لماذا يأتي رؤساء الحكومات في ثلاثة أصناف؟

لماذا يأتي رؤساء الحكومات في ثلاثة أصناف؟

د. محمد الشرقاوي

           فئة أولى يعطون للمنصب معنى جديدًا، بمدى ما لديهم من الحكمة وبعد النظر، وحصافة الاختيار عند هندسة سياسات عامة بديلة. ويجمعون بين العلم والذكاء الفطري وطموح التحدي، ويتمتعون بملكة الحديث والتواصل، وتكون أقوالهم مصدر إلهام للجماهير ويدمغون حقبتهم بلمستهم الشخصية في الزعامة أكثر من القيادة لتتحدث عنها الأجيال اللاحقة، وهم أقرب إلى من تحدث عنهم أفلاطون بمقولة “الحاكم الفيلسوف”، أو من قاد بريطانيا أيام القصف النازي إبان الحرب العالمية الثانية.

 فئة ثانية يعملون على إيجاد حلول معقولة للمشاكل اليومية، ويعتبرون أنفسهم تقنيي تسيير لشؤون الدولة، أو بالأحرى “تكنوقراط” السياسات العامة. يعرفون قدراتهم المحدودة على الابتكار وحتى على مخاطبة الجماهير، فتكون ألوانهم خافتة في الحياة العامة. يأتون ويذهبون دون ضجيج ولا تعيرهم الذاكرة الجماعية أي تمجيد أو تخليد.

 فئة ثالثة لم يصلوا السياسة من الطريق العادي أو ممر معروف، بل أركبهم أصحاب الفضل براقا خاصا من سطات إلى الرباط. لا تسعفهم عصبونات أدمغتهم على تعلم السياسة أو التقاط أبجديات الخطاب السياسي البسيط، ناهيك عن فصاحة الإلهام السياسي والفكري. وحتى إن تمّ تحفيظهم بعض السطور أو العبارات المحورية قبل دوران الكاميرا، تضيع منهم أو تتحلّل منهم من تلقاء ذاتها في لازمة “اللي سميتو”، على غرار لازمة الشعر.

هم فئة التائهين الحائرين بين من يجمع لهم المعلومات والأرقام.. ومن يكتب لهم نص الخطاب.. ومن يهندس لهم خلفية الصورة وتفاصيل الديكور على أمل أن يوحي بعظمة المتحدث “المفوّه” والزعيم “الملهم”.. ومن يختار لهم إطار النظارات ولون ربطة العنق لعلهما يضفيان نسمة من روح “الزعامة”.. ومن يفرك المشط والأبخرة على رؤوسهم من أجل تصفيف الشعر.. ومن يضع المساحيق الخافتة بدقة على بشرتهم بشكل يفوق براعة مصممي هوليود.

ويزداد إلى فريق المستشارين والمساعدين ومساعدي المساعدين أصحاب الحل والعقد في اختيار الصحفي/الصحفيين المناسبين لهذا الحدث الجلل، والتنسيق معهم مسبقا على تفادي الكرات الصعبة وتحديد مسار الكرات الناعمة على قدر المستطاع.

وينضم إلى الجوقة لاحقا “حاملو النافخ ورا جيلالة” من كَتَبَة، وليسوا كُتّابا، التدوينات وشبه المقالات التي تشيد بالفتح العظيم بيوم خرج فيه القمر عن تواضعه.. فأبهر الأمة والشعب والجماهير، أحياء وأمواتا، وحاضرا ومستقبلا، بأنه حقق المعجزة وفاق التوقعات، وأكد ألمعية نادرة وجدارة عارمة بأنه يستحق أن يبقى في المنصب خمسة أعوام… أو عشرة أعوام.. ولِمَ لا مدى الحياة!

شارك هذا الموضوع

د. محمد الشرقاوي

أكاديمي وكاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!