لماذا تجويع غزة؟!

لماذا تجويع غزة؟!

سمير سكاف

        يمكن لاسرائيل في زمن “الأمن الإسرائيلي” في الشرق الأوسط الجديد، الذي أصبح “محمية اميركية” بعد خروج روسيا… أن تفعل ما تشاء، حتى بمعارضة أميركية!

في زمن “الأمن الإسرائيلي” تستطيع اسرائيل أن تقتل وتغتال من تشاء، أن تقصف ما تشاء، وحينما تشاء! هذه هي المعادلة الجديدة!

في زمن “الأمن الإسرائيلي” لا قيمة للقانون الدولي ولا للمؤسسات الدولية؛ لا للهيئة العامة للأمم المتحدة ولا لمجلس الأمن ولا للمحاكم الدولية، لا محكمة العدل ولا المحكمة الجنائية!

في زمن “الأمن الإسرائيلي” الهدف هو ضم كل الدول العربية إلى اتفاقات أبراهام، إلى التطبيع، وإلى توقيع اتفاقات سلام!

في زمن “الأمن الإسرائيلي” تستطيع اسرائيل قتل أهالي غزة جوعاً.

تجويع غزة يهدف إلى تضييق الخناق أكثر فأكثر على حماس وعلى بيئتها. ويهدف إلى تقليب أهل غزة على حماس، وعلى اتهامها أنها تحتمي بدماء أطفال غزة بدلاً من أن تحميهم.

يهدف تجويع غزة بمشاهد تشبه المجاعات الأفريقية الكبرى، وبموت أطفال وأهل غزة جوعاً إلى تركيعهم، وإلى ترويضهم، وإلى دفعهم للاستسلام! في غياب أي “انتفاضة” لضمير الرأي العام الدولي.

ويهدف التجويع إلى فرض الشروط الإسرائيلية على التفاوض لاسترجاع ما تبقى من الأسرى الأحياء (حوإلى 20 أسيراً)، كما من الاموات (حوإلى 50 أسيراً)!

ولكن، وان كانت المرحلة ما قبل الأخيرة تبدو ممكنة وان كانت فائقة التعقيد، إلا أن المرحلة الأخيرة تبدو مستحيلة، لأنها تعني أن الجيش الاسرائيلي حصل على الضوء الأخضر لجرف ما تبقى من غزة، وانهاء حماس عسكرياً وسياسياً في السلطة على غزة.

يمكن لحماس بعدها أن تقاوم سياسياً في الضفة وفي الشتات. ولكن مستقبل غزة يتقرر عندها اسرائيلياً بمعزل عن الارادة الدولية أو العربية. ولا حل للدولتين في الأفق!

ولن يكون حال الضفة الغربية أفضل من حال غزة على المدى المتوسط. وهو سيشهد توترات أمنية وتوسعاً في الاستيطان وتزايداً للمستوطنين.

سوريا في زمن “الأمن الاسرائيلي”

في زمن “الأمن الإسرائيلي”، تستطيع اسرائيل أن تقصف القصر الرئاسي في سوريا من دون أي رادع! وهي تستطيع أن تُبقي جيشها على بعد حفنة من الكيلومترات عن دمشق في حياة ديبلوماسية دولية “عادية”!

في زمن “الأمن الإسرائيلي”، تبقى سوريا “الدولة” موحدة أو غير موحدة بإرادة اسرائيلية. وتسيطر اسرائيل فيها على جنوب سوريا، وتقيم على الأقل حزاماً أمنياً.

وتعمل اسرائيل على التنسيق مع تركيا لعدم الاشتباك في سوريا بناءاً لاجتماعات، واتفاقات أذربيدجان، غير المعلنة!

في زمن “الأمن الإسرائيلي”، الرئيس أحمد الشرع يمكن أن يُستهدف شخصياً في أي لحظة! ويمكن إعادة سوريا إلى الفوضى في كل لحظة كما جرى في السويداء في الأيام الأخيرة.

ويساعد الاقتتال السوري الهمجي الداخلي، بالذبح والتنكيل والإجرام والإذلال المتبادل بين المذاهب، اسرائيل كثيراً في مخططها التوسعي والتقسيمي.

ويجعل مستقبل سوريا على كف عفريت في غياب أي خلف للشرع، وفي تغييب لجيش سوري قادر على الإمساك بالأمن في سوريا في وجه تفلت الميليشيات الدينية والمذهبية المتطرفة!

في زمن “الأمن الإسرائيلي”، “سوريا القوية” ليست على أجندته بعد! حتى ولو كان العالم يحاول إعادة بناء “الدولة” فيها شيئاً فشيئاً!

لبنان في زمن الأمن الإسرائيلي

في زمن “الأمن الإسرائيلي”، الضربات لسوريا هي رسالة أيضاً، وإن كانت غير حصرية، لحزب الله في لبنان! إما تسليم السلاح وإما تدمير لمناطق الحزب ولبيئته… حتى الاستسلام!

ولكن في زمن “الأمن الإسرائيلي” حزب الله لن يستسلم! فهو يفضل الموت على الاستسلام. وقد تمنح اسرائيل هذا الشرف لمعظم الباقين من قادته العسكريين، والسياسيين – العسكريين. فاسرائيل، على ما يبدو تريد الانتهاء من سلاح حزب الله نهائياً في جنوب، كما في شمال الليطاني!

في زمن “الأمن الإسرائيلي، هوكشتاين وأورتاغوس وبراك، وحتى ويتكوف وروبيو وترامب نفسه يخدمون مشروع “الأمن الإسرائيلي”!

وهو ما يعني أنه لن تبقى الأجواء في لبنان هادئة طويلاً. ويدرك الجميع أن هذا الهدوء يسبق العاصفة التدميرية وموجة حرب جديدة!

إيران في زمن “الأمن الإسرائيلي”

في زمن “الأمن الإسرائيلي”، نجحت اسرائيل والولايات المتحدة بتدمير أسس البرنامج النووي الإيراني، بقصف أبرز منشآته في نطنز وأصفهان وفوردو بشكل أساسي، والتي تعمل على تخصيب اليورانيوم. وهي نجحت بإبعاد أي مخاطر قد تؤدي إلى وصول إيران إلى القنبلة النووية في السنوات المقبلة.

ولكن في زمن “الأمن الإسرائيلي”، اسرائيل لن توقف حربها على إيران بشتى الوسائل حتى تغيير النظام في إيران.

في زمن “الأمن الإسرائيلي”، لم تصل اسرائيل إلى الأمن بعد. ولكن فيتوهات الدعم الأميركي تعطل كل قرارات مجلس الأمن، كما كل مبادرات الأمن في المنطقة، أممية كانت، أم أوروبية (وهي الداعمة للأمن الاسرائيلي) أو حتى عربية!

في زمن “الأمن الإسرائيلي”، لا أمن في الشرق الأوسط الجديد قبل رسم خرائط جديدة، وقبل الوصول إلى شبه إجماع عربي وإيراني للسير في اتفاقات أبراهام!

شارك هذا الموضوع

سمير سكاف

كاتب وخبير في الشؤون الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!