مآل الاستعصاء والإخفاق في رواية “سأعيد أمجادي مع امرأة أخرى”
عبد النبي بزاز
تتكون رواية “سأعيد أمجادي مع امرأة أخرى” للروائي العراقي حيدر جاسم محمد من العديد من الشخصيات والوقائع، وإن احتلت فيها المرأة حيزا كبيرا في تعالق وتساوق مع أحداث ارتبطت بشكل بارز بالعراق كوطن عاش تقلبات شتى أثرت على أنماط ووتيرة الحياة فيه. فبالنسبة للشخصيات المحورية نجد، بجانب سرمد وابتسام ولمياء، والدة ابتسام وشقيقها الأصغر، ووالدتها وزوجها الثاني وطليقها، ولمياء وأختها إلهام وزوجها وأمهما وأخويهما وأحمد بن لمياء وطليقها، وزوجة سرمد وبنته المزوجة وابنه حسن ووالديه وحفيده. فسرمد كشخصية أساسية يعيش وضعا ماديا متوازنا: “فراتبه الشهري كان مجزيا بعد احتساب مدة الفصل خدمة فعلية… وهو يزاول عملا آخر في محل بيع وتأسيس الكهربائيات… يتقاضى منه كذلك راتبا شهريا جيد المدخول…” ص14، ولعل ما ميز شخصيته أكثر هو ما طغى واستحوذ على فكره ومشاعره من موضوع المرأة التي وقع تحت طائلة التفكير في الارتباط بها بدافع نزعات تمتزج فيها الرغبة الجنسية والوجدانية العاطفية، وإن كانت علاقته بزوجته التي رزق منها بابنته وابنه حسن هي التي استمرت رغم ما شابها من نواقص وهنات والتي لم تثنه عن التفكير والعزم في اختيار زوجة أخرى: “وأخذ يتوعدها… بأن يتزوج عليها الثانية والثالثة لأنها سبب رئيس في تعاسته… ” ص 130، فلم يعد يتحملها وجودها معه حين ينبش في ثنايا ماضي ارتباطه بها، وظروف زواجهما التي كانت تفتقر لأي إحساس عاطفي يسهم في إرساء لبنات حب يمكن أن ينمو ويتطور فيمتن عرى التواصل والتجاوب بينهما: “فهو حتى عندما يتذكر أيام خطوبته لزوجته الحالية وإن كانت فترة قصيرة فهو لا يتذكر أن استوحد بها أو حتى قبلها قبلة واحدة، أو تناقش معها بأي موضوع لأنها كانت واحدة من أقاربه الذين وعدوه بأن تكون المرأة المطيعة والمحافظة بل وخادمة لوالديه حسب قول أهلها. ” ص131، وكلها إفرازات زواج تقليدي غير قائم على توافق عاطفي وفكري بقدر ما يحكمه رغبة الوالدين والمقربين: “وإن كان زواجي هو واحد من كل الزواجات المعتادة، في ديارنا الذي لم يكن لنا بها خيار سوى الموافقة لرغبة وإلحاح الأبوين وتشجيع الأقربين، وسرعان ما تترتب مثل هذه الأمور ونجد امرأة بين أحضاننا ولا يحق لنا أن نعارض أو نرفض أو نستنكر… ” ص7، وما ينجم عن ذلك من معوقات ومتاعب تؤثر على العلاقات الزوجية ؛ من ضيق السكن، وعدم قدرة الأطفال على الاستقلالية في النوم داخل غرفة خاصة حتى وإن وجدت: “ولأن ظروفه غير مهيأة لممارسة الجنس مع أهله لأكثر من سبب قد تعود لضيق البيت واجتماع أكثر أبناءهم معهم في غرفة واحدة، حتى وإن كانت هناك غرفة أخرى فأن أبناءهما يتخوفون أن ينامون بها بسبب تعلمهم منذ الطفولة النوم مع والديهم ، فضلا عن ممانعة الزوجة التي كثيرا ما تعاني من أعراض التعب وعدم الرغبة وتتعذر بالأبناء وتبرر بالكبر والانزعاج والملل ؛ نساء تحب المطبخ أكثر من الفراش.. “ص 17، ما فتئت معه رغبة سرمد في زواج ثاني تتطور، بل وتتأجج كلما سنحت الظروف