لبنان يتجه للتفاوض مع إسرائيل
أحمد مطر
يكثر الحديث هذه الأيام عن مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي في إطار لجنة الميكانيزم، يريدها لبنان غير مباشرة، فيما الوسيط الأميركي والطرف الإسرائيلي يريدانها مباشرة. وفي الحالتين لم تتضح بعد معالم خطة وطنية شاملة لإدارة هذا المسار الدقيق والحساس. ومع أن المفاوضات تُعدُّ وسيلة مشروعة لاستعادة الحقوق وحماية السيادة، إلا أن خوضها بلا رؤية متكاملة، أو منطلق وطني موحد قد يُفقدها مضمونها، ويحوّلها إلى مجرّد عملية شكلية تخدم مصالح ظرفية، أو حسابات سياسية داخلية .
هل يجب أن نصدق أن منطقة الشرق الاوسط قد بدأت بالفعل مساراً متسارعاً للتحول والبدء بحل كل الأزمات المزمنة المستمرة منذ أكثر من قرن كامل، وبأن نقطة البداية لهذه التحولات الكبرى هي الخطة التي قدمها الرئيس ترامب والمؤلفة من عشرين نقطة من أجل وقف النار وإنهاء الحرب في غزة.
بالفعل نجحت هذه الخطة في دفع حماس لتسليم جميع الرهائن الإسرائيليين الاحياء، وهي جادة لتسليم جثث الرهائن من الاموات، وبالرغم من الانتكاسات التي شهدها القطاع والتي أودت في يوم واحد إلى استشهاد ما يزيد عن مئة فلسطيني، كان الرئيس ترامب ما زال متفائلا بنجاح الخطة لوقف الحرب وفتح الباب لتطورات عديدة على كل من الجبهتين السورية واللبنانية، بالإضافة إلى وضع حد واضح للنفوذ الإيراني في المنطقة .
وكان اللافت أيضاً بأن الرئيس ترامب قد ذهب بعيداً في تصوراته لمستقبل المنطقة من خلال الحديث عن اقتراب فجر السلام، ودفع المنطقة إلى مستقبل زاهر اقتصادياً وعمرانيًا .
هنا لابد من القول بأن إسرائيل ترغب بالتأكيد في استغلال الجهود الاميركية من أجل فتح صفحة جديدة من التعاون الواسع مع الدول العربية الخليجية، لكن تحسن العلاقات بين هذه الدول وإيران، وخصوصاً بعد المصالحة السعودية – الإيرانية، بوساطة صينية قد يعرقل تحقيق مثل هذا التعاون والانفتاح الاقتصادي الذي ترغب به تل أبيب. ويبدو بوضوح أن علاقات الرئيس ترامب بقيادة الدول الخليجية سيسهل نمو العلاقات الاميركية ، العربية بمعزل عما تريده أو ترغب به إسرائيل أو اللوبي الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة .
في الواقع استفادت إسرائيل من الصدمة التي أحدثتها عملية طوفان الاقصى وسهلت لها الحصول على دعم أميركي غير محدود، وبما سمح لها لإطلاق هجماتها المدمرة ضد جميع جبهات محور الممانعة الإيراني، وقد سجلت خلال عملياتها انتصارات كبرى وكلفتها تخطت العديد من الخطوط الحمر التي قامت عليها التوازنات الاقليمية، وخصوصاً لجهة اغتيال قيادات كبيرة في صفوف أعدائها من اسماعيل هنية داخل طهران إلى حسن نصر الله، إلى قيادات إيرانية بارزة داخل سوريا، ووصولاً إلى اغتيال رئيس وزراء الحوثيين في اليمن وعدد من وزرائه. وحققت إسرائيل إنجازاً عسكريًا لم تكن تحلم به في الماضي وذلك من خلال مهاجمتها للداخل الإيراني، وتدمير العديد من المواقع النووية الهامة وإبرزها محطة نطنز لتخصيب اليورانيوم. لكن يبدو أن الغرور والغطرسة الإسرائيلية لا يقفان عند حدود، وهذا ما دفعها إلى محاولة اغتيال قيادات حماس في عاصمة قطر، حيث أظهرت القيادة الإسرائيلية تعديها لكل الضوابط في مراعاة المصالح الأميركية الكبرى، وهذا ما دفع الرئيس ترامب لوضع كامل ثقله السياسي لفرض وقف اطلاق النار في غزة. والتعبير عن إرادته للعمل على إحلال السلام في المنطقة، وكانت نقطة الانطلاق لهذا التحول الاساسي في موقف ترامب ورؤيته الجديدة لمستقبل المنطقة بالضغط الذي مارسه شخصياً لإجبار نتنياهو على قراءة نص اعتذار رسمي على أمير قطر على الهاتف .
لن يكون من السهل على إسرائيل أن تلعب الدور الاستراتيجي الذي تطمح إلى لعبه من خلال تفوقها العسكري، فهناك مطالب أساسية لدى الافرقاء والآخرين وأبرزها العمل فعلياً لتحقيق السلام، والذي تبقى قضيته قيام دولة فلسطينية نقطته المحورية. والدول العربية والإسلامية تنظر إلى ترامب وإدارته كقوة ضامنة لتحقيق هذا المسار الصعب، في مواجهة الرفض الإسرائيلي المتمثل بقوة اليمين الإسرائيلي، وأن أكبر دليل على ذلك القراءة الثانية لقانون ضم الضفة الغربية في الكنيست في خضم المساعي الأميركية لوقف الحرب .
في الوقت الذي تتضافر فيه جهود الدول العربية والاسلامية للتحضير لانطلاق المرحلة الثانية من خطة غزة تأتي زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن خلال هذا الشهر لتضفي المزيد من الأمل والتفاؤل للتحولات الاقليمية الكبرى برعاية الرئيس ترامب. كما يبرز التبدل النوعي في الموقف اللبناني بدعوة الرئيس جوزاف عون للحوار مع إسرائيل، والذي يفتح الباب لتفادي وقوع حرب جديدة على لبنان، وبالتالي فتح كوَّة في جدار الأزمة المستمرة بين إسرائيل ولبنان، والتي توحي وفق العمليات الإسرائيلية اليومية ووفق تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بقرب شن إسرائيل لعملية عسكرية واسعة للقضاء على ما تبقى من قدرات حزب الله القتالية .
يبدو أن الرئيس عون قد اقتنع أخيراً بأن ليس هناك من بديل لوقف العملية الإسرائيلية وتأمين الانسحاب من الجنوب واستعادة الاسرى إلا بالحوار مع إسرائيل، مبرراً قراره بالقول إن لغة الحوار هي أهم من لغة الحرب، والتي عرفنا ما خلفته من نتائج كارثية. وجاء تصريح الرئيس عون بعد تكثيف إسرائيل لعملياتها في لبنان في إطار ممارسة اقصى الضغوط على حزب الله بعد إعلانه تكراراً رفضه للانصياع لقرار مجلس الوزراء اللبناني بنزع سلاحه في الخامس من أغسطس-آب الماضي .
ختامًا يدرك الجميع في لبنان بأن نزع سلاح حزب الله بات يشكل المدخل الوحيد إلى واحة السلام الاقليمي الموعود. وهناك طريقان لسلوك هذا المسار الاول، باستعمال القوة من خلال وضع الجيش في مواجهة الحزب، والثاني، من خلال الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، برعاية أميركية. والتوصل إلى حل لا يملك الحزب القدرة على نقضه سياسياً أو عسكريًا .
