لقد حوَّلوا الصَّحافة إلى “مهْنة اطْحنْ مُّو”…

لقد حوَّلوا الصَّحافة إلى “مهْنة اطْحنْ مُّو”…

عبد الرحمان الغندور

            في ظلالِ صمت الأبواق المأجورة على ما جرى ويجري حول مهنةٍ كانت يوماً منارةً للحقيقة، تنعقدُ اللجانُ وتجتمعُ المجالسُ وهي تحملُ بين طيّاتها سكاكينَ مُسنَّنةً موجهةً إلى صميمِ الرسالةِ الصحفية. ما جرى في مقرّ الصحافة الوطنية بالمغرب، ليس مجرّدَ حادثةٍ عابرة، بل هو علامةٌ فارقةٌ في مسارِ تحوّلِ المؤسساتِ المهنيةِ من حصونٍ للدفاعِ عن الحقيقةِ إلى أدواتٍ لتصفيةِ الحسابات.

لقد شاهدنا بأمِّ أعيننا كيف تتحوّلُ الأخلاقياتُ إلى ذريعة، والمهنيةُ إلى قناع، والزمالةُ إلى خنجرٍ مسموم. ففي تلك الغرفةُ التي كان مُفترضاً أن تكونَ منارةً لتحكيمِ العقلِ وحمايةِ الحقّ، نراها وقد أصبحت مسلخاً تُذبحُ فيه الكلمةُ الحرةُ بِسكاكينِ الزملاءِ أنفسهم. إنَّ المشهدَ المخزي الذي رأيناه وسمعناه، ليس مجرّدَ خرقٍ للقانون، بل هو انهيارٌ للمنظومةِ الأخلاقيةِ برمّتها.

كيف لِهيئةٍ من المفروض أن تكونَ حصناً للضميرِ المهني، أن تتحوّلَ إلى أداةِ للردع والقمعٍ وتكميم الأفواه، كيف لِمن كانوا رموزاً للمهنةِ أن يتحوّلوا إلى جلاّدينَ لها؟

فالفيديو الذي انتشرَ يكشفُ فقط عن جزء بسيط من الحقارة والدناءة التي تسري في الجسد الصحافي المغربي، كما تعبر عنه تلكَ اللغةِ الحقيرة والمسمومة، وذلكَ التنمّرِ المُمنهج، والالتفافِ المُتعمَّدِ حولَ القانونِ لسلبِ الضحيّةِ حتى حقِّها في الدفاعِ عن نفسها.

الأمرُ لا يتعلّقُ بِشخصٍ حميد المهداوي وهو يجلد من طرف زملاء له في المهنة، ويطلب رأسه عن سبق إصرار وترصد، بل يتعلّقُ بمستقبلِ مهنةٍ بأكملها. إنَّ سحبَ بطاقةِ الصحافةِ هنا ليس إجراءً تأديبياً، بل هو ممرٌّ مُخطَّطٌ له بدقةٍ لنقلِ الصحفيِّ من ساحةِ القانونِ الخاصِّ بالصحافة، الذي يحميه من السجن، إلى فخِّ القانونِ الجنائيِّ حيثُ تنتظرهُ القضبانُ. إنها مؤامرة تكييف مُمنهجةٌ لوضعية الصحفيِّ، وتحويله من ناقلٍ للأخبارِ إلى متّهمٍ في قضية يطاله فيها القانون الجنائي.

ويبلغُ العبث والخسة ذروتهما عندما يُصبحُ المجلسُ الوطنيُ للصحافةِ أداةَ لتنفيذِ ما تعجزُ عنهُ الدولةُ أحيانا بشكلٍ مباشر. لمْ يعدِ القمعُ بحاجةٍ إلى دباباتٍ أو أجهزةٍ أمنية، بل صارَ يكفي أن تُسلّطَ على الصحفيِّ زملاءَه، وأن يحاكموه بمقتضياتِ “الأخلاقيات” بينما النيّةُ مبيّتةٌ لإسكاتِه إلى الأبد.

الموقف هنا واليوم، ليس مجرّدَ صرخةِ غضب، بل هو استغاثةٌ إلى كلِّ ضميرٍ حي. وبالتالي ننتظرُ من النيابةِ العامةِ أن تتحرّك، ليسَ للتحقيقِ في هفوةٍ، بل في جريمةٍ مهنيةٍ منظمة. كما ننتظرُ من الصحفيينَ الشرفاءِ أن يرفضوا هذا المسخَ الذي يُسمى بمجلسِ الصحافة، أن يُمزّقوا تلك البطاقةَ التي صارتْ وصمةَ عارٍ أكثرَ منْ كونِها شهادةَ انتماء.

ما حدثَ هو اختبارٌ حقيقيٌّ للضميرِ الجماعي. إمّا أن نقفَ جميعاً لنقولَ كفى، أو نُسجِّلَ بِأحرفِ من ذهبٍ أسودِ نهايةَ مهنةِ الصحافةِ في بلادنا، لتحلَّ محلَّها في ظلالِ صمت الأبواق المأجورة على ما جرى ويجري حول مهنةٍ كانت يوماً منارةً للحقيقة، تنعقدُ اللجانُ وتجتمعُ المجالسُ وهي تحملُ بين طيّاتها سكاكينَ مُسنَّنةً موجهةً إلى صميمِ الرسالةِ الصحفية. ما جرى في مقرّ الصحافة الوطنية بالمغرب، ليس مجرّدَ حادثةٍ عابرة، بل هو علامةٌ فارقةٌ في مسارِ تحوّلِ المؤسساتِ المهنيةِ من حصونٍ للدفاعِ عن الحقيقةِ إلى أدواتٍ لتصفيةِ الحسابات.