والصدف بذلك بدءا بابتسام التي كانت من اختيار والدته: “فما كان اختيارها ليخطئ (ابتسام) أو يتعداها، وكيف ذاك وهي مضرب الأمثال بالجمال والدلال. ” ص 34، لما لمسته فيها من قيم جمالية وخِلقية، بينما كان زوج أمها يرغب في تزويجها لشخص يتبوأ مكانة رفيعة في هرم المجتمع، وإن كان يفتقر لنبل الأخلاق، وحسن الخصال مما طبع علاقتها بها بتقلب مرهون لحالات المزاج وأهوائه: (ابتسام) تعيش تحت إمرة زوج أم كان مسؤولا حزبيا اشتهر بالخمر والفسوق إلى درجة التفريط بعائلته أما عن طريقة معاملته مع ابتسام كانت طريقة مزاجية كونه يرغب في تزويجها من أصحاب الشأن لحسنها وجمالها وتارة يغلظ عليها، فيشتمها وينعتها بنعوت شتى للحط من شأنها وشأن أمها.” ص35، في غياب والدها: “خاصة وهي تفكر بأن تلتقي بأبيها الحقيقي الذي طلق أمها وهي صغيرة وهاجر إلى العراق … وتضاربت الآراء حول مكان إقامته … ” ص35، دفعها لقبول هكذا زواج يمكن أن يخلصها من وضع أسري معكر ومأزوم ويوفر لها حياة أفضل: “ابتسام تعرف ما ل سرمد من عمل راق وسفر دائم وتأملت أن تنجو معه بعيدا من سلطة زوج الأم، وتنفتح على عالم جديد … ” ص 35، إلا أن الزواج لم يتم بسبب شروط وضعتها خالة ابتسام تمثلت في توفير بيت مستقل، وهو ما يبعده عن والديه: ” الخالة، بخبث: … أنها تطلب حقها بأن يكون لها بيت مستقل، بعيدا عن أهلك، لتأخذا راحتكما. ” ص62، دون أن تحدد ابتسام موقفها من كلام خالتها: ” خاصة أن ابتسام لم تبد أية كلمة قبول أو رفض، وما إذا كان لها يد في ذلك أم لا … ” ص 62، مما عجل به لحسم أمر إنهاء علاقته بها لأنه لايمكن قبول أو الرضوخ لقرار أي امرأة تبعده عن والديه مهما بلغ مستوى هيامه بسحر جمالها، وجاذبية فتنتها: “وهل يعقل أن تكون سحرته إلى درجة أن يترك أهله لأجلها، هيهات فهو الابن الوحيد لهما ودائما ما ينعتونه بالابن البار، فكيف يتحول في لحظة واحدة وراء ابتسامة امرأة ، قد لا تفهم الحب أصلا إلى ابن عاق … ” ص62، مما حتم عليه فسخ الخطوبة ، والحسم في موضوع الزواج: ” فسخت الخطوبة، بعد أن استعاد جميع ما قدمه من مهر ونيشان… ” ص 63، ورغم ما استشعره من خيبة وانتكاس في فشل تجربته معها فإن ذلك لم يمنعه من تكرار محاولة البحث عن امرأة/ زوجة ثانية تشبع رغبة عشق تأجج بدواخله ، وتشفي غليل توق ظل مستعرا بفؤاده فكان اللقاء بلمياء في بيت زوج أختها إلهام الذي استدعاه لتأسيس كهربائيات الطابق العلوي من بيته ففتن بجمالها، وأغوته تفاصيل جسدها، وحسن قوامها: “وهو يتفحص ذلك الوجه المتلألئ وتلك البسمة الصارخة، وذلك الملبس الوردي ذي الفتحتين الجانبيتين التي تعلو الركبة قليلا … وتلك القلادة التي تشع نورا يكاد أن يخبو بريقها في بريق الصدر الممتلئ والرقبة العنقاء… فارعة الطول، متروسة البنية، هيفاء البطن، ممشوقة الساقين… كل ما فيها جذاب وساحر…” ص79، لتنطلق تفاصيل عشق وانجذاب انتهى هو الآخر إلى فشل وإخفاق، وإن كانت علاقة أكثر امتدادا وعمقا في الزمن عبر تجاذب عاطفي نابض بفورة الأحاسيس والمشاعر، منتعش بزخم حب مشبوب إلى أن استنفد بريقه