“ليلة مع رباب”.. الرواية الجديدة لفاتحة مرشيد

“ليلة مع رباب”.. الرواية الجديدة لفاتحة مرشيد

 أحمد حبشي                

           في ارتداد الهواجس تينع الأحلام، تنتصب الأيام طافحة بصولة الذكريات، بهجة الاشراق وأوجاع الإخفاق. أسرار تلف وقائع وحكايات مثقلة بسديم الأشجان. هو ارتداد لجبر الخواطر وقياس مسافات الضنك وفسحات الارتياح.  

(ليلة مع رباب) ارتقاء البوح بالإخفاق إلى سدرة التجلي، وكشف خبابا ما لا تقوى الأيام على حصر حدود وقعها، فمن جحيم الوحدة والاستصغار إلى مدارج الحضور الوازن، مسار انساني يضج بالمشاعر تخترقه رجات لا يصد عنفها خفقان القلب، ولا التسلي بجميل الأحلام. ففي لوعة الحب أشياء لا ترى، تسيخ في الدم نبضا يوقظ المواجع، لا تصده رهبة الإخفاق ولا عاقبة الاستهتار. خطو العاشق تحده المحاذير، تكفيه رجة الحضور في محيط من يهوى وما تغدق عليه اللحظة من نسائم البهجة. هكذا يصبح العاشق “بارعا في توجيه الأحلام يكفيه أن يبدأ في تخيل مشهد رومانسي، وهو على أهبة النوم… حتى يستمر دماغه في نسج باقي الحكاية”                

 يستمر البوح في كشف اللواعج وقسوة المسافات، لا بريق يلوح في أفق صخب التمادي في حلم شاسع الضفاف.

رباب” في الحكاية سيدة عالية المقام، والعاشق خادمها وحافظ بعض أسرارها، ينحدر من وسط مأزوم، تحاصره العوائق وتصده كل الأبواب. حين يجد ما يفسح المجال لتتفتق مناه، تسكنه لواعج العشق ويبتهل للحظة تلفه محاسنها، تدنيه ممن تملكه عشقها ولا يقوى على صد وقع الهزات. يكتفى بنسائم المودة ومباهج القرب وهو يساير وقع الخطو، يصله الصوت الآمر بضبط الخدمات والحرص على الاستجابة السريعة لكل الطلبات.

“حقيقة الأمر، هي أنك عندما تشتغل عند امرأة تعشقها، تصبح بالضرورة عبدا لها، تفعل كل ما بوسعك لإرضائها على أمل ان تحبك قليلا… هكذا توهم نفسك، مؤمنا بأنك لو أغدقت عليها بالعطاء دون حساب. العطاء من نفسك من صحتك، من روحك.. سينتهي بها الأمر إلى تقدير صنيعك وحبك بالمقابل”

لا يقين يحد من رجة الإخفاق، استحضار دائم لعوائق التواصل ومبطلات الألفة وتوطيد العلاقات. يتمادى الصد بزواج رباب، ويداري العاشق مكر الزمن بالإفراط في الامتثال، يقيس وقع المسافة كلما اشتد به أوار الحرمان، يستحضر تفاصيل أيامه كما عاشها يتيما منذ لحظة الميلاد.

يرتد الزمان ليزيح الستار عن ليالي رباب، سهاد وحدتها وارتقاء المواجع في سمو الإحباط والخدلان. “لا أحد ينجو من ضربات الحياة …منا من يستطيع أن يطبطب على الجراح وينهض. ومنا من يقضي تحت وقع الضرب” هوس القاتم من الأيام يترصد كل لحظات الاشراق والسمو عن المواجع، لم تستقم أيامها بين الصبا والشباب، ترعرعت بين السعي المستمر للحد من صدى الانكسار والغوص في نسائم اشراقات العزة والحنان

“كان الحاج صالح رجلا طيبا أحبني بصدق.. عوضني عن كل الحب الذي كنت أفتقد إليه دللني وأمن لي مستقبلي رحمه الله. تغييره اسمي من ّجودية إلى رباب أعاد إلي الثقة في نفسي وجعلني أشعر بأني ولدت من جديد”.

 عبور الحاج في حياة رباب وسع مجرى الأيام وتفتقت في أعماقها مباهج الحياة، استوت على صفاء سريرتها واستباحها البوح بما يؤجج وجدان عاشقها ليتمادى في استحضار ما يؤرق أيامه “رجني بوحها أنداك إذ لمست جرحها في عمقه المظلم، وجهودها الهائلة يوميا للتغلب على حزنها… واكتشفت إلى أي حد تشبهني، وإلى أي حد هي وحيدة مثلي” في لحظة اشراق يصبح الحب في صراط المعاناة وازعا للارتقاء، تفتح منافذ التسلل نحو مسارات تستسلم لها للحياة. “يبدو أنا المنحوس القادم من تحت الأنقاض، لدي ملاك يحرسني – ظهر في شخص الأستاذ حمزة، وها هو يظهر من جديد في شخص الأستاذ الحربي، نكاية في الاستاذ طارق وكل من برى منكم أنني لعين لا أستحق كل هذا الكرم”.  في تقابل مسارات ” رباب” وعاشقها، تنجلي أسرار الحياة وخبايا مداراتها، لا شيء في الصب يضني غير الاعتقاد في أحادية النهايات، لا يستقيم الاعتقاد في شفافية المسالك ومجاري دورة الحياة. قد تقسو لحظة وتينع مباهج أيام، كما يكتسح الدمار الوجداني كل معاني الوئام مع نبض ومدارات الحياة.

“ليلة مع رباب” إبداع فيه استقراء لما نلتقي حوله ونختلف فيه، ما نريده وما نخشاه، رجاة تعصف بكل ما اكتمل في الدواخل من منى، هي الحياة كما تتدفق لحظاتها في تجليات، تفيض حبورا ويترصدها الأسى.

شارك هذا الموضوع

أحمد حبشي

فاعل جمعوي وناشط سياسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!