لقد شاهدنا بأمِّ أعيننا كيف تتحوّلُ الأخلاقياتُ إلى ذريعة، والمهنيةُ إلى قناع، والزمالةُ إلى خنجرٍ مسموم. ففي تلك الغرفةُ التي كان مُفترضاً أن تكونَ منارةً لتحكيمِ العقلِ وحمايةِ الحقّ، نراها وقد أصبحت مسلخاً تُذبحُ فيه الكلمةُ الحرةُ بِسكاكينِ الزملاءِ أنفسهم. إنَّ المشهدَ المخزي الذي رأيناه وسمعناه، ليس مجرّدَ خرقٍ للقانون، بل هو انهيارٌ للمنظومةِ الأخلاقيةِ برمّتها.

كيف لِهيئةٍ من المفروض أن تكونَ حصناً للضميرِ المهني، أن تتحوّلَ إلى أداةِ للردع والقمعٍ وتكميم الأفواه، كيف لِمن كانوا رموزاً للمهنةِ أن يتحوّلوا إلى جلاّدينَ لها؟ فالفيديو الذي انتشرَ يكشفُ فقط عن جزء بسيط من الحقارة والدناءة التي تسري في الجسد الصحافي المغربي، كما تعبر عنه تلكَ اللغةِ الحقيرة والمسمومة، وذلكَ التنمّرِ المُمنهج، والالتفافِ المُتعمَّدِ حولَ القانونِ لسلبِ الضحيّةِ حتى حقِّها في الدفاعِ عن نفسها.

الأمرُ لا يتعلّقُ بِشخصٍ حميد المهداوي وهو يجلد من طرف زملاء له في المهنة، ويطلب رأسه عن سبق إصرار وارصد، بل يتعلّقُ بمستقبلِ مهنةٍ بأكملها. إنَّ سحبَ بطاقةِ الصحافةِ هنا ليس إجراءً تأديبياً، بل هو ممرٌّ مُخطَّطٌ له بدقةٍ لنقلِ الصحفيِّ من ساحةِ القانونِ الخاصِّ بالصحافة، الذي يحميه من السجن، إلى فخِّ القانونِ الجنائيِّ حيثُ تنتظرهُ القضبانُ. إنها مؤامرة تكييف مُمنهجةٌ لوضعية الصحفيِّ، وتحويله من ناقلٍ للأخبارِ إلى متّهمٍ في قضية يطاله فيها القانون الجنائي.

ويبلغُ العبث والخسة ذروتهما عندما يُصبحُ المجلسُ الوطنيُ للصحافةِ أداةَ لتنفيذِ ما تعجزُ عنهُ الدولةُ أحيانا بشكلٍ مباشر. لمْ يعدِ القمعُ بحاجةٍ إلى دباباتٍ أو أجهزةٍ أمنية، بل صارَ يكفي أن تُسلّطَ على الصحفيِّ زملاءَه، وأن يحاكموه بمقتضياتِ “الأخلاقيات” بينما النيّةُ مبيّتةٌ لإسكاتِه إلى الأبد.

الموقف هنا واليوم، ليس مجرّدَ صرخةِ غضب، بل هو استغاثةٌ إلى كلِّ ضميرٍ حي. وبالتالي ننتظرُ من النيابةِ العامةِ أن تتحرّك، ليسَ للتحقيقِ في هفوةٍ، بل في جريمةٍ مهنيةٍ منظمة. كما ننتظرُ من الصحفيينَ الشرفاءِ أن يرفضوا هذا المسخَ الذي يُسمى بمجلسِ الصحافة، أن يُمزّقوا تلك البطاقةَ التي صارتْ وصمةَ عارٍ أكثرَ منْ كونِها شهادةَ انتماء.

ما حدثَ هو اختبارٌ حقيقيٌّ للضميرِ الجماعي. إمّا أن نقفَ جميعاً لنقولَ كفى، أو نُسجِّلَ بِأحرفِ من ذهبٍ أسودِ نهايةَ مهنةِ الصحافةِ في بلادنا، لتحلَّ محلَّها “مهنةُ طحن مو ” من طرف أولئك الذين لا ينتمونَ إلى جسدِ الحقيقة، بل إلى جحافلِ التطبيلِ والتزييف.

إننا اليوم أمامَ انهيار مُؤسساتيٍّ يضاف إلى كل الانهيارات وأنماط الفساد المنظّمة، وهو انهيار يلبسُ عباءةَ القانونِ ويتّكئُ على مبدأِ الأخلاقياتِ ليُجهزَ على آخرِ معاقلِ الكرامةِ الإنسانية وحرية التعبير الحقُّ في قولِ الحقيقة.

إننا اليوم أمامَ انهيار مُؤسساتيٍّ يضاف إلى كل الانهيارات وأنماط الفساد المنظّمة، وهو انهيار يلبسُ عباءةَ القانونِ ويتّكئُ على مبدأِ الأخلاقياتِ ليُجهزَ على آخرِ معاقلِ الكرامةِ الإنسانية وحرية التعبير الحقُّ في قولِ الحقيقة.

شارك هذا الموضوع

عبد الرحمان الغندور

كاتب وناشط سياسي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!