وتوهجه وعنفوانه. فبعد أن كبح جماح توقه العارم نحوها، وحد من غلوائه اعتقادا منه أنها لا تزال على ذمة زوجها: “لكنها امرأة على ذمة زوج ، هذا ما كان يتوقعه سرمد، وهو ما لا يتمناه… وظل يتمنى أن يخوض غمار تجربة عشقية جديدة… ” ص 81، وإن كان أحس أنه وقع، فعلا، في شرك عشق آسر: “وقلبه ينظرها بكل تفاصيلها، وكان كلامها يتسلل لكل أحاسيسه، بل ويهيج كل مشاعره وينساب مع تدفق الدم . ” ص81، مما رفع وضاعف من منسوب تعلقه بها حين علم أنها مطلقة: ” سرمد متلهفا : تعنين مطلقة ؟ / لمياء : وغير مرتبطة حاليا . ” ص 81، فغمرته بهجة لا حدود لها ، ونشوة طافحة إلى البوح لها بما ينتابه من انجذاب وميول نحوها: ” أحس، أنك قريبة على قلبي، وكأنني التقيتك في عالم آخر، وكأنني على موعد مع القدر. ” ص 82، لينغمسا في فصول علاقة كانت هي الأغنى والأعمق في تجربتهما بعد أن عبر كلاهما عن اهتماماته وميولاته في الحياة ، فإن كان السفر هو هواية سرمد الذي زارالكثير من بقاع العالم فحل ببلدان من آسيا وأوروبا وإفريقيا ليس كسائح ولا دبلوماسي، ولا مترجم بل كبحار، ليسألها عن تحصيلها الدراسي والذي أخبرته بأنه لم يتجاوز مرحلة الإعدادي، ورغم ذلك فهي من هواة السفر والمطالعة من قراءة للشعر والغزلي منه خصوصا، كما تقرأ الأدب الإنكليزي، وعلم الاجتماع المتعلق بموطنها العراق، ولم يمنعها خروجها من تجربة زواج فاشل من الحلم بزواج أفضل يعوضها عن الارتباط السابق، وما كان من سرمد إلا أن شجعها على ذلك معتبرا أن طليقها هو الخاسر: “أقسم أن زوجك هو الخاسر. ” ص 92، نافية ذلك لما سببه لها ذلك الطلاق من خسائر: “الحق أنا الخاسرة، فهو استطاع في فترة وجيزة وضع امرأة بين أحضانه، بينما لا أجد بين أحضاني سوى ابن أحار في معيشته أحيانا، فضلا عن أني مهددة في أي لحظة شاء أن يأخذ الابن من يدي، كما أني خسرت وظيفتي، وهو في ترقية مستمرة، أنا مهجرة عن دياري مشردة وهو قابع في دياره محترم في مكانه. ” ص93، ورغم أنه كان ناظما للشعر والغزلي منه بالخصوص فإنه لم يفلح في أسر مشاعرها، والتوغل لألياف فؤادها بما أنشدها من أشعار بغية استمالتها لما تتمتع به من رصيد ثقافي مكنها من التمييز بين مستويات الشعر الجمالية والدلالية: “كان سرمد يركز على بعض الكلمات ويرجع يرددها توكيدا كونه يريد إيصالها للأعماق، وهو يأمل منها تحقيق غايته ومراده ” ص 109، إلا أن ذلك لم يكن لينطلي ويؤثر عليها بسهولة : ” بينما كانت تستمع بذوق وهي تركز بكل كلمة وحرف، ليتسنى لها الانتقاد فيما بعد بشكل موضوعي … ” ص109، بل تجلى حسها النقدي في قولها : ” لكنها ليست دقيقة المعاني ،وحسبي أنه مجرد هيام… ” ص110، ورغم ذلك فهذا لم يمنعها من الشعوربحاجتها إلى حياة تغمرها بمشاعر الحب والرحمة و تعوضها عن زمن الغبن، وأيام القسوة والحرمان: “استشعرت نفسها أمام بداية جديدة، عليها أن تعترف بحاجتها الماسة لمن يساعدها ويأخذ بيديها لعالم آخر مليء بالحب والرحمة … ” ص 95، وما تفتأ تتحدث عن أهم تفاصيل حياتها لسرمد في استجابة لطلبه: “المهم أني سأخبرك ما تريد ” ص 107، لتشرع في قص حكايتها باختصار قائلة: ” كنت واحدة من بنات العوائل الميسورة ماديا… وأنا خريجة كلية اللغات تنقلت بكذا وظيفة آخرها وزارة الدفاع قبيل سقوط النظام، كنت مؤهلة لذلك كوني حزبية ملتزمة بمبادئ الحزب، فضلا عن ثرائي وجمالي وشهادتي وعلاقات عائلتي مع رجال الدولة”..