ماذا لو انكسر “راس لافوكا” وانفجرت فقاعة مغرب الواجهة؟!
عبد الرحيم التوراني
يقول الحكماء: “عليك توقع السيناريو الأسوأ حتى لا تُباغتك الصدمة، أما التفاؤل فمكافأة مجانية تأخذها حين تأتي”…
هذا المبدأ يبدو اليوم الأكثر إلحاحا ونحن نرقب غليان المدرجات المغربية. فالمشهد الذي شهده ملعب مولاي عبد الله بالرباط عقب التعادل أمام مالي، لم يكن مجرد غضب عابر، بل كان بروفة لزلزال اجتماعي وشيك. تلك الشتائم التي انهمرت فوق رؤوس اللاعبين، واستهزاء الجماهير بوليد الركراكي “راس لافوكا“، لم تكن سوى قشرة رقيقة تخفي تحتها بركانا من الإحباط الشعبي الذي ضاق ذرعا بالمقايضة بين الرغيف والكرة.
إن الفكرة المتشائمة التي تلوح في الأفق، والتي يراها العديدون من خبراء الكرة واقعية تماما، هي أن المغرب لن يفوز بكأس إفريقيا المنظمة فوق أرضه.. فالحقيقة التي يتهرب منها الكثيرون هي أن إنجاز مونديال قطر لم يكن نتاج عبقرية الركراكي الذي تسلم المنتخب قبل شهرين فقط، بل كان ثمرة عمل شاق للمدرب البوسني وحيد خليلوزيتش… ومنذ تلك اللحظة، تضخمت “أنا” الركراكي بشكل نرجسي مفرط، نراه يواجه الصحفيين بتعالٍ، ويعتمد اختيارات عشوائية قائمة على العاطفة، كإصراره على العميد غانم سايس المجهد بدنيا إضافة إلى تقدمه في السن، مما يجعل حلم تكرار الفوز بالكأس الغائبة منذ 1976 يبدو كسراب في صحراء الإخفاقات التكتيكية.
لا يمكن إغفال الجانب الوجداني في هذا التراجع.. إذ يرى الكثيرون أيضا أن ما يحدث هو بمثابة “لعنة حكيم زياش”… فاستبعاد نجم بسبب تدوينات له آزر فيها أهالي غزة وانتقد التطبيع، جعل المنتخب يبدو في نظر قطاع واسع من الشعب وكأنه منتخب المؤسسة المنفصل عن نبض الشارع، مما أفقد الفريق ذلك السند الروحي الذي لا تصنعه المليارات ولا فخامة الملاعب.
لكن الكارثة الكبرى لا تكمن في المستطيل الأخضر وحده، بل في تلك الهوة السحيقة بين برستيج الملاعب وقبضة السجون.. فبينما تحاول الدولة التبشير بـ “مغرب ما بعد 31 أكتوبر 2025” كفصل جديد من التحديث والازدهار.. لا يزال صدى أنين معتقلي حراك الريف يتردد في الزنازين، ولا تزال قضية معتقلة الرأي سعيدة العلمي وشباب “جيل زد“ المعتقلين بسبب تدوينات أو وقفات احتجاجية، أو بسبب كلمة فلسطين على قميص “تي شيرت”.. تلطخ ثوب المونديال البراق.
لقد رُوّج لسنوات عن “نهاية سنوات الرصاص”، لكن الواقع يقول إن “الرصاص” استُبدل بـ “القبضة الرقمية” والملاحقات القضائية لكل من يجرؤ على نقد الأولويات…
إن استمرار اعتقال ناصر الزفزافي ورفاقه من معتقلي حراك الريف، والحكم بالسجن على شباب “جيل زد” الذين يطالبون بالمستشفيات بدلاً من الملاعب، يجعل من أعراس “الكان”، ومن مونديال 2030 وكأنها تقام فوق جروح نازفة لا تريد السلطة مداواتها بغير المقاربة الأمنية.
ويبقى السؤال الحارق: ماذا سيحدث إذا أُقصي المغرب؟
بلا شك إن السلطات الأمنية أعدت الرد “الواجب” على التظاهرات الممكنة.. وأنها تدرك جيدا تحول الجمهور المغربي إلى كتلة كروية، عقيدتها كرة جلد منفوخة بالبرد، وفشل هذا المخدر يعني استيقاظ الألم دفعة واحدة…
إذا سقط المنتخب ستتحول الكرة من أداة للاعتزاز والفخر الوطني إلى فتيل لتبني عام لمطالب “جيل زد” السياسية والحقوقية…
حينها، لن يجد “راس لافوكا” محاميا يجرؤ على الدفاع عن خياراته العبثية، وقبله ستتوارى “هالة” فوزي لقجع، رئيس جامعة الكرة، الذي سيسقط عنه قناع “صانع المعجزات” لتعود صورته إلى حجمها الطبيعي كأحد قيادات “حزب البام” (الأصالة والمعاصرة)، المنغمس في صراعات السلطة والنفوذ. لن تجدي حينها نفعا خطابات التبشير بمغرب “ما بعد 31 أكتوبر”، ولن تنجح كل المساحيق السياسية في إقناع مواطن جائع أو مريض يئن في ردهات المستشفيات المتهالكة، بأن فخامة الملاعب يمكن أن تنوب عن الحق في السكن أو كرامة الحرية.
عدم الفوز سيكون كارثة اجتماعية.. سيتحول الغضب الكروي إلى تضامن مع معتقلي الرأي، وسيرتفع شعار “باراكا من التيرانات.. بغينا الصبيطارات”.. وشعارات الحرية ستزلزل بقوة أركان مغرب الواجهة…
السيناريو الأسود على مرمى خطوة.. والكارثة الأسوأ بالباب، والصدام بين برستيج الدولة وكرامة المواطن بات وشيكا…
فهل ستكفي الملاعب الفخمة لحجب رؤية السجون والفيضانات والبيوت المنهارة؟!
صافرة النهاية في الكان قد تكون هي “صافرة البداية” لحراك لا يعرف المراوغة.
