لبنان والحراك الدبلوماسي قبل العاصفة…
أحمد مطر
تشهد الساحة اللبنانية سلسلة خطوات نوعية خلال الأشهر الأخيرة، تعكس تحولًا جديًا في مقاربة الدولة لمعضلاتها الأمنية والسياسية. فقرار الحكومة بحصرية السلاح بيد الدولة، وتكليف الجيش اللبناني تنفيذ مضمون هذا التوجه، إضافة إلى رفع مستوى التمثيل في لجنة الميكانيزم عبر تعيين السفير السابق سيمون كرم رئيسًا للوفد اللبناني، كلها إشارات واضحة إلى أن لبنان دخل مرحلة جديدة من التعاطي المسؤول مع متطلبات بسط سلطة الدولة واستعادة قرار السلم والحرب. ويأتي هذا المسار متزامنًا مع تمكُّن الجيش من إنجاز 90 في المئة من مهامه جنوب الليطاني، في ظل استمرار الحكومة بمسار الإصلاحات الهيكلية المالية والإدارية المطلوبة داخليًا ودوليًا.
هذه التطورات، على أهميتها، لا يمكن أن تؤتي ثمارها إذا تُرك لبنان وحيدًا أمام تعقيدات الوضع الميداني في الجنوب، والخروقات الإسرائيلية اليومية، والتصعيد المستمر الذي يهدد بنسف كل مساعي التهدئة. فلبنان اليوم يقف أمام مرحلة دقيقة تتطلب من الأشقاء والأصدقاء، ولا سيما الدول العربية الأساسية والمجتمع الدولي، تقديم دعم واضح وملموس، سواءٌ عبر المساعدات العسكرية واللوجستية اللازمة للجيش، أو عبر تسريع انعقاد المؤتمر الدولي المخصص لدعمه وتمكينه من القيام بمهامه كاملة، أو عبر الضغط المباشر على إسرائيل لوقف الاعتداءات والإعلان عن بدء الانسحاب من الأراضي اللبنانية وفق متطلبات القرار 1701.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية دور إدارة الرئيس ترامب التي تسعى، وفق مقاربتها الحالية، إلى إطفاء نيران الحروب في الشرق الأوسط وشرق أوروبا، وإلى خلق بيئة أكثر استقرارًا تسمح بإعادة ترتيب الأولويات الدولية. ومن هذا المنطلق، يصبح الملف اللبناني جزءًا أساسيًا من معادلة الاستقرار الإقليمي؛ إذ يشكل لبنان نموذجًا هشًا لأي اهتزاز أمني أو سياسي، وأي توتر فيه قد ينعكس مباشرة على المنطقة بأكملها. لذا، فإن دعم واشنطن للخطوات اللبنانية الأخيرة يشكل ضرورة استراتيجية، سواءٌ لاحتواء التصعيد في الجنوب، أو لتثبيت مسار استعادة الدولة لدورها الكامل.
وفي هذا السياق، لا يكفي أن تتبرأ إيران لفظًا من التدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية، بل عليها الالتزام بسيادة لبنان من خلال اتخاذ خطوات عملية لإقناع قيادة حزب الله بالتعاون بمصداقية مع الدولة والانخراط في مشروعها.
ختامًا، واشنطن سئمت التسويف والمماطلة اللبنانية في موضوع حصرية السلاح، وعبّرت واشنطن عن استيائها من خلال التصريحات والمواقف التي اتخذها توم براك ومورغان أورتاغوس في عدة مناسبات، والتي لم تنعكس بصورة إيجابية وفعّالة على تعامل الدولة والجيش مع عملية نزع سلاح حزب الله. وذهبت الإدارة الأميركية إلى أبعد من ذلك في التعبير عن عدم رضاها عن سلوك الدولة في التعامل مع سلاح حزب الله، بأن اعتمدت موقفًا أدى إلى إلغاء زيارة لقائد الجيش إلى واشنطن.