ص 106، وكيف تزوجت من مسؤول كبير في وزارة الدفاع برتبة عقيد بعد أن أصر على الزواج منها: “بعدما حاول التعرض لي مرارا وتكرارا ، لكنه في كل مرة يبوء بالفشل ، لم يجد غير الزواج سبيلا يضمن له حق التمتع والتملك … لم أر منه سوى الطباع الغليظة والأخلاق السيئة… لكني صبرت على مضض ، خاصة بعد أن أنجبت منه طفلا ، إلى أن فاض بي الكيل ، وحالفني الحظ بعد سقوط النظام وانقلاب كل الموازين فرحت أهدده بان أشتكيه إلى الأحزاب الذين يبحثون في كل زاغول عن كبار الضباط ، أو أن يطلقني ويتنازل عن ابننا الوحيد ؛ وبالكاد فعل. ” ص 107، إلا أن مصير علاقته بلمياء كان هو الفشل والإخفاق رغم اقتناعهما بالزواج كما أكدت هي ذلك لكسب ما تبحث عنه من دعم ومؤازرة كانت في حاجة ماسة لها: “نعم أنا محتاجة لمن يقف بجانبي ويساعدني لا أعني ماديا بمقدار ما أنا محتاجة إلى شخص محب ذي نخوة وإباء … ” ص 108، ولم تستبعد سرمد من أفق اختياراتها: ” فهي مستعدة على أن تعيش معه إذا ما وفر لها شروط العيش الكريم.” ص113، كما صرحت له بذلك عبر سؤال مباشر: ” هل تريدني زوجة ؟ ” ص113، إلا أن رده كان مرهونا بتحد فضفاض لا يخلو من روح المغامرة كما يستشف من كلامه : ” نعم ، ولكن لنعيش الحب أولا . ” ص 113، وهو ما رفضته : ” لذلك لم تجد لمياء أمامها إلا أن توقفه وتردعه عن أي تصرف طائش، فهي ليست طفلة لتنطلي عليها مثل هذه الألاعيب … ” ص 116، كما حظيت بمكانة مميزة لديه حفرت أخاديد عشق ووله في طوايا حسه ووجدانه عجز عن التخلص والانعتاق منها : ” لكن اللذة التي شعر بها مع لمياء كانت غريبة بشكل ما كانت لتفارق مخيلته كأنها من نوع غرائزي مهول لم يشعره بمكان آخر … ” ص 117، وإن كان عاش تجربة مماثلة مع ابتسام : ” ألا ابتسام تلك الخطيبة التي لم يربح من ذكراها سوى ذلك التقبيل الذي ما زال ذكراه محفورا في المخيلة … ” ص118، والذي يتمنى أن يعيده مع لمياء وإن بشكل مختلف لما تتميز به من رصيد معرفي وثقافي أفادها في الاستجابة والتجاوب مع رغبات الرجل بما يحركها من شهوة وتوق بمعايير خاصة ومختلفة : ” فهو يتمنى أن يعيد تلك الأمجاد مع لمياء لكن على نحو أفضل بكثير ، كون الثانية متعلمة … فهي متفهمة لرغبات الرجل الجامحة ، وإن كانت الأمور بعفويتها وتلقائيتها أفضل بكثير عند البعض ، إلا أن سرمدا كان يفضل المرأة المثقفة جنسيا كونها غير متعبة ، وتستطيع بسرعة تحقيق الرغبة المتبادلة . ” ص 118، ورغم حاجتها إليه لتبديد ما تحس به من وحشة ، وما تستشعره من وحدة : ” فهي بالتأكيد بحاجة إلى رجل ينتقل بها من وحشة الوحدة واختناقاتها إلى عالم الشراكة المقدسة ، عالم الحب والاطمئنان … ” ص133، إلا أن ذلك لم يفلح في هدم الهوة بينهما خصوصا لما خبره من ثقافتها الواسعة التي منحتها ثقة في النفس حصنتها من أي انزلاق أخلاقي يسقطها في مغبة الرذيلة ومهاويها : ” حتى تكونت لديه فكرة أنها امرأة شيوعية الفكر … تتمتع بثقافة عالية مع شيء غير قليل من الثقة بالنفس … ” ص134 ، وهو ما يعوز زوجته وتفتقر إليه : ” كان يحبذ لو أن معشار ثقافتها عند زوجته . ” ص 134، وهذا لم يمنع لمياء عن تحقيق رغبتها في الاقتران بزوج يضمن لها حضنا يمنحها الثقة والأمان والاطمئنان مع استعدادها لمساعدته ماديا بالبحث عن عمل : ” ما حدا بها هي الأخرى إلى أن تبادره بالمساعدة حيث وعدته بعد الزواج بأن تبحث عن فرصة عمل للانتفاع من مدخوله المادي لإيجار بيت أو شقة لهما ، كون الأمر بغاية الصعوبة . ” ص 138، إلا أنه رفض ذلك لان مهمته كرجل تتمثل في تحمل مصاريف العيش ونفقاته ، ورغم ذلك ظلت متعلقة به ، ومتمسكة بخيط الأمل إلى أن طفقت العلاقة بينهما تنحدر نحو الفتور والبرود حتي طالت نهايتها : ” وماتت تلك الآمال ، وذبلت ورود التلاقي وتبدد الوصال . ” ص 142.إلا أن ذلك لم يمنعه من معاودة البحث عن زوجة أخرى يعيد بها أمجاده ، لتظل تجربته مع لمياء هي الأغنى والأرحب ، وإن أعاد قبل ذلك الكرة مع ابتسام بعد عقدين من انفصالهما حيث نجح في الاتصال بها عبر النقال بعد محاولات عدة مؤكدا لها رغبته في تجديد العهد والصلة من خلال قوله : ” ولكم أنا طامع بأن أعيد أمجادنا القديمة . ” ص66، إلا أنه اصطدم بردها الثابت والحازم بعد أن أضحت أرملة قائلة : ” دعني أوفر عليك الوقت ، وأقول لك بجدية أن ما تبتغيه وتطلبه ليس عندي ، والأحرى أن تفتش عليه في مكان آخر . ” ص 67، ورغم محاولاته ثنيها عن تغيير قرارها إلا أنه لم يفلح في ذلك : ” وما كاد ليكمل حديثه حتى انقطع الخط وتعلق من جديد ن بين يأس واستحالة ، وأمل بعيد المنال . ” ص68 .
لنخلص في الأخير إلى أن مصير ومآل ظفر سرمد بزوجة ثانية لإعادة أمجاده مع امرأة ثانية كان هو الاستعصاء والإخفاق.
ولا يفوتنا التطرق إلى موضوعات وعناصر أخرى تضمنها سياق الرواية ومجريات وقائعها ؛ كموضوع الوطن الذي عاش العديد من المآسي والنكبات : ” ولأن الزمن متهم دائما بأنه من حمل الكثير الكثير من المآسي والويلات للعالم عموما وللعراق على وجه الخصوص … رغم أن هذا العالم متوغل في يوميات الفرد العراقي بكل تفاصيله ، فهو ما زال يحلم ويأمل ويعشق ويمارس حياته الطبيعية رغم الظروف وقساوة العدو . ” ص 14، وهو ما أثر على حياة المواطن ، رغم ما أبداه من صبر وثبات ومقاومة كي يحافظ على إيقاع حياته بآمالها وأحلامها وطموحاتها رغم أعطاب السياسة ، وفساد الساسة : ” في زمن كتب على مجتمعنا أن يقبر بالحياة ، وأن يدفن تحت أنقاض السياسة الفاسدة ، وعصابات البلطجة التي اشترك فيها المتآمر الحاقد والقريب الجاحد ودول ومخططات وأهداف وصوليين ، فظل الشعب الضحية الكبرى على طول مشوار . ” ص 76، وطن دكت أسسه ، وقوضت صروحه ، وشوهت صوره الحضارية والثقافية فوقع تحت طائلة الهدم والتدمير بدل البناء والتشييد مما يستدعي أمدا طويلا لإعادة الترميم والإصلاح حسب قول لمياء : ” الحقيقة أني لم أستطع أن أغير شيئا ، وإن بقيت إلى أمد طويل ، ذلك بفضل ما تصنعون ( واحد يعمل ومائة يخربون ) ” ص 95، لتتضاعف معاناة شعب خسر العديد من معارك فرضت عليه دون اختيار أو مشورة من قبل قيادات انتهازية همها تختزله في تحقيق مآرب شخصية على حساب حرية المواطن وكرامته وظروف عيشه : ” بينما كان العراق يدخل معركة تلو معركة لتشبع القيادات نزواتها المريضة على حساب الشعب المتهالك والذي تساقط كأوراق الخريف ذبولا واصفرارا . ” ص 122. إلى جانب الدين الذي ورد في سياق أداء الصلاة حينا : ” وكثيرا ما يتوجه إلى أحد المساجد أو مقامات الصالحين لصلاة الظهر التي تكون على مقربة من عمله … ” ص31 ، أو خلال مزاولة عمله استجابة لإكراهات الشغل : ” ترك عمله وتوضأ وصلى… ” ص 99، وفي ثقته وإيمانه بالله الذي يهتم بخلقه ولا ينساه : ” لكن الله لا ينسى خلقه . ” ص 130، وموضوع الحب والحلم اللذين ذكرا في السياق السردي للرواية : ” كل الناس بإمكانها أن تحلم ، وتحلم ولا شيء يمكن أن يعيد الشباب والنشاط سوى الحب … ” ص 26، فالحلم يقود للحب ، والحب سبيل لإعادة الشباب وما يعج به من نشاط وحيوية يجدد الدماء ، فتصفو معه المشاعر ، وتتحرك بركة الأحاسيس فتغدو مياهها منسابة رقراقة . كما تميزت لغة المتن السردي بمسوح مجازية في الوصف والتصوير حيث نقرأ : ” كون إبراز الرموش كأنهن نبال سود والعيون الواسعة التي تحتمي بهن كأنهن بحور متلألئة … ” ص23، وفي نظرة تكشف أمارات الجمال ، وتستجلي مظاهر سحره وجاذبيته : ” وهو يتفحص ذلك الوجه المتلألئ وتلك البسمة الصارخة ، وذلك الملبس الوردي ذي الفتحتين الجانبيتين التي تعلو الركبة قليلا … ” ص 79 ، إلى غيرها من عناصر الحكي وصيغه بأبعادها الجمالية والدلالية .
وما دام أن موضوع الرواية ، بدءا من العنوان ، يتمحور حول المرأة فقد أدلى بطل الرواية ” سرمد ” برأيه حولها من خلال رؤى مختلفة مقارنة بوضعها القديم والحالي : ” وإن كان يقال عن المرأة كلها عورة في السابق ، فلا أدري ماذا يقال عنها في اللاحق ، وهي تصطف مع الرجل في كل الميادين ، ومنهن من وصل بهن الحال إلى أن يصبحن نوابغ … ” ص22، وما حققته من تقدم ورقي غَيَّر من نظرة المجتمع لها . و من خلال رؤيته ونظرته لزوجته التي يرى بأنها لا تفهم كنه الحياة فيما يمكن أن تقدمه للرجل / الزوج من حب مشفوع بمشاعر التوق والحنان ؛ وهو ما افتقده فيها فقاده إلى البحث عن امرأة أخرى : ” لو لم تحرمه من الحب لما سعى وراء غيرها … ” ص131، ليتأكد أخيرا أن سعي سرمد وراء امرأة / زوجة ثانية آل إلى الاستعصاء والإخفاق عبر تجربته مع ابتسام ، وأيضا رفقة لمياء ، وإن كانت جذوة إعادة أمجاده مع امرأة أخرى وإن ظلت مشتعلة فإنها لم تبق على توهجها ولم تحافظ عليه لما عاشه من نكسات معهما ( ابتسام ولمياء ) رغم ما زخرت به علاقته بهما من زخم عشق وانجذاب سرعان ما ذبل واضمحل وتلاشى.
__________________________________________________________________
سأعيد أمجادي مع أمرأة أخرى (رواية ) حيدر جاسم محمد ــ البصرة / العراق2008
