانه اطلق مثل هذه الدعوة اكثر من مرة منذ عقدين، ولم يسعَ إلى التشدد بوضعها موضع التنفيذ، لانه يعلم ان قرار السلاح بيد إيران، وهي التي تقرر مصيره، وليس اي طرف محلي، وتبين ان مثل هذه الطروحات عقيمة، وتُسوَّق للاستهلاك المحلي وكسب الوقت فقط لا غير.

للتذكُّر، تناسى رئيس المجلس النيابي كيف تم وضع شرط الحوار المسبق مع حزب الله، لاكثر من عامين لتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية وابقاء سدة الرئاسة شاغرة طوال هذه المدة، لان إيران تريد توظيف هذا الاستحقاق في مشاريعها وصفقاتها مع الولايات المتحدة الاميريكية على حساب لبنان، وتمت عملية انتخاب العماد جوزف عون بمعزل عن شرط اجراء الحوار المسبق.

ختامُا، الواقع أن الخطوة اللبنانية الكبيرة التي نفذتها الحكومة اللبنانية عندما اتخذت قرار حصرية السلاح، أحرجت الجانب الإسرائيلي الذي يحاول التنصل من سياسة «خطوة مقابل خطوة»، التي نصت عليها ورقة الوسيط الأميركي توم باراك، ويماطل نتنياهو حتى الآن تهرباً من إتخاذ خطوة بمستوى القرار غير المسبوق الذي إتخذته الحكومة اللبنانية.

والسؤال الذي يشغل اللبنانيين هذه الأيام: هل يراوغ نتنياهو في تعطيل مهمة باراك، واستغلال دعم ترامب غير المحدود، ليبرر تصعيد غاراته اليومية، وربما إعلان حرب جديدة ضد حزب الله.

شارك هذا الